رضوان حجازي

دفناه مع آخر خيوط لشمس ذلك اليوم ودفنا معه أكبادنا لم أري دموعا ولكني سمعت اصواتا و أحسست بان الأرض من حولي كأنما سقتها السماء للحظات لكم تمنيت ان يبقي قليلا يكمل لي آخر ترتيبات زواجه
قبل رحيله بأيام قلت ليهو ؛؛خبرك مالي البلد قالو عايز تعرس وتبقي راجل ذي الرجال ؛؛ ويزداد ضحكه وهو يقول ( وينو الرجال علي قول عوض حجازي) يا زوووول لميت ليك في واحده من ناس بحري خالص لسه ما شافتني وأنا طبعا ما حاقدر أشوفه عمري كلو لاكين ما دقست دقسه) 0
كان رحيله المفاجئ جرحاً آخر انضم إلى بقية الجراحات ولكنه كان جرحاً لم ينم في داخلي حتى هذه اللحظة. كان محبوبا من الجميع لم أري أحدا يكن له الناس كل تلك المودة ما أن تراه حتي تخرج كل شياطين النكد من حولك لتحل البهجه والحبور
ولكن كيف ترقي الكلمات لتقترب من رضوان وتسجل له كل الاشراقات وكيف تغسل دموعنا المآقي وهي تعلم إنها لا تكفيه حزنا ولوعه مهما سكبنا من العبرات
إذا لم تسعفك الأيام بسماعه خطيبا او تاليا للقرآن لكنك ما ان تراه حتي تدرك عظمه التدين في ملامحه الوقوره وسمته الجميل وهيبته الوسيمه كانت ضحكاته وقفشاته تملا كل الساحات التي يرتادها ، كنت بيني وبين نفسي أدرك ان هذه الرحله قصيره وليس أمثال رضوان ان يبقي بيننا 0
لم يري ما سمحت لنا به الأيام ان نراه ولكن عيونه أخذته الي ابعد من مرمي أبصارنا وهو يحدق في البعيد ويبتسم
والفكره تستفزني يا أحبتي كيف لي ان أغمض عيناي وأسير كل تلك المسافه حتي انتهي الي المسجد في الغسق وطريقي محفور بالجداول والتقناد وأمعنت النظر في التجربه هل نحن ننظر الي موقع أقدامنا ام هو انعكاس للطريق ومعالمه
قد مررت بعد ذلك بهذا المكان كثيرا ليلا ونهارا قاديا ورايحا وحفظت بياناته وتعثرت في احد جداوله او تقانده لكني لم أجد اجابه لسؤالي العريض وخجلت من نفسي أن ألحّ عليه ودفنت سؤالي معه وهلت عليه التراب
ومثل شيخ رضوان كان يمكنه ان يتقرب إلي الحكام ويمد رجليه وهو الخطيب والمجوّد والحافظ لكتاب الله لكنه اختار ان يصلي جائعا خلف الحسين من ان يغني مترفا عند يزيد
كنت أقف خلفه واضع يدي علي كتفه وأقول ليهو(شيخ فطقه) فيضحك وتسرح ضحكته بطول البلد وعرضها ويرد (شفع بحري الجدول ديل ما قلنا ليهم ما تجو العاصمه دي بالليل)
عندما ألاقيه آخذه بالأحضان وكأنه يشم رائحة محبيه فيعرف كل باسمه يقول لي (صاحبك عوض أمبارح مشغّل ليك شريط مصطفي سيداحمد ؛؛والله نحنه مع الطيور ؛؛والله نحنه مع الطيور؛؛لحدي نص الليل ما أدانا النوم ياخي ما تجي تشوف لينا صرفه معاهو) 0......
كنت متعودا أن أعود إلي البيت متأخرا بعد ينام الجميع وتضع لي الحاجه نصيبي من العشاء علي الطربيزه فكان له بالمرصاد ما ان يغفل الجميع حتي يضع مخالبه في طرف الطربيزه ليطيح بالأكل علي الأرض ويجلس متربعا لينعم بوجبتي وحده ويزداد غيظي كل يوم وأنا أقول للحجه (ما تضبحي لينا الديك ده وتريحينا منو كل يوم يأكل عشاي )ولعله كان يدرك مكانته لدي الحجه فينفض جناحيه زهوا ليزيد من غيظي0
جلست بالقرب من الحجه والخميس يأخذ آخر أشعته ليرحل تاركا للجمعه مساحه للطله
قلت ليها (يا حجه بكره عندي زول غالي جدا جاي يفطر معاي عايزك تعملي لينا فطره كاربه كده
ردت والله لو صحبك يستاهل ما عندي مانع الفول موجود وجيب ليك كيلو لحمه ،،
وكان يجلس القرفصاء علي جانب بالقرب مني يقلب عيونه بيننا وكأنه أدرك ما اعنيه وفهم مغزي الحوار وانه صار قاب قوسين من السكين ورمقني بنظرات ملؤها البغض والكراهيه وتبسمت في وجهه بكل شماته الدنيا وقد حان لي ان اقتص لعشائي المسكوب
(يا حجه ما تضبحي لينا الديك الحمريطي الأهبل ده ) قلت وانا أتعمد النظر اليه وتململ هو في مكانه
(لو بتدفع لي تمنو بضبحوا ليك) ردت الحاجه
وكأنما سر لهذا الرد فعاد رافعا منقاره للاعلي وحتي اقطع عليه طريق الإفلات صحت
( يمه شيخ رضوان جاي يفطر عندنا بكره )
وتهللت أسارير الحجه وقالت ( أكان كدي قوم سنن لي السكينه وما تنسي تكسّر لينا شويه واقود المصخوت ده عايز نار كتيره عشان ينجض)
ونظرت إليه فإذا هو ناكسا رأسه لم تأخذني عليه شفقه أحسست حينها بزهو الانتصار
ومع الخيوط الأولي لشمس تلك الجمعه صحوت علي صوت التلفون يرن وجاءني صوته علي الطرف الآخر (ياخينا عندي محاضره في مجمع أنصار السنه الساعه عشره لو رجعت البيت بدري حاجيك افطر معاااك ولو ما حصل سامحني المرااات الجايه كتير )ولم يترك لي فرصه الرد
فنظرت فإذا حمريطي يجلس بجانبي علي الفراش أحسست برهبه حقيقيه لعله يستعد للانتقام او لعله جاء متعذرا ان امنحه فرصه أخري يحسن فيها من تصرفاته ولكني كنت قد اتخذت موقعي من المعركه فلم تشفع له نظراته الاخيره 0
وأمسكت به الحجه وهو لا يبدئ أي مقاومه الأمر الذي زاد من حيرتي ووضعت عنقه علي الأرض
ولمعت بيدها الاخري السكين
ومررت بجانبه وانا ارميه بنظرات الوداع والشماته قبل ان أتسلق النخله اجلب الواقود وحانت مني نظره الي خارج البيت ومن بعيد لاح عوض حجازي وهو يعدو نحونا وأنا أفتش بجواره عن شيخ رضوان فلا أجد
وعيوني تحتار بين مسافه السكين وشيخ رضوان الذي لا يأتي وأصيح بكل ما املك من صوت (يمه ما تضبحيهووووووووووووووووو شيخ رضوان ما جاي)
وتوقفت السكين علي حافه عنق حمريطي وافلت من يد الحجه ونجا من الهلاك 0
عدت في ذلك اليوم كعادتي بعد أن نام الجميع لأجد صينيه عشائي كما هي لم يدنو منها حمريطي
ووجدته جالسا بالقرب منها كأنه يحرسها يا للعجب وضعت احدي الأواني أمامه بعد أن ملأته بالطعام ، نظر اليّ ونفش ريشه وهوي بمنقاره علي الأكل وكان ذلك بمثابة اتفاقيه مصالحه أو لعلها هدنه يعود بعدها كل منا ليتخذ موقعه من المعركه 0
انتظرت الشيخ كثيرا ولم يأتي حتي ذهبت في وداعه ذلك اليوم ونظرت اليه وهو مسجي علي العنقريب واقتربت علي مهابة ان يراني الآخرون وهمست بحشرجه البكاء (شيخ فطقه حمريطي موجود والسكين سنينه وجاهزه !! ليه ما جيت ؟؟؟؟؟؟؟؟) وانتبهت لأحدهم وهو يصيح المقبره جاهزة يلا صلوا 0
انعم في مرقدك الأخير الحبيب رضوان فمثلك من يحب المولي سبحانه أن يختاره بقربه وجواره ومثلك لا يموت لأنك حاضرا في قلوب الجميع .