| مما قرأت | |
|
+5مني عبد المتعال نضارعبدالكريم العمده مجدى حسن مشيرة هيثم شهلي 9 مشترك |
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:14 am | |
|
قولوا حسنا
ماذا وراء الماء العكر؟
محجوب عروة [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
وصلتنى معلومة خطيرة عن مشكلة الماء العكر أريد توصيلها الى المسئولين ليحققوا فيها ان كانت صحيحة، فقد علمت من مصادر مطلعة أن السبب الرئيسى هو شبهة فساد فى العطاء الخاص بمادة التنقية التى تقوم بتصفية ماء النيل من العكارة، وأن مسئولا قد اعترض على نوعية تلك المادة وفترة صلاحيتها. أرجو أن يتم التحقق فى الأمر وكيف ولماذا أصبح الماء عكرا، هل من فساد المادة وانتهاء مدة صلاحيتها مثلا كما تقول المصادر، أو بسبب عدم توفير ميزانية خاصة لأصلاح الشبكة، أم بسبب عدم توفر عملات أجنبية لشراء المادة كأستعداد مسبق للخريف والطمى المتزايد فى مجرى النيل، أو ليس هذا وذاك بل بسبب قصور هيئة مياه الخرطوم كما ذكرت أمس الأول فى مقالى؟ فالأمر لا يخرج من واحد من تلك الأحتمالات. هذه وغيرها أسئلة موضوعية وأساسية لابد أن يشملها التحقيق ونحن كصحافة مهمتنا ليس التحقيق القانونى والأدارى بل ننشر ونعلق على ما نسمعه من مصادرنا الخاصة لنضعها بين يدى المسئولين ونواب المجالس التشريعية على المستوى المركزى والولائى والمحلى ان كانوا يرغبون فى الرقابة و المحاسبة.. الشعب يريد معرفة الحقيقة كاملة وبكل الشفافية وبأسرع مايمكن فلا يعقل أن يدفع المواطنون الضرائب والرسوم والجبايات بصورة أرهقتهم، حتى تكايف تعليم أبنائهم رغم أن الدستور قرر مجانية التعليم بنص واضح وبعد ذلك تعاقبه الدولة بماء عكر هو أولويات وأساس حياته وحياة اسرته خاصة الأطفال فيضطر الى علاجهم عندما يمرضوا بسبب الماء العكر و الذى أصبح هو الآخر علاجا تجاريا كذلك رغم أن الدولة من مهامها توفير العلاج مجانا خاصة للحالات الطارئة ولكنها لا تفعل. مطلوب بيان عاجل ووضح وصادق من السيد والى الخرطوم، ومطلوب تحرك من المجلس التشريعى لولاية الخرطوم، فاذا لم توفير الماء النظيف من مسئولية الأثنين فما هى مسئوليتهم السياسية والأخلاقية تجاه المواطنين. اذا صدقنا ما صرح به السيد الناطق الرسمى لهيئة مياه الخرطوم بأن سبب العكارة هو هطول أمطار غزيرة فى الهضبة الأثيوبة فان ذلك يكشف قصورا فى الأداء اذ كيف لا تتحوط الجهات المسئولة للأمطار الغزيرة القادمة من ألهضبة الأثيوبية فما نعلمه أن مستوى الأمطار العالية ليست الأولى فى تاريخ السودان، وهل سيحصل المواطن سنويا على نسبة العكارة كلما جاء الخريف فى الهضبة الأثيوبية أم سيكون الأمر غير ذلك ويستفاد مما يحدث اليوم؟ لا أعتقد أن هذا هو السبب الحقيقى، دعونا نعرف الحقيقة.
نشر بتاريخ 25-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:15 am | |
|
إليكم
الطاهر ساتي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
(فيافي غرب القولد).. جزء من الكل المرتقب..!!
** بمنطقة القولد تذكرت العزيزين محيي الدين تيتاوي وصلاح الدين عووضة، وليس الصديق الذي كان يلتقي بكل أهل السودان في أزمنة المناهج التي كانت تجتهد في تعريفهم بجغرافيا وطنهم ومدائنه وثقافاته بسلاسة واتقان..تذكرتهما؛ فاقترحت لمن معي أن نقف وننظر غربا إلى حيث المنطقة المساة بـ (غرب القولد)، فوقفنا ثم نظرنا، ولا شيء غير الصحراء على مد البصر، ثم قرص الشمس بكامل استدارته، بحيث لا يحجبك عن غروبه شجر ولا منزل..قلت لهم: من حيث نقف وإلى ذاك القرص، مسماة بمنطقة غرب القولد، وتكاد أن تبلغ شرق الشمس وغرب القمر - وصاحبها الفيتوري - شهرة، وذلك بفضل تيتاوي وعووضة ورفضهما أن تستثمر تلك المنطقة مركزيا.. كلاهما يرى أن تستثمر تلك المنطقة بواسطة حكومة ولائية عاجزة حتى عن (إجلاس التلاميذ).. وأثارا غبارا إعلاميا كثيفا في سبيل تحقيق تلك الغاية، فتأثرت الحكومة بغبارهم، وها هي تصدر توجيها - حسب ما جاء في صحف البارحة - بإعادة منطقة غرب القولد إلى سلطة حكومة الولاية.. وعليه، مبروك لتيتاوي وعووضة، (إن شاء الله فتحي خليل يزرع ليكم فيها عنب وتفاح)..!! ** غادرنا غرب القولد.. يرافقنا تحسرنا على تلك الفيافي الخصبة التي لم تثمر غير (الجدال والسجال)، منذ عام ونصف، وهكذا نحن دائما، بحيث يشغلنا الجدال عن الجداول.. المهم، أعمدة كهرباء مروي - كما شريان الشمال - محازية للنيل، ولكن أشجار النخيل يابسة وكذلك الأرض جدباء إلا من مساحات صغيرة ومتناثرة على الشاطئ، والسبب (برميل الجازولين يكلف المزارع 334 جنيها إلى مشروع يبعد فقط 20 كلم عن عاصمة الولاية).. كل الزراع يشتهون أن تكون مشاريعهم في ركن برئاسة الولاية أو بيت الوالي، لكي يحظوا بوقود سعر برميله (304 جنيها)، أو هكذا السعر..(إلا نزرع فيها بنقو عشان يغطي معانا)، إحدى إجابات عمي حيث سألته: (حواشتك دي فاضية كدا ليه ؟) ..وإجابته تلك هي لسان حال الزراع جميعا، والموسم يقترب وهم يتوجسون.. وأعمدة الكهرباء المحازية النيل لا تزال تضن على مشاريعهم بالتيار، ولا حول لهم ولا قوة لشراء الأعمدة والمحولات والأسلاك والعدادات بعشرات الملايين.. وربما لذلك وجه نائب الرئيس - قبل عام - البنك الزراعي وحكومة الولاية بضرورة كهربة المشاريع .. تحركت حكومة الولاية - وهيئتها - نحو المشاريع، ولكنها لم تكهربها، بل كهربت أصحابها، بحيث استلمت منهم (مائة جنيه) نظير مد مشاريعهم بالكهرباء، وسلمتهم (وصل أمانة)، وخلاص، أي منذ الموسم الفائت وإلى موسمنا هذا (لا رجعوا لينا ميتنا ولا وصلو لينا الكهرباء، وما عارفين نشكي منو لي منو؟)، أوهكذا يتساءلون..فقلت لهم : الله يعوضكم، فهذا نوع من ( النهب المصلح) ..!! ** وما أدراك ما المدارس وبداية العام الدراسي، مجانية التعليم تعني أن يدفع كل ولي أمر بالشمالية رسوما قيمتها (120 جنيها)، وإلا طرد التلميذ لحين السداد لا يزال قرارا ساريا بالمدارس يا نائب الرئيس ويا وزير التعليم العام..مدرسة بالسير، إحدى مناطق شرق دنقلا، بفصلها (106 طلاب) تخيلوا، (106 طالب في حجرة فصل)، رغم أنف المحاذير الصحية التي تحذر الناس من التكدس حتى في الهواء الطلق، ناهيك عن التكدس في الزنازين المسماة - مجازا - بالفصول.. سألت عن أدراجهم، بحيث لا أدراج يكتبون عليها ويحفظون فيها كتبهم وكراساتهم أثناء ساعات الدراسة، فأجابوا: (الأدراج بتضيق علينا الفصل، عشان كدا خزنوها في المخزن).. تبرير منطقي، ولذلك حالهم كما حال جمهور دار الرياضة كراسي بلا أدراج، بل جمهور دار الرياضة أفضل حالا، بحيث يتراصون في (الهواء الطلق).. تلك الرسوم مقابل هذا التكدس..!! ** ثم مستشفى السير الذي يتوسط (30 قرية)، افتتحته حكومة السيدين قبل زمن النفط والسلام،وكانت بها (4 عنابر)، للنساء والرجال والأطفال..تقزم الحال بحيث صار (عنبرا فقط لا غير)، ولكن للرجال والنساء والأطفال أيضا.. كيف؟ .. تم تقسيمه بالستائر، ليستوعب هذا التنوع (بلغة المثقفاتية)، أوهذا الاختلاط (بلغة الشيوخ) ..ولك أن تتخيل، ثلث العنبر لصراخ الأطفال، وثلثه لتأوهات النساء، ثم ثلثه لهمهمة الرجال، بيد أن المدخل باب خشبي تم تركيبه في عهد حكومة السيدين..حال العنبر يغنيك عن السؤال عن بقية الأطلال ذات الحال القائل (هنا كان في مستشفى) .. و..و..على كل حال، عدت من الشمالية بعد ثلاثة أيام بقناعة مفادها: فيافي منطقة غرب القولد موعودة بالمزيد من التمدد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، في حال استمرار هذه الحكومة..وللقارئ حق التكهن إن كنت أعني (حكومة فتحي خليل)، أم غيرها ..!! ............... نقلا عن السوداني
نشر بتاريخ 04-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:18 am | |
|
فرحان أبو زيد Firmin Abauzit معلم جان جاك روسو البيعة (العلمانية).. وعقيدة أبن تيمية الجديدة
شوقي إبراهيم عثمان كاتب ومحلل سياسي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] 1-2 دعما لمقالتي: العلمانية في مواجهة تأله الدولة الإسلامية - شبرا بشبر وذراعا بذراع، أجد أن أهم نقطة في مقالتي هذه هي النقطة التي تتعلق بالفيلسوف أبي زيد الذي علم الفلاسفة الفرنسيين البيعة الدنيويةsecular contract التي تؤسس لدولة لشعب nation-state (جان جاك روسو، مؤاف كتاب: العقد الإجتماعي Social Contract)، في مواجهة تأله الكنيسة وإعتقالها للدولة وتأسيس دولة الكنيسة church-state. والبيعة الدنيوية secular contract في جوهر أمرها هي ليست سوى (العلمانية) التي ضج بها شيوخ نجد وصدعوا بها العالم العربي فقسموه إلى إسلاميين وعلمانيين ملحدين منذ أكثر من نصف قرن – لمحاصرة جمال عبد الناصر وشعار الوحدة الذي رفعه. بالله عليك كيف يمكنك أن تترجم البيعة الإسلامية المعروفة لدينا إلى الإنجليزية أو الفرنسية سوى بأنهاsocial contract . وعليه يجب أن يفهم القارئ الكريم أن كلمةcontract هي بمعنى البيعة. إذن يجب على جانب الإسلاميين الحقيقيين، الذين يغلبون إعمال العقل ويؤمنون بالبحوث العلمية الحقيقية الجادة على أنها السبيل الوحيد كمنهج لتبيين الحق وإزهاق الباطل، وكذلك على جانب القوى الديموقراطية الحديثة التي دمغت ظلما بمصطلح العلمانية الهلامي الفارغ المحتوى، وحشرت بفضله في زاوية ضيقة، كلا من الجانبين عليهما أن يبطلا إستعمال مفردة العلمانية التي أستخدمت في غير محلها كرديف للإلحاد وفصل الدين عن الدولة. فالإسلام علماني (دنيوي secular) في سياق مشروعية الحاكمية المستمدة من بيعة الشعب، وحقيقة الإيمان في الإسلام إنه حالة فردانية رغم أن للجماعة وللعقل الجمعي دورا وظيفيا، كذلك الإسلام (القرآن) هو عقلاني لأنه خاطب ويخاطب العقل الإنساني ويطالبه بالترقي العلمي بكلياته دون تجزئة – إذ كل شيء في الكون يدخل في سنن الله ولا يخرج من سلطان الله. تمشكلت مشكلة الإسلام قديما وحديثا فور رحيل صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم، ونجملها في التالي: لم ترغب السلطة السياسية في تطبيق البيعة ولم ترغب في الترقي العقلي – أعتقلت السلطة السياسية الدين. كلاهما –أي البيعة والترقي العقلي- يشكلان خطرا على نظام الحكم الإسلامي عند مبتدأه (لم تقم خلافة الخلفاء الثلاثة الأوائل على بيعة المسلمين بإستثناء خلافة الأمام علي عليه السلام)، وتعاظم ذلك الشعور بالخطر في نظام الحكم العائلي مع بدأية الحكم الأموي وإنتهاءا بعوائل دول الخليج. ولم يكذب الشيخ حسن الترابي حين قال: المسلمون (العرب) يعيشون في ضلالة سياسية عمرها أربعة عشر قرنا. النقطة االتي أسمح لنفسي بذكرها وقد تغضب البعض، هي أن المعارضة السياسية في السودان بكل ألوانها قد استغرقت طاقتها ونفسها في دائرة مغلقة بلا طائل - دارفور والمؤتمر الوطني. نعم دارفور مشكلة سياسية وحزب المؤتمر الوطني نفسه مشكلة سياسية، ولكن أدوات المعارضة الأدبية والفكرية وخطابها السياسي هي أبعد من أن تحل أو أن تعالج هاتين المشكلتين. لم ينتبه الجميع أن هنالك إختراق أيديولوجي سلفي تم تصديره من المملكة السعودية إلى السودان، وهذا الإختراق ليس لديه لافتات وعناوين بارزة حتى تراه قوى المعارضة السياسية وتتحصن ضده، بل تم الإختراق سرا عبر كتب أبن تيمية وتلاميذه التي تسربت بخفية وبنعومة إلى أيدي الإسلاميين داخل دائرة المؤتمر الوطني – وحتى في دائرة الشيخ الترابي الشعبيين، الذين آمنوا بغفلة وجهل بعقيدة ابن تيمية السعودية – وابن تيمية هو السلاح الإيديولوجي والتكتيكي والإستراتيجي (السياسي) للمملكة السعودية ودول الخليج. هذا الإختراق السعودي هو المتسبب في رفع بعض ضحايا ابن تيمية شعار الشريعة وتطبيقها بهيستيرية شبيهة الهوس العقلي. لعبة المملكة السعودية السياسية الماكرة لإفتراس الجيران من الدول العربية هي اللعب على "وتر العقيدة"" – يشككون أولا في "عقيدة المسلم الموحد" لله بنفس أسلوب اللعب اللفظي لمفهوم العلمانية، وقد شرحنا لفظة العلمانية بمقالة مستقلة كيف أنهم أستخدموها بمكر وأستفادوا منه سياسيا. وبالمثل إذا آمنت أنت بما كتبه ابن تيمية وتلاميذه من عقائد ومعتقدات لفظية صرت رجلهم أي وهابيا. ومن أشهر تلاميذ ابن تيمية: ابن القيم الجوزية، وابن كثير، والذهبي، المزي، ابن أبي العز، ابن مفلح، وابن عبد الهادي ثم جنوده من ابن باز، ومحمد صالح العثيمين، ومقبل الوادعي، وسفر الحوالي، وسلمان العودة وعصام أحمد البشير الخ وحينها لن تركب مركبهم السياسي فحسب، بل ستصبح معتنقا لعقيدة جديدة a new belief يطلقون عليها زورا تصحيح العقيدة، أو تنزيه أو توحيد الخالق، وليس هنالك أقوى من العقيدة كدافع للسلوك في الإنسان، وعبر هذه العقيدة الجديدة سترى كل المسلمين من حولك غير موحدين – وإذا كنت أرعنا ستكفرهم. وقبل أن أسترسل لتبيين هذه العقيدة الجديدة أحب أن أذكر نقطة مهمة جدا وهي أن الفتنة الإلهية في السياق الرباني لأمة محمد هي بلا شك متمثلة في ابن تيمية الحراني (661-728هـ) – يقول الله تعالى: (الم* أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم، فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) العنكبوت، آية 1-3. هذه الفتنة هي ملزمة للناس ..لا فرار منها، وهي بمعنى الإمتحان أو الإختبار –حتى يقيم الله عليك الحجة. وكان الإمام علي عليه السلام يعلم شيعته قائلا: لا تقولوا نعوذ بالله من الفتنة، قولوا نعوذ بالله من مضلات الفتنة!! لأن الفتنة بمعنى الإختبار هي قدر مقدور وقضاء مسطور – لا إنفكاك منها وهي جزء من الإيمان. حين تدرس سيرة محمد عبد الوهاب، ستجد أن جده سليمان (شلومان) القرقوزي وهو في الأصل من يهود الدونم تركي، لذا ينسبون أنفسهم ليس إلى جدهم بل إلى أل الشيخ للتعتيم على الأصول. ولإضطهاد السلاطين العثمانيين لليهود هاجر سليمان القرقوزي لسوريا وأستوطن مدينة دوما، وكان يستخدم التقية بأنه مسلم، وحين كشف الأهالي خدعته فر بعائلته لمصر، ثم أيضا هرب من مصر فأستوطن الجزيرة العربية. الرجل سليمان القرقوزي أسلم، ثم أنجب أبناء منهم عبد الوهاب وبدوره هذا أسلم وحسن إسلامه حتى صار قاضيا شرعيا على مذهب الحنابلة. وبما أن بيت القاضي عبد الوهاب ابن سليمان ملئ بالكتب والمصادر الإسلامية خاصة لإبن تيمية وتلاميذه، ترعرع ابنه محمد في حضن كتب ابن تيمية وتلاميذه – ومن هنا أنطلقت الشرارة، أو خرج قرن الشيطان. تنبأ الأب سليمان بزيغ أبنه محمد ومنعه من التحدث في الدين، وكذلك أخيه سليمان كان يعلم بزيغ أخيه وكتب فيه كتابا: الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية. إذ هو في سن العشرين كان ابن عبد الوهاب يرى في زيارة البقيع والأضرحة كفر – وساح أرض العراق طلبا للعلم في البصرة ثم نحو كربلاء والنجف فطردوه أهل العراق الشيعة. وفي العراق لقطه الجاسوس الأنجليزي همفري 1710م الموكل من التاج البريطاني بفتح الطريق لتجارة الفلفل لشركة الهند الشرقية البريطانية ضد المنافسة الهولندية. ولكي يطمسوا هذه الحادثة التاريخية غيروا من تاريخ مولد ابن عبد الوهاب. لماذا لقطه همفري؟ البريطانيون ذاقوا الأمرين على يد الهنود المسلمين في الهند، فوجدوا ضالتهم في ابن عبد الوهاب لكي ترتفع سيوف المسلمين وتضرب بقوة على رقاب بعضهم البعض – قوى همفري من ظاهرة محمد ابن عبد الوهاب التكفيرية ودعمها – فكانت الوهابية. تاريخ الوهابية له ثلاثة مراحل وفترات، يستحسن دراستها – ولكن الأهم هنالك كثير من الخلق لا يفهمون الصلة ما بين ابن تيمية ومحمد عبد الوهاب، الوهابية هي مجموعة كتب وتعاليم ومعتقدات ابن تيمية وتلاميذه لا غير، ونضيف شيئا آخر – ابن تيمية وتلاميذه بمجموعهم شاميون دمشقيون منحرفون عن آل البيت وينافحون ويبررون لمعاوية وأبنه وللأمويين قاطبة فسقهم وفسادهم – أي منحازون لبني أمية. فما هي هذه العقيدة الجديدة!؟ نقول: يدور محورها في دائرة المحكم والمتشابه من آيات القرأن الحكيم. المتشابه لا يقصد به أن الآيات متشابهة - هذا إعتقاد سطحي لدى الكثير من الناس، وأنما التشابه المقصود هو ما بين اللفظ ومعناه المتجسد في الواقع. إذا سمعت او قرأت الكلمتين يد زيد، ستتكون في ذهنك صورة اليد التي تعرفها، وأذا سمعت أو قرأت مفردة بقرة، سترى في ذهنك صورة البقرة المتجسدة في الواقع. كيف بك إذن إذا قرأت في القرآن قوله تعالى: يد الله فوق أيديهم!! فماذا يمكن أن تتخيل؟ هل تستطيع أن تتخيل أن لله تعالى يد مثل ايدينا المحددة؟ إذا تخيلت ذلك فقد حددت الله تعالى وجعلته جسما. هذه هي الإشكالية. ولكن إذا علمت أن الاية (يد الله فوق أيديهم) من الآيات المتشابهة، وأن المتشابه من الايات يتبع المحكم من الايات مثل: (ليس كمثله شيء) أنحل الإشكال، وفهمت إستحالة أن يكون لله يدا مثل مخلوقاته. ولكن ابن تيمية وتلاميذه صنعوا عقيدة جديدة، وهي: إذا انكرت أن لله يدا فقد (عطلت) في رأيهم احد صفات الله وانكرت آية من القرآن وهي في مثالنا الآية (يد الله فوق ايديهم)، وإذا كنتم جماعة تنكر هذه اليد يطلقون عليكم لفظة (المعطلة) لصفات الله، وإذا (عطلتها) فأنت أو انتم في نظرهم غير موحدين بل كفرة. هذه اللعبة اللفظية تفوت على عامة المسلمين لأنهم لا يعرفون المحكم والمتشابه من آيات القرآن الكريم. وقد تفوت حتى على المتعلمين لأنهم ايضا لا يعلمون المحكم والمتشابه من آيات القرآن الكريم، فضلا عن ان هذه الأمر لا يناقش لا سرا ولا علنا، وتوزع كتب ابن تيمية وتلاميذه في خفية للخاصة وللمتنفذين في مفاصل الدولة السودانية. ولا يخفى على الحصيف أن التناقض الظاهري بانكارك مدلول آية قرآنية إذا انكرت أن لله يدا كأنك انكرت القرآن كله، هو الذي يسقط الضحايا في شرك ابن تيمية وتلاميذه. ومعنى ذلك بالجملة ان ابن تيمية وتلاميذه لا يعملون بالمحكم والمتشابه في القرآن الكريم ولا يعترفون به – واترك جانبا ان لفظة المعطلة ليست مصطلحا شرعيا وهي من إختراع المتفقهة في علم الكلام. هذه المقاربة التشبيهية، يد الله فوق ايديهم – هي مقاربة لفهمنا البشري، حتى نفهم مراد الله. إذن السعودية تبني عقيدة جديدة بالإسلوب الخفي الذي تعودت عليه الماسونية، بل تمارس نفس طقوسها أي السرية، إذا اصبحت عضوا في دائرة ابن تيمية لن تعدم ان تفتح لك كل الأبواب من دعم مالي وتوظيف في السودان او في السعودية الخ. أخطر ما في هذا الأمر هو أن تعتقد الضحية أن المسلمين الموحدين غير موحدين، وإذا كنت احد ضحايا معتقد ابن تيمية قد يصل بك ابن تيمية وتلاميذه وجنوده إلى درجة تكفير المسلمين الموحدين قاطبة. ونقول للمعارضة السياسية، أن هذه العقيدة الجديدة قد تسربت إلى العديد من الشخصيات التي لها موقع في الدولة السودانية والحياة العامة، فمثلا الطيب مصطفى صاحب صحيفة الإنتباهة أعتقلته متلبسا بالكتابة في عموده بعنوان كبير وصريح عن: درر ابن تيمية – ويشيد صاحب الإنتباهة بشيخ التكفيريين. نفس هؤلاء الضحايا يتحالفون مع الخط السلفي الوهابي الصريح الذي يقوده عبد الحي يوسف واضرابه وانصار السنة ويحثون بحماسة لرفع راية الشريعة – ولكنها شريعة ابن تيمية. وهذه الحماسة من قبل هؤلاء مردها الوهم بأن عقيدة كل السودانيين غير صحيحة في نظرهم وإنهم غير موحدين – إذن هنالك ثورة إنقاذ ثانية متدثرة بثورة الإنقاذ الأولى ولا تمت لها بصلة. وما مشروع اهل القبلة، ودمج التعليم الأصيل بالتعليم الحديث الخ ليست سوى مؤامرات محبوكة لتذويب الطرق الصوفية وشيوخها بسلاح ابن تيمية. لماذا يمارسون أسلوب السرية لدعوتهم العقيدية الجديدة؟ أولا لأن ابن تيمية وتلاميذه من ضعف الحال والهزال الفكري بما لا يقاس – إذا اصبحت أفكار ابن تيمية موضوعا للبحث على الصعيد العام انكشف حال الرجل، ولتغطية هذا الضعف والتوهيم على ضعاف العقول يفخمون ابن تيمية ويلقيونه بشيخ الإسلام، وثانيا أن قضية تعطيل الصفات هذه قضية قديمة، وهذا الجدل حولها لا يستحق ان يكفر من أجلها المسلمون الموحدون، ولكن أسألوا أهل نجد او آل سعود فلديهم مآرب اخرى كأن يوحدوا المسلمين تحت راية ابن تيمية، ليس أقل من أن يضمنوا إستمرارية عروشهم. الأن دول الخليج تعمل على اللعب باسماء الله الحسنى بإخراج إسم وإدخال آخر، وهي اسماء توقيفية لا يمكن تغييرها بالزيادة أو النقصان، وبالرغم من ذلك لم نرى احدا في السودان من أدعياء الدين يمتلك حمية الرجال في دمه لكي يقول لا لدول الخليج. وإن لم يكن هنالك من يقول لا لدول الخليج من رجال الدين السودانيين، فما هو دور المعارضة السياسية؟ في تقديري أن قيادة سياسية للمعارضة لا تفهم ما يتم تفعيله بخفية وما يعد للسودان من سيناريوهات خارجية خليجية، هي قيادة ليست جديرة كأن تقود المعارضة السياسية. خاصة إذا فهمنا أن ظاهرة الدين هي أس الصراع ما بين الفئة القليلة المتسعودة وعموم الشعب السوداني الغافل، فليس أقل من فتح هذا الملف من قبل المعارضة السياسية، أي ملف أبن تيمية وتلاميذه، وفتح الأسئلة مثل إلى أين يقودنا المتسعودون ودول الخليج دينيا وسياسيا؟ ولا شك أن تفكيك المؤامرة السعودية وتفكيك طابورها الخامس وتحييدهما يبدأ من فتح ملف ابن تيمية والسؤال عن ماذا يكون هذا الرجل، وماذا يمثل في سياق الدين الحنيف، وهل تمثل عقائده الباطلة التوحيد الصحيح؟ وماذا هو موقفه من آل البيت وخاصة طعنه وبغضه لإمام المتقين أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهم السلام؟ وماذا كان رأي معاصريه من العلماء في شخصه وتعاليمه وأفكاره - حتى لقبوه بالمنافق لقول النبي (ص) في علي: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق!! وسخريته من إستشهاد سبط النبي (ص) الحسين عليه السلام؟ وهرطقاته أو سفاهته المتطاولة على الذات الإلهية: ابن تيمية يثبت في كتبه استقرار الله على العرش ويجوز استقراره على ظهر بعوضة – هذا هذا هو معتقده التوحيدي في رب العالمين، وينزل ابن تيمية درجتين على منبر مسجد دمشق ويقول للمصلين: هكذا ينزل الله من السماء العليا إلى السماء الدنيا – رجل هكذا معتقداته في تنزيه الخالق فكيف صار شيخا للإسلام في السودان في ليلة وضحاها؟! أنبه بشدة على قيادات المعارضة السياسية أن تفتح ملف ابن تيمية وتلاميذه – ولا يجوز أبدا تجاهل هذا الأمر..
نشر بتاريخ 04-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:20 am | |
|
غرباً باتجاه الشرق
اتفاقية أديس أبابا: الغلط مرجوع والعتب مرفوع
مصطفى عبد العزيز البطل [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ----------------------------- (1) لأنني أعرف أن الصلة واشجة بين صديقي الاستاذ محمد لطيف، رئيس تحرير صحيفة "الاخبار"، وبين رئيسنا المفدى المشير عمر البشير، إذ تربطهما آصرة النسب والمصاهرة، وأكرم بها من آصرة. ثم لأنني اعرف عن صديقي "الحسيب النسيب" أنه من رواد حلقة صلاة المغرب فى الدار الرئاسية العامرة، فقد تعودت ان آخذ مأخذ الجد كل حديث ينسبه محمد لطيف الي شخص السيد رئيس الجمهورية. فصديقي يسمع مباشرةً من "رأس المصدر"، كما يُقال فى عوالم الاكاديميا. والفرنجة يوظفون في شأن هذا السماع المباشر من رأس المصدر، حيث لا مجال للالتباس او الخلط، عبارةً قد لا تقع الموقع الحسن فى اللغة العربية، وهي From the horse's mouth ، وترجمتها ومعناها الحرفي "سماع الخبر من فم الحصان مباشرةً"! وأنا أستنكف أن يوصف رئيسنا المفدَّى بمثل هذا الوصف الافرنجي الذي تمجه ثقافاتنا المحلية. ولكن ربما كانت لنا فى الامر مندوحة لو أننا قمنا بتحوير وتهذيب الترجمة، طلباً للسداد والحكمة، بحيث تستوعب مقام السيادة، وتوافي مقتضيات الاحترام الواجب للذات الرئاسية، فترجمنا العبارة: "السماع من فم الفارس"! (2) انقدحت فى ذهني وراودتني خاطرة ان اطلق على محمد لطيف لقب "الصهر الرئاسي"، من قبيل المفاكهة. ولكنني خفت ان يذيع اللقب ويستشري ويلتصق به على غير هواه. كما حدث مع "الخال الرئاسي" الأستاذ الطيب مصطفى، الذي اطلقت عليه ذلك المسمى قبل فترة من الزمان، بقرينة التشريف والتعريف والتلطف، فإذا به يصبح لقبه الرسمي المعتمد عند العديد من الكتّاب الصحفيين، ولكن بدافع المغايظة والمغالظة والتعسف! وها أنا ذا اطلب اليهم جميعاً، باعتباري صاحب الامتياز، ان يتوقفوا عن الاستخدام الكيدي للقب "الخال الرئاسي"، وان ينادوا الرجل بما يحب من أسماء وألقاب، لا بما يكره. تيمناً بهدي الاسلام، وتأدباً بأدبه. والاسلام يحظر مناداة الناس بغير ما يستحسنون من ألقاب. والذي عليه جمهور الفقهاء هو ان منادة الانسان بما ينكره ولا يقره من الاسماء والالقاب يقع فى دائرة الغيبة المحرمة شرعاً. وقانا الله شرور انفسنا وسيئات اعمالنا، وجعلنا من عباده الصالحين، المبشرين بقوله عز وجل: (فـبشر عبادي الـــذين يستـمـعون القول فيتبعون أحسنه. أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب). (3) إبتدر الاستاذ محمد لطيف قراء مساحته "تحليل سياسي"، صباح السبت الماضي، بالفقرة التالية: (انفردت "الأخبار" أمس بنشر اول موقف صريح ومباشر للسيد رئيس الجمهورية شخصيا من اتفاقية اديس ابابا الإطارية التى وقعها الدكتور نافع علي نافع، مساعد الرئيس ونائب رئيس المؤتمر الوطنى من جهة، والسيد مالك عقار والي النيل الأزرق رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال من جهة أخرى. وذلك عبر حديث للرئيس البشير أكد فيه ذلك الموقف. الواقع أننى فى ذلك اليوم وجدت نفسى فى مأزق لم يخارجنى منه إلا تامبو امبيكي، فقد وقعت فى "كماشة" بين جنرالين، المشير البشير رئيس الجمهورية من جهة، والفريق اول عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع من جهة أخرى، والذي لم يخف منذ اليوم الأول معارضته الصارخة للاتفاق الإطاري). ثم يواصل الاستاذ محمد لطيف، الذي يبث بثاً مباشراً من قناة "الحصان"، الى قراء صحيفته: (حين قلت للرئيس ذلك فاجأني بقوله: "هذه اتفاقية سياسية فى الأساس، ومن وقعوها سموها كذلك ووصفوها بذلك. ورفْضنا فى المقام الأول موجه نحو الجانب السياسي فيها. قلت له: ولكن الحزب- أي المؤتمر الوطني- بدا مؤيدا حتى وصلت أنت. وقبل أن أكمل قاطعني بقوله: "ليس صحيحا ان المكتب القيادي رفض الاتفاقية قبل وصولي للخرطوم". قلت له: "لكن يا سيادتك المكتب القيادى لم يعلن ذلك صراحة؟ قال:"الحزب له تقديراته فى الطريقة التى يعلن بها مواقفه...وأزيدك. وبالفعل يضيف الرئيس معلومة جديدة بالنسبة لى شخصيا، حين يقول: "الدكتور نافع نفسه اعترف أن الخطوة لم تكن موفقة"). انتهى النص. (4) العراقيون عندهم مثل، يسري استخدامه فى العراق نفسها، ثم في عدد من الدول العربية الاخرى. بل ويخيّل الي انني سمعته فى السودان ايضا. يقول المثل: (الغلط مرجوع والعتب مرفوع). وينطبق على حالتين: الأولى اذا ظهر عدم اتقان صنعة سلعةٍ ما، فيجوز تحت مظلة هذا المثل إعادتها الى البائع أو الصانع. أما الحالة الثانية فتكون عندما يحدث جدل حول قضية معينة، ثم يتبين لأحدهم أن موقفه لم يكن صائباً، وهنا يكون التراجع المحمود والعودة الى الصواب، فلا غلط، ولا عتب! لا ريب عندي في أن ذات المثل - أو الشعار - العراقي يسع أخانا فى الله، الدكتور نافع علي نافع، مساعد رئيس الجمهورية، ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم، كما يسع موقفه من اتفاق اديس أبابا الاطاري. الدكتور نافع هو الذي حاور وناور، وفاوض وعاوض، ثم وقع على الاتفاق، تحت رعاية افريقية ودولية. ولكن سيادته اكتشف بعد التوقيع - كما أفادنا السيد رئيس الجمهورية - بأن الخطوة "لم تكن موفقة". ما هو الاشكال؟ ليس هناك اشكال أبداً، طالما أن المثل العراقي موجود. الاتفاقية مغلوطة وغير موفقة؟ خلاص: الغلط مرجوع والعتب مرفوع. انتهينا. وليس هناك ثمةً ما يستدعي كل هذا الضجيج الذي يثيره البعض حول الاتفاقية الاطارية "غير الموفقة"، "المغلوطة"، المرجوعة؟! بيد أن لدىّ - مع ذلك - بضعة استعلامات واستفهامات وتساؤلات بسيطة، أود من صديقنا محمد لطيف أن ينقلها عنا الى صهره الغالي عقب صلاة مغرب اليوم ان شاء الله، وان يوافينا بالاجوبة من فوق منصته الراتبة، فى صدر صحيفته الغراء. وله من الله الاجر والثواب. (5) هناك تقاليد واعراف وأسس تواضع عليها المجتمع الدولي فى شأن التفاوض والتعاهد والتعاقد بين الدول والهيئات المختلفة، والكيانات المغايرة، والهويات المتباينة، اعتباريةً كانت او حسّية. والتفاوض والتعاهد مع الاغيار والتعاقد معهم ينبسط تحت مادته فقه كامل فى الاسلام، تستند ركائزه على النص القرآني (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة 7]. وتسنده فى ذات الوقت، قواعد راسخة من مبادئ انسانية وشرائع دولية، تواثقت عليها البشرية فى عهدها الحديث، ضمّنتها منظومات القانون الدولي، وما استقر - او استقرت - عليه من قيم. فما هو نظام التفاوض والتعاهد والتعاقد فى الدولة الانقاذوية؟ كيف تجري المفاوضات بيننا وبين الاغيار فى بلاط العصبة المنقذة؟! عندما نتسقّط الأخبار أن نافعاً - او غيره من عظماء العصبة - قد غادر البلاد الى دولة خارجية للتفاوض حول شأن وطني يهم السودان، حاضرا، ومستقبلا، ويعالج مصائر اهله وموارده ومقدراته، ينقدح فى عقولنا السؤال: هل يغادر عظيم العصبة ويفاوض، ثم يوقع على المواثيق وبين يديه منارات هادية من نصوص حية تحكم التفاوض، وصلاحيات موصوفة، ومقدرة بقدرها، تبين مدى ونطاق السكنات والحركات، وشرائط تحدد الاسقف العليا والدنيا لما عسي ان يسفر عنه التفاوض، والتخوم التي يقف عندها ولا يتجاوزها؟ ثم وهذا هو الاهم: هل لدى العصبة المنقذة نسق تنظيمي وتدبير هيكلي مستقر تقوم عليه المفاوضات والتعاهدات والاتفاقات، شُغلاً واختصاصاً. هل للعصبة المنقذة كيان معين بذاته وصفاته يكون له حق التداول والفحص والمراجعة واتخاذ القرار وانفاذه، مثلما هو الحال عند غيرنا من مخلوقات المجتمع الدولي؟ أم ان المفاوضات والتعاهدات في دولتنا الانقاذوية، تجري كيفما اتفق، بغير مشكاةٍ تُنير، أو نصيرٍ من كتابٍ يُشير، فيحكمها هوى الاشخاص، ومكنونات قلوبهم، وحصائد ألسنتهم، ومقدار ما اودعه الله فيهم من حكمة ورشاد، ولجاجٍ وعناد. فهو اذن الرأى والخاطرُ والاجتهاد، وثمرات تأمل الأفراد، والفكر البكر ينتزعه هؤلاء من السماء كفاحا؟ لو كان حمارنا قد وقف عند عقبة اتفاق اديس ابابا الاطاري، لما اعترانا الغم، ولا سكننا الهم. بل أنه لا بأس عندنا البتة فى أن الاتفاق قد حمل نصاً يعدّل قانون الأحزاب فيخلّي بين جماعة الحركة الشعبية وبين أهل الشمال، تبسط عليهم بضاعتها، وتراودهم عن الثمن. فإنما التمست الحركة وصالاً بشعبها، ومن طلب الوصال بشعبه فما ظلم. ولا ضير فى أن الاتفاق منح شعب دارفور الحق فى منصب نائب رئيس الدولة. وما الفرق بين ان يكون نائب الرئيس من سهول دارفور او من صحراء العتمور؟! ذلك ليس أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وما ينبغي له. (6) الذي يثير فى نفوسنا القلق حقاً، ويردّنا الى رهق التفكير، هو بعض ما جاء فى نص التصريحات الواردة على لسان السيد رئيس الجمهورية، من صنف القول أنّ (نافع نفسه اعترف بأن الخطوة غير موفقة)! وفي ذلك - بغير ريب - ما يشي بأن مفاوضات أديس أبابا والاتفاق الاطاري الذي نجم عنها، إنما كانت، فى حقيقة الامر، نتاجاً لتفكير سياسي مزاجي محض، يفتقر الي الرؤية الكلية. وثمرةً لتدبير سلطوي ذي مرجعية استعلائية، تند عن روح الشورى والبصارة السياسية، ولا ترجو للمؤسسية ومبادئ الديمقراطية وآلياتها وقارا (وما اريكم الا ما أرى وما أهديكم الا سبيل الرشاد) [غافر 32]. الدكتور نافع علي نافع يتفاوض مع الفرقاء، ويستمزج مطالبهم، ثم احتكاماً الي قناعاته الذاتية يستملح نقاطاً محددة، يعلن مباركته اياها باسم حكومة السودان، ثم يمهر الاتفاق بتوقيعه، ويزينه بخاتم الدولة. ولكن الرجل - بحسب رئيس الجمهورية - عاد فقرر بعد ذلك ان خطوته تلك لم تكن "موفقة"! هل يمكن ان يلومنا أحد اذا قلنا، بكل التجلة فى نفوسنا لاخوتنا من قادة العصبة المنقذة: اننا دولة محترمة، أو هكذا نحب ان نكون، والدول المحترمة لا تدار هكذا! نحن نستحق ان تُحكم دولتنا وان تُدار امورنا على نحو افضل من هذا! قال شهيد الفكر محمود محمد طه عن شعب السودان انه (شعب عملاق يتقدمه أقزام). وهذا من سوء ظنه. اهل الظن الحسن من امثالي يقولون: اننا شعب عملاق يتقدمه عمالقة. ولكن اي نوع من العمالقة هذا الذي يوقع الاتفاقيات والمواثيق بحضور ممثلي الدول الاجنبية فى الليل، ثم ينقضها قبل صياح الديك، بدعوى انها "غير موفقة"؟! (7) يعلم راعي الضأن فى خلاء السودان ان مثل هذه العقليات المزاجية الفردانية المفتقرة الى البصارة السياسية، قد تمددت وتمطّت وظلت ترعى بغير قيد فى مراعي الافق السوداني ردحاً طويلا من الزمان. ولكن راعي الضأن نفسه بات يعرف ان السودان يدخل عصراً جديداً، وأن الواقع السياسي الذي نشخص اليه - فى مرحلة ما بعد التاسع من يوليو 2011 - له استحقاقاته، وهي استحقاقات ثقيلة وباهظة الكلفة. ولا اظن ان الواقع الجديد يسع، او يقبل التصالح، مع هذ النمط من الحكم السياسي الهوائي، الذي يحيا علي استدعاء العبقريات الذاتية، واستلهام الوحي المرسل من السماء، على نحو يحاكي ذلك الشئ الذي تسميه كتب التاريخ "حق الملوك الالهي"! ونلتمس العذر لو أننا وطأنا قدم أحد فزعمنا ان سلوكيات وممارسات وتقاليد مباشرة مهام الحكم السياسي وادارة شئون الدولة فى السودان اليوم تتأثر الى حدٍ كبير بطبيعة نشأة وتكوين الحركة الاسلاموية العريضة، والتربية الاخلاقية والسياسية التي ترعرع تحت بنودها قادة الحركة وكادراتها. التربية الاخلاقية والسياسية التي تناسل من تحت معطفها مئات الآلاف من عضوية جماعات الاخوان المسلمين على امتداد العالم، وليس السودان فحسب، أدخلت فى روع هؤلاء أنهم الأعلون مقاماً، كونهم الاوصياء على الحق، بينما يتردي الأغيار فى لجج الباطل. فالله مولاهم، ولا مولي لسواهم. ولا عجب اذ تمدد منطق الوصاية على الآخرين، واستشري بعد ذلك داخل الحركات الاسلاموية نفسها. ولعل هذا يفسر ما انبلجت عنه تلال القراطيس التي عالجت تاريخ التنظيم الاسلاموي الجامع فى السودان، بعد ان تناثر دقيقها فوق أشواك المفاصلة فى العام 1999، فاستبان للناس ان ذلك التنظيم، فى خويصة أمره، لم يعرف قط للشورى والديمقراطية باباً، وان شأنه كله كان بيد شيخٍ عالمٍ فرد، تحرس بابه ثلة قائدة، تبرم اموره وتنقضها من وراء حجاب. مثل هذه العقيدة التربوية والذهنية الاطلاقية، العارمة الشهوة، هي التي جلبت الي المشهد السياسي العام فى السودان لغة الازدراء وتحقير الآخرين من الأغيار، وكرست ممارسات الحكم السياسي الفرعونية الاستعلائية، التي تعلي من شأن محتكر السلطة باسم الاسلام، وتبخس الآخرين أشياءهم. ونحن نعرف عن مفاوضنا فى اديس أبابا، أنه مشهودٌ له على طول المسرح السياسي الوطني وعرضه، بأنه من أصفى وانقى وافضل "المزدرين" ممن عرفهم تاريخ السودان الحديث فى اطلاقه، فهو الحائز بإجماع كافة المحكّمين على اوسكار "الازدراء". ولذلك فإننا لا نستغرب او نستعجب كونه يمارس مهام الحكم ومسئولياته فرداً صمداً فى خلاءٍ من الوحدانية السياسية. بغير مرجعية قانونية او تنظيمية، وفي غيبة تداول شوري حول شأن كهذا، هو من كبريات القضايا التي تهم البلاد. والشورى نهجٌ فى صناعة السياسات العامة واتخاذ القرار يفترض ان الكيان السياسي الذي يقف على رأسه، وهو حزب المؤتمر الوطني، يعتنقه ويتبناه، ويرسي عليه القواعد من بيته، على الاقل فى صعيد النظر. هل نقول عن مسلسل الوقائع المتداعية عن اتفاق اديس ابابا الإطاري، إنه إن دلّ علي شئ فإنما يؤشر الي فداحة الازمة السياسية ووعورة المسار الذي يسعى لاجتيازه النظام القائم، فى ظل ظروف وطنية وخارجية بالغة التعقيد؟ وفى تقديرنا فإن أقبح ملامح الازمة هو أن تجليات ومظاهر غياب الديمقراطية والشورى داخل كيان النظام، وارتهان الحكم القائم الي نهج الفردانية المستوحشة، و"الازدراء" السياسي، والعزة بإثم معاقرة السلطة وإدمانها ادماناً مرضياً، قد بلغ مبلغاً لم يعد معه من محيص سوى أن يذهب الحادبون على السودان، زرافاتٍ ووحداناً، الى دار المحكمة الشرعية، فيلتمسون من قاضيها الحجر على بعض الحاكمين، ومنعهم من التصرف في شئون البلاد ومقدراتها، ووضعهم جميعاً تحت وصاية المجلس الحسبي! ونحن على خطى حبيبنا، ابن الحركة الاسلاموية البار، وثمرتها الوضيئة، الدكتور عبد الوهاب الافندي، ومنهجه (تزكيتنا للافندي لا تبرئه من كونه هو نفسه نتاج لتربية "الازدراء" والغطرسة الاسلاموية، ولكن حياته الطويلة فى المهجر الاوربي اكسبته شجاعة طلب العلاج الذي قطع فيه شوطاً بعيداً). وقد دعا عبد الوهاب فى مقاله الراتب الاسبوع الماضي خلصاءه السابقين من اهل الانقاذ الى خطوات حاسمة فى طريق الاصلاح السياسي الجذري. ومما كتب فى هذا السبيل: (عليه فمن الحكمة أن يسارع رئيس الجمهورية على الفور بإعلان موعد جديد قريب لانتخابات عامة رئاسية وبرلمانية مبكرة، والتمهيد لذلك بإطلاق الحريات، واتخاذ إجراءات لضمان حياد ونزاهة المؤسسات القومية من قضاء وجيش وشرطة وأجهزة أمنية وخدمة مدنية، والفصل الكامل بين الحزب الحاكم والدولة. هذه الانتخابات ضرورية لإعادة دمج المعارضة في النظام السياسي، وبناء إجماع وطني متجدد تلح الحاجة إليه لمواجهة التحديات الماثلة). ( بعض "العمالقة" من قادة الانقاذ يحسنون الظن بأنفسهم. واحسان الظن بالنفس خصلة كريمة. والحق أن كثيراً منهم يتمتع بخصائص نوعية نادرة، وقدرات مختبرة. بارك الله فيهم، ونفع بهم. ولكن قول الحق لا ينبغي ان يُغضب احداً. القدرات المختبرة والخصائص النوعية شئ، والكاريزما شئ آخر. أكثر ما يفتقده نظام الانقاذ هو ذلك الصنف من القادة الذين يطلق عليهم اساتذة وطلاب العلوم السياسية صفة: الكاريزمية. هذا النقص المريع فيما يبدو لي يشكل محورا هاماً فى لب الازمة التي يواجهها الحزب الحاكم. أنا لدي اقتراح اتوجه به، محتسباً عند الله اجر ما امحض من نصح، الي جماهير حزب المؤتمر الوطني، صاحب شعار "حزب قائد لوطن رائد": حتي يكون حزبكم حزباً قائداً حقاً، ووطننا وطنٌ رائدٌ حقاً، فإنكم تحتاجون الى قادة كاريزميين، لا يدخلون في المعاهدات والاتفاقيات ثم يحتارون بعد ذلك فى كيفية الخروج منها، كما يفعل قادتكم الحاليون. توكلوا على الله وأعيدوا الينا شيخنا حسن الترابي. صحيح ان الشيخ الترابي هو الذي ادخلنا الى هذا النفق، ولكن المسامح كريم. على الاقل نحن نعرف عن الترابي انه قائد كاريزمي، وانه صنو لمعاوية، الذي سأل عمرو بن العاص: ما بلغ من دهائك؟ قال: ما دخلت فى أمرٍ الا عرفت كيف الخروج منه. فرد معاوية: ولكني ما دخلت فى أمرٍ قط وأردت الخروج منه!
عن صحيفة " الاحداث " - 12/07/2011
نشر بتاريخ 13-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:22 am | |
|
إليكم
صناعة القرار .. الرفض بعد التوقيع ..!! الطاهر ساتي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
** الأسرة في الغرب تؤمن بنظرية (تحرير الفرد)، وهي نظرية تجرد الفرد من كل الإلتزامات العقائدية وكذلك من قدسية الأسرة ذاتها، بحيث يكون الفرد متفلتا..هم يسمونها (حرية الفرد)، بيد أن جوهرها يرسخ (تفلت الفرد)..ولذلك، ليس بمدهش – في باريس وأخواتها - بأن يحزم الشاب حقيبته - حين يصل سن الرشد - ويغادر المنزل تاركا فوق الطاولة وريقة نصوصها تفيد بالبلدي كدة : ( أبي و أمي ، باي باي، يلا عيشوا حياتكم بطريقتكم، أنا قاطع وشي منكم ).. وهكذا تفعل الفتاة أيضا حين تبلغ الحلم : ( يلا ياحجاج مع السلامة، أنا لقيت بوي فيرند كاااارب ومشيت معاهو)..بل كثيرا ما يتفق الأخ والأخت على الإتصال برقم دار العجزة بمهاتفة من شاكلة ( ياخ تعالوا شيلو العجائز ديل وخزنوهم عندكم لحد ما يموتوا )، فتأتي العربة، ويحملا الأب والأم بمقعدهما المتحرك، ويوصدا عليهما باب العربة وهي تغادر، ويتفرغا لحياتهما الخاصة والخالية من (يا ولد إنت ماشي وين؟، يا بت إنتي كنتي وين؟).. ولا يلتقي أفراد الاسرة ببعضهم إلا عبر بطاقات المعايدة أو إتصالات هاتفية زمنهابمثابة (مسكولات سودانية)..ولذلك، من الطبيعي جدا ألا يعرف الجد حفيده وتفاصيل حياته، وألا تعرف الحفيدة جدتها و تاريخ حياتها.. أي، يصبح لكل فرد في المسماة مجازا بالأسرة شأن خاص يغنيه عن التدخل - بالسؤال و الإستفسار و التشاور - في شؤون بقية أفراد أسرته..!! ** على كل حال، نظرية تحرير الفرد التي تنتهجها الأسر الغربية نظرية خاطئة، وهي سبب إنهيار الأسر وتفككها..ورغم ذلك، تتعمد حكومتنا تطبيق تلك النظرية في إدارة الشأن العام في بلادنا ، فقط غيرت اسمها من نظرية ( تحرير الفرد) إلى نظرية (تحرير الكادر أو المسؤول)، وذلك بتجريد الكادر والمسؤول من الإلتزامات المؤسسية،وكذلك من قدسية مؤسسية الدولة ذاتها، بحيث يفعل ما يشاء ثم يخطر مؤسسة الدولة أو أجهزة الحزب - بتقرير أو بتصريح صحفي - للعلم فقط .. على سبيل المثال : كان معلوما لمؤسسات الدولة، ولأجهزة الحزب الحاكم، بأن أديس أبابا أبدت رغبتها لإصلاح ذات البين بين الحكومة و قطاع الشمال بالحركة الشمالية..وكان معلوما لتلك المؤسسات والأجهزة أيضا بأن الوفد الحكومي بقيادة د. نافع علي نافع سوف يلتقي بوفد الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار، ليتفاوضا حول أحداث جنوب كردفان ثم وضع الحركة الشعبية في مستقبل العمل السياسي بالبلاد..كل هذا كان معلوما للمؤسسات الدولة وأجهزة الحزب، ولكن ما يكن معلوما هو (هل تفاوض كهذا، وإتفاقية كهذه، بحاجة إلى مؤسسات دولة وأجهزة حزب تضعا أجندتها ونصوصها بالشورى والتشاور ، أم لا ؟) ..هذا السؤال - كان ولايزال - غائبا في مؤسسات الدولة وأجهزة الحزب، ولذلك كان طبيعيا أن (يتصرف نافع براهو).. ويوقع على إتفاقية رفضتها مؤسسة الرئاسة وإستنكرتها أجهزة الحزب، ثم - بعد رفض هذه والإستنكار تلك - إعتذر عنها نافع بنص فحواه ( أنا ما كنت موفق فيها)، أو كما كتب الأستاذ محمد لطيف - بأخبار الأحد الفائت - نقلا عن الرئيس ووزير الدفاع..!! ** وبالمناسبة، أنا - وما عارف ليه بيقولو : أعوذ بالله من أنا ؟ - من الرافضين لهذه الإتفاقية، لأن بها نص يعترف بجيش الحركة، وهذا ما لم ولن تحظى بها أحزاب الأمة والإتحادي و الشيوعي و غيره، أي إما أن يكون لكل حزب جيش خاص معترف به - داخل القوات المسلحة أو خارجها - رسميا وشعبيا أو ( هذه الإتفاقية ظالمة ومرفوضة )..ثم بالإتفاقية نص يشير إلى إمكانية إستيعاب الحركة الشعبية في الحكومة الحالية،وخاصة في حكومة جنوب كردفان، رغم أنها لم تنل حق الإستيعاب بصناديق الإنتخابات الأخيرة، وهذا النص أيضا يظلم بقية قوى المعارضة التي خاضت الإنتخابات وخرجت من مولدها بلاحمص بسبب (الخج)، أي إما إن تستوعب الحكومة الحالية كل قوى المعارضة أو ( هذه الإتفاقية جائرة ومرفوضة)..يعنى ح تظلموا فاروق أبوعيسى - وتجمعه المعارض - عشان ما كوماندر ولا شنو ؟..وعليه، تلك إتفاقية لتجديد الحكم الثنائي بكل أزماته ومخاطره.. وهي بمثابة تخدير لأوجاع جنوب كردفان والنيل الأزرق، وليست بدواء تلك الأوجاع.. أوجاع جنوب كردفان والنيل الأزرق جزء من (أوجاع ما تبقى من البلد )..ولذلك، على قوى المعارضة - التي لاتفهم الدرس إلا ضحى الغد - أن ترفض هذه الإتفاقية، وتتمسك بأن تسرح الحركة جيشها، ثم تذهب وتسجل ذاتها في مسجل الأحزاب، وبعد ذلك تتساوى مع كل قوى المعارضة في حق (الكفاح المدني من أجل الديمقراطية )، أو تلتحق بركب الحكومة (أكتر من كدة )..أي، آن الأوان بأن تتجاوز الأحزاب و الناس والبلد قبول (نظرية الترقيع) و(نهج التخدير)، و آن الأوان لإستخدام عقل يخطط وينفذ ( الحلول الجذرية والناجعة لكل أزمات البلد )..حكومة قومية تستوعب كل القوى السياسية، ثم تشرف على إنتخابات حرة ونزيهة بها تعود الديمقراطية، هي الحل الأمثل - والوحيد - لكل (أزمات البلد)..أما الإتفاقيات الثنائية، فهي لم - و لن - تثمر غير ( قسمة سلطة شمولية ) و ( تقسيم البلد)..!! ** على كل حال، نرجع إلى حيث موضوعنا الأساسي .. أي بغض النظر عن عيوب إتفاقية أديس و محاسنها، نسأل بكل براءة : أليس معيبا أن تتفاجأ رئاسة الجمهورية و أجهزة الحزب الحاكم بنصوص الإتفاقية بعد التوقيع عليها، ثم ( ترفض )..؟..معقولة أديس ما فيها فاكس و لاتلفون ؟، بحيث يتم به إخطار الرئاسة والحزب بمحتوى الإتفاقية قبل التوقيع عليها ؟.. الرفض أو القبول يجب أن يسبق أي توقيع و أي قرار ياذوي العقول الإقصائية حتى فيما بينها، وذاك هو المؤسسية المعمول بها في بلاد الدنيا والعالمين، بما فيها تلك التي تحكمها المليشيات الصومالية والجماعات الأفغانية.. بل حتى الهمباتة وقطاع الطرق يديرون عملياتهم ب(سيستم و هارموني)..ولكن، مؤسف جدا أن يسبق أي توقيع و أي قرار - في هذا السودان العجيب – قرار مؤسسات الدولة و أجهزة الحزب، كمايحدث لإتفاقية أديس، هذا يسمى ب( الحكم العشوائي )..ثم كيف ستبرر الحكومة رفضها للإتفاقية لحكومة أديس و شهود الإتفاقية؟، هل يكون التبرير مهاتفة من شاكلة : ( هالو زناوي.. الإتفاقية دي ما بتخارج معانا و ما لازمانا خالص .. لإنو ناس نافع والخطيب وإدريس ما شاورونا ولا ورونا فيها شنو ؟..أنا يادوووب عرفت الفيها)، هل هكذا ستبرر الحكومة رفضها - للإتفاقية - لحكومة أثيوبيا ولكل العالم ؟..ما هكذا تدار الأوطان ومصائر شعوبها، أي ليس بنظرية ( الأسرة الغربية) التي يفعل فيها كل فرد ما يشاء، بل تدار بنظرية ( الأسرة السودانية) و مابها من قيم التشاور والتحاور و الشفافيةو إحترام الرأي والرأي الآخر ..!! ............... نقلا عن السوداني
نشر بتاريخ 13-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:23 am | |
|
هل نحارب طواحين الهواء..؟!
31/05/2011
«لقد عاش المسلمون أزهى عصورهم وحكموا العالم وأبدعوا حضارتهم العظيمة عندما كانوا يعيشون فى ظل الخلافة الإسلامية التى تحكم بشريعة الله.. فى العصر الحديث نجح الاستعمار فى إسقاط الخلافة وتلويث عقول المسلمين بالأفكار الغربية، عندئذ تدهورت أحوالهم وتعرضوا إلى الضعف والتخلف.. الحل الوحيد لنهضة المسلمين هو استعادة الخلافة الإسلامية..».
كثيرا ما استمعت إلى هذه الجملة من بعض خطباء المساجد وأعضاء الجماعات الإسلامية، ولا شك أن كثيرين فى مصر والعالم العربى يؤمنون بصحة هذه المقولة مما يجعل من الواجب مناقشتها.. الحقيقة أن الإسلام قدم فعلاً حضارة عظيمة للعالم، فعلى مدى قرون نبغ المسلمون وتفوقوا فى المجالات الإنسانية كلها بدءا من الفن والفلسفة وحتى الكيمياء والجبر والهندسة.. أذكر أننى كنت أدرس الأدب الإسبانى فى مدريد، وكان الأستاذ يدرسنا تاريخ الأندلس، وفى بداية المحاضرة عرف أن هناك ثلاثة طلبة عرب فى الفصل فابتسم وقال لنا:
- يجب أن تفخروا بما أنجزه أجدادكم من حضارة فى الأندلس..».
الجزء الأول من الجملة عن عظمة الحضارة الإسلامية صحيح تماما.. المشكلة فى الجزء الثانى.. هل كانت الدول الإسلامية المتعاقبة تطبق مبادئ الإسلام سواء فى طريقة توليها الحكم أو تداولها السلطة أو معاملتها للرعية..؟!..
إن قراءة التاريخ الإسلامى تحمل لنا إجابة مختلفة.. فبعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» لم يعرف العالم الإسلامى الحكم الرشيد العادل الا لمدة 31 عاما، هى مجموع فترات حكم الخلفاء الراشدين الأربعة: أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن أبى طالب.. الذين حكموا جميعا لمدة 29 عاما ( 11هـ- 40هـ). ثم الخليفة الأموى عمر بن عبدالعزيز الذى حكم لفترة عامين (99هـ- 101هـ).. 31 عاما فقط من 14 قرنا من الزمان، كان الحكم خلالها عادلاً رشيداً نقيا متوافقا مع مبادئ الإسلام الحقيقية. أما بقية التاريخ الإسلامى فإن نظام الحكم فيه لم يكن متفقا قط مع مبادئ الدين.. حتى خلال الـ31 عاما الأفضل حدثت مخالفات من الخليفة عثمان بن عفان، الذى لم يعدل بين المسلمين وآثر أقاربه بالمناصب والعطايا، فثار عليه الناس وقتلوه، ولم يكتفوا بذلك بل هاجموا جنازته وأخرجوا جثته واعتدوا عليها حتى تهشم أحد أضلاعه وهو ميت..
ثم جاءت الفتنة الكبرى التى قسمت المسلمين إلى ثلاث فرق (أهل سنة وشيعة وخوارج)، وانتهت بمقتل على بن أبى طالب، وهو من أعظم المسلمين وأفقههم وأقربهم للرسول (صلى الله عليه وسلم) على يد أحد الخوارج وهو عبدالرحمن بن ملجم. ثم أقام معاوية بن سفيان حكما استبداديا دمويا أخذ فيه البيعة من الناس كرهاً لابنه يزيد من بعده ليقضى إلى الأبد على حق المسلمين فى اختيار من يحكمهم ويحيل الحكم من وظيفة لإقامة العدل إلى ملك عضوض (يعض عليه بالنواجذ)، والقارئ لتاريخ الدولة الأموية ستفاجئه حقيقة أن الأمويين لم يتورعوا عن ارتكاب أبشع الجرائم من أجل المحافظة على الحكم.. فقد هاجم الأمويون المدينة المنورة وقتلوا كثيرا من أهلها لإخضاعهم فى موقعة الحرة. بل إن الخليفة عبدالملك بن مروان أرسل جيشا بقيادة الحجاج بن يوسف لإخضاع عبدالله بن الزبير الذى تمرد على الحكم الأموى، واعتصم فى المسجد الحرام..
ولقد حاصر الحجاج مكة بجيشه وضرب الكعبة بالمنجنيق حتى تهدمت بعض أركانها، ثم اقتحم المسجد الحرام وقتل عبدالله بن الزبير داخله.. كل شىء إذن مباح من أجل المحافظة على السلطة حتى الاعتداء على الكعبة، أقدس مكان فى الإسلام، وإذا انتقلنا إلى الدولة العباسية ستطالعنا صفحة جديدة من المجازر التى استولى بها العباسيون على السلطة وحافظوا عليها، فقد تعقب العباسيون الأمويين وقتلوهم جميعا بلا ذنب ولا محاكمة ونبشوا قبور الخلفاء الأمويين وعبثوا بجثثهم، انتقاما منهم.. الخليفة العباسى الثانى أبوجعفر المنصور قتل عمه عبدالله خوفا من أن ينازعه فى الحكم ثم انقلب على أبى مسلم الخرسانى. الذى كان سببا فى إقامة الدولة العباسية فقتله، أما أول الخلفاء العباسيين فهو أبوالعباس السفاح الذى سمى بالسفاح لكثرة من قتلهم من الناس، وله قصة شهيرة جمع فيها من تبقى من الأمراء الأمويين وأمر بذبحهم أمام عينيه ثم غطى جثثهم ببساط ودعا بطعام وأخذ يأكل ويشرب بينما لا يزالون يتحركون فى النزع الأخير ثم قال:
«والله ما أكلت أشهى من هذه الأكلة قط».
أما من ناحية الالتزام الدينى، باستثناء بضعة ملوك اشتهروا بالورع فقد كان معظم الملوك الأمويين والعباسيين يشربون الخمر مع ندمائهم على الملأ كل ليلة.. فلسفة الحكم إذن لم يكن لها علاقة بالدين من قريب أو بعيد، بل هى صراع شرس دموى على السلطة والنفوذ والمال لا يتورعون فيه عن شىء حتى لو كان الاعتداء على الكعبة وهدم أركانها.. فلا يحدثنا أحد عن الدولة الإسلامية الرشيدة، التى أخذت بالشريعة لأن ذلك ببساطة لم يحدث على مدى 14 قرناً، إلا لفترة 31 عاما فقط.. السؤال هنا: ما الفرق بين الحكم الإسلامى الرشيد، الذى استمر لسنوات قليلة، وبين ذلك التاريخ الطويل من الاستبداد باسم الإسلام؟..
إنه الفرق بين العدل والظلم، بين الديمقراطية والاستبداد.. إن الإسلام الحقيقى قد طبق الديمقراطية الحديثة قبل أن يطبقها الغرب بقرون طويلة.. فقد امتنع الرسول «صلى الله عليه وسلم» عن اختيار من يخلفه فى حكم المسلمين، واكتفى بأن ينتدب أبا بكر لكى يصلى بالمسلمين بدلاً منه وكأنه (صلى الله عليه وسلم) يريد أن يرسل الإشارة أنه يفضل أبا بكر لخلافته دون أن يحرم المسلمين من حقهم فى اختيار الحاكم.. وعندما توفى الرسول (صلى الله عليه وسلم) اجتمع زعماء المسلمين فى سقيفة بنى ساعدة ليختاروا الخليفة. هذا الاجتماع بلغتنا الحديثة اجتماع برلمانى بامتياز تداول فيه نواب المسلمين الأمر ثم انتخبوا أبا بكر ليتولى الحكم.. وقد ألقى أبوبكر على المسلمين خطبة قال فيها: «يا أيها الناس لقد وُلّيت عليكم ولست بخيركم.. أطيعونى ما أطعت الله ورسوله فإن عصيتهما فلا طاعة لى عليكم..».
هذه الخطبة بمثابة دستور حقيقى يحدد العلاقة بين الحاكم والمواطنين كأفضل دستور ديمقراطى.. نلاحظ هنا أن أبا بكر لم يقل إنه خليفة الله، ولم يتحدث عن حق إلهى فى الحكم، بل أكد أنه مجرد واحد من الناس وليس أفضلهم.. هذا المفهوم الديمقراطى الذى هو جوهر الإسلام سيستمر سنوات قليلة ثم يتحول إلى مفهوم آخر مناقض يعتبر الحاكم ظل الله على الأرض. فيقول معاوية بن أبى سفيان:
«الأرض لله وأنا خليفة الله فما أخذت فلى وما تركته للناس بفضل منى».
ويقول أبوجعفر المنصور العباسى:
«أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة وعنكم ذادة (حماة) نحكمكم بحق الله الذى أولانا وسلطانه الذى أعطانا، وأنا خليفة الله فى أرضه وحارسه على ماله..».
ويقول عبدالملك بن مروان وهو يخطب على منبر النبى: «والله لا يأمرنى أحد بتقوى الله بعد مقامى هذا إلا ضربت عنقه».
انقلب المفهوم الديمقراطى الذى يمثل جوهر الإسلام إلى حكم بالحق الإلهى يعتبر المعترضين عليه كفاراً مرتدين عن الدين يجب قتلهم. يقتضينا الإنصاف هنا أن نذكر حقيقتين: أولاً أن الخلفاء الذين تولوا الحكم عن طريق القتل والمؤامرت كانوا فى أحيان كثيرة حكاما أكفاء، أحسنوا إدارة الدولة الإسلامية حتى أصبحت إمبراطورية ممتدة الأطراف. لكن طريقتهم فى تولى السلطة والحفاظ عليها لا يمكن بأى حال اعتبارها نموذجا يتفق مع مبادئ الإسلام.. ثانياً: إن الصراع الدموى على السلطة لم يقتصر على حكام المسلمين فى ذلك العصر، وإنما كان يحدث بين ملوك أوروبا بنفس الطريقة من أجل انتزاع العروش والمحافظة عليها.
الفرق أن الغربيين الآن يعتبرون هذه الصراعات الدموية مرحلة كان لابد من اجتيازها من أجل الوصول إلى الديمقراطية، بينما مازال بيننا نحن العرب والمسلمين من يدعو إلى استعادة نظام الخلافة الإسلامية، ويزعم أنها كانت عادلة تتبع شريعة الله. إن التاريخ الرهيب للصراع السياسى فى الدولة الإسلامية منشور ومعروف وهو أبعد ما يكون عن شريعة الإسلام الحقيقية، وقد احترت فى هذه الدعوة الغريبة إلى استعادة الخلافة الإسلامية فوجدت من يتحمسون لها نوعين من الناس: بعض المسلمين الذين لم يقرأوا التاريخ الإسلامى من أساسه، أو أنهم قرأوه وتهربوا من رؤية الحقيقة، لأن عواطفهم الدينية قد غلبت عليهم فأصبحوا بالإضافة إلى تقديس الإسلام يقدسون التاريخ الإسلامى نفسه، ويحاولون إعادة تخيله بما ليس فيه. أما الفريق الآخر من المنادين بالخلافة فهم أعضاء جماعات الإسلام السياسى الذين يلعبون على عواطف البسطاء الدينية من أجل أن يصلوا إلى السلطة بأى طريقة..
وهم يخيرونك عادة بين طريقين: إما أن توافق على صورتهم الخيالية عن الخلافة، وإما أن يتهموك بأنك علمانى عدو الإسلام.. إما أن تساعدهم على الوصول إلى الحكم عن طريق نشر أكاذيب وضلالات عن التاريخ، وإلا فإن سيف التكفير فى أيديهم سيهوون به على عنقك فى أى لحظة. جوهر الإسلام العدل والحرية والمساواة.. وهذا الجوهر تحقق لفترة قصيرة عندما تم الأخذ بمبادئ الديمقراطية..
أما بقية تاريخ الحكم الإسلامى فلا وجود فيه لمبادئ أو مُثُل نبيلة، وإنما هو صراع دموى على السلطة يستباح فيه كل شىء، حتى ولو ضربت الكعبة وتهدمت أركانها.. هذه الحقيقة شئنا أم أبينا. أما السعى لإنتاج تاريخ خيالى للخلافة الإسلامية الرشيدة فلن يخرج عن كونه محاولة لتأليف صور ذهنية قد تكون جميلة لكنها للأسف غير حقيقية.. كتلك التى وصفها الكاتب الإسبانى الكبير ميجيل دى سرفانتس، فى قصته الشهيرة «دون كيخوته»، حيث يعيش البطل العجوز فى الماضى، مستغرقا فى قراءة الكتب القديمة، حتى تستبد به الرغبة فى أن يكون فارساً بعد أن انقضى زمن الفرسان فيرتدى الدرع، ويمتشق السيف ثم يتخيل أن طواحين الهواء جيوش الأعداء، فيهجم عليهم ليهزمهم.
الطريق الوحيد للنهضة هو تطبيق مبادئ الإسلام الحقيقية: الحرية والعدل والمساواة.. وهذه لن تتحقق إلا بإقامة الدولة المدنية التى يتساوى فيها المواطنون جميعا أمام القانون، بغض النظر عن الدين والجنس واللون. .. الديمقراطية هى الحل..
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:25 am | |
|
ساخر سبيل الجمارك واللورد
الفاتح يوسف جبرا
يقولون إذا عرف السبب بطل العجب .. ولأننا فى موضوع هذا المقال لا نعرف السبب فإننا سوف نظل فى حالة (عجب) حتى يفتح الله على القائمين على الأمر بتوضيح (المسألة) وما أكثر المسائل التى باتت تحتاج إلى توضيحات فى ظل هذا (الزمن الأغبر) . لا يختلف إثنان بأن أكثر الأسواق فى العالم تشبعاً بالسلع والأجهزة غير المطابقة للمواصفات و(المزورة) هى أسواقنا .. الأدوات الإليكترونية ، الأجهزة الكهربائية ، المواد الغذائية ، الأدوية ، لعب الأطفال كل شئ تقريباً .. كل شئ .. !! هل قامت الإدارة العامة للجمارك يوماً بنشر إعلان تحذيري تحذر فيه المواطنين من شراء أى من هذه السلع (المهربة) التى تغرق الأسواق وتؤثر على (الإقتصاد الوطني) ؟ مبلغ علمى أنها إن أرادت أن تفعل ذلك فأنها سوف تعدم المليم (تحذر من شنو .. وتخلى شنو؟) لذلك فإنها لم تفعل لذلك فقد إندهشت غاية الإندهاش وأنا أطالع إعلاناً تحذيرياً (نص صفحة وكمان ملون) من الإدارة العامة للجمارك على صفحة 13 من العدد رقم 4932 من صحيفة (الرأي العام) الصادر بتاريخ الثلاثاء الموافق 5 يوليو 2011م (وقد نشر فى عدة صحف أخرى) .. يقول نص الإعلان: »جمهورية السودان ـ وزارة الداخلية الإدارة العامة للجمارك ـ إعلان تحذيري ـ تعتبر الإدارة العامة للجمارك خط الدفاع الأول لحماية الاقتصاد الوطني وقد استهدفت في خططها على الدوام مكافحة التهريب وإغراق الأسواق بالبضائع المهربة غير المطابقة للمواصفات كان آخرها ظهور نوع من السجائر المزوّرة مجهولة المنشأ ماركة «لورد» إن الإدارة العامة للجمارك قد آلت على نفسها التصدي بقوة لمحاربة هذا النشاط المدمِّر في أي موقع (المتاجر وأماكن البيع القطاعي وكل مواقع العرض والتخزين والترحيل) ولهذا نحذر جميع المتعاملين في تجارة السجائر المزوَّرة بكل أصنافها من مغبة النشاط الذي يضعهم تحت مخالفة القانون ويعرضهم للمحاكمة ومصادرة الأنواع المهربة ووسائل النقل وننشد تعاون المواطن الكرام للإبلاغ عن أي عرض أوتخزين أو حركة نقل لهذه السجائر«! إنتهى الإعلان (الكارثة) والذى تم دفع قيمته المليونية من (قروش محمد أحمد الغلبان) .. تعالوا معى أعزائى القراء لنقوم (بتفكيك) هذا الإعلان لنرى مدى كارثيته والروائح النفاذة التى تخرج منه : يقول الإعلان : (وقد استهدفت في خططها على الدوام مكافحة التهريب وإغراق الأسواق بالبضائع المهربة غير المطابقة للمواصفات كان آخرها ظهور نوع من السجائر المزورة) ونقول : إذا كانت الجمارك تعترف بأن الأسواق (غرقانة) بالبضائع المهربة وأن هذا السجائر المزور كان آخرها فلماذا إختارت الجمارك هذه السجائر للتحذير منها وهنالك سلع أهم وأخطر على صحة وحياة المواطنين (كالدواء) المغشوش مثلاً لم تقم الجمارك بتحذير المواطنين منها ؟ وهل يعنى ذلك أنها سوف تقوم من الآن وصاعداً بتحذير المواطنين عن أى سلعة مزورة مستقبلاً ؟ (نشوف !!) يقول الإعلان : (إن الإدارة العامة للجمارك قد آلت على نفسها التصدي بقوة لمحاربة هذا النشاط المدمِّر في أي موقع المتاجر وأماكن البيع القطاعي وكل مواقع العرض والتخزين والترحيل ولهذا نحذر جميع المتعاملين في تجارة السجائر المزوَّرة بكل أصنافها من مغبة النشاط الذي يضعهم تحت مخالفة القانون ويعرضهم للمحاكمة ومصادرة الأنواع المهربة ووسائل النقل)! ونقول : ولماذا هذا (اللورد) بالذات من دون السلع التى تغرق الأسواق تقوم الإدارة العامة للجمارك بتتبعه سوق سوق .. مخزن مخزن .. بقالة بقالة .. زنقة زنقة ؟ وتتصدى لمن يتعامل معه بيعاً وعرضاً وتخزيناً وترحيلاً وتتوعده بالثبور وعظائم الأمور من محاكمات ومصادرات حتى لوسائل نقله ؟ وتناشد المواطنين الإبلاغ عن أى عرض أو تخزين أو حركة نقل لهذه (السجائر المزورة) والتى تم تصويرها في الإعلان من كل الزوايا (وجه العلبة وظهرها وجنباتها وغطائها المعدنى والكتابة الفوقا) لتوضيح الفوارق بينها وبين (السجائر الأصلي) !! إنتهى تفكيك الإعلان والذى كان على المتضرر وهو المصنع الذى يقوم بصناعة سجائر (لورد) أن يقوم بنشره (أو إن شاء الله ناس حماية المستهلك) لحماية المواطنين و(الخوف على صحتهم) من (السجائر المزورة وكده) غير أن الجمارك لسبب لا نعرفه (حتى يزول العجب) رأت أن تقوم إنابه عن المصنع الذى ليست لديه بالطبع أى أدوات (تهديد ووعيد) بنشر هذا الإعلان من قروش (بيت مال المسلمين) ! وإذا إستمر هذا الإنتقاء (الما معروف سببو) فسوف نطالع للإدارة العامة للجمارك فى مقبل الأيام إعلانات من شاكلة : تحذر الإدارة العامة من ظهور نوع مزور من (فنائل أبوفاس) الداخلية وتحذر جميع المتعاملين في تجارة (الفنائل) المزوَّرة بكل أنواعها من مغبة النشاط الذي يضعهم تحت مخالفة القانون ويعرضهم للمحاكمة ومصادرة الأنواع المهربة ووسائل النقل وننشد تعاون المواطن الكرام للإبلاغ عن أي عرض أوتخزين أو حركة نقل لهذه الفنائل! كسرة : الفنائل أقصد السجائر دى كدى خلوها .. عملتو لينا شنو فى (المودوع) بتاع عربات شهادة الوارد (المزورة) ؟.. وبالله أصلو لو إنتو بتحذروا المواطنين مش كان تحذروهم من شهادة الوارد (المزورة) وتعملو ليهم إعلان عشان ما يشتروا العربات دى ... وللا بس بتعرفوا تحذروا من (اللورد المزور) !!!
الراي العام
نشر بتاريخ 16-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:27 am | |
|
إليكم
(الفينا مكفينا ) .. إن كنتم تشعرون ..!!
الطاهر ساتى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
** ومن لطائف الأهل بدار شايق، أن أحدهم عقد العزم على الإقلاع عن تناول الشاي نهائيا، مهما كان أثر ذلك على حالته النفسية و( صفو مزاجه )..فجرا ذهب الى جاره السنجك ليخبره بالقرار قائلا : حرم تاني جغيمة شاي ما تدخل حلقي ده، ياخ لي متين نحن نكون عبيد للكيف ؟..فاستحسن السنجك قراره وودعه بالدعوات الطيبات..ولكن عاد إليه صديقه قبيل الضحى بساعة، مبتهجا : عليك الله يا السنجك لقيتني كيف؟، من صباح الرحمن مادخلت جغيمة شاي في حلقي..وغادره، ثم عاد إليه عند الضحى بذات السعادة : عليك الله يا السنجك ماني صنديد وفارس؟، من أمبارح بالليل جغيمة شاي ما بلت حلقي..وغادره، ثم عاد إليه منتصف الظهيرة مباهيا : شوفت الرجالة كيف يا السنجك أخوي؟، نص يوم بحالو أخوك عايش بلا شاي..وغادره، ثم عاد اليه قبيل العصر منتشيا : هييع أنا أخوك يا فاطنة، عليك الله يا السنجك ماك متمني تلقى رجالة زي رجالتي دي تعيشك بلا شاي ؟..وهنا صارحه السنجك بحالته النفسية قائلا : والله يا سيد أحمد حالتك بقت تحنن العدو، اشرب شاهيك يا أخوى قبل ما تلقط الورق في الشارع ..!! ** وتلك هي الحالة النفسية لصحف الخرطوم منذ يوم انفصال الجنوب..كل الصحف، الموالية للحكومة منها والمعارضة والمستقلة، باركت لشعب جنوب السودان دولته الوليدة، وتمنت له السلام والرفاهية..بل حتى الصحف ذات السياسة التحريرية الداعية الى الوحدة، امتثلت للأمر الواقع وأبدت احترامها وتقديرها لقرار شعب جنوب السودان، وطالبته بحسن الجوار ثم التواصل الحميد مع الشمال، وطنا وشعبا..هكذا كانت روح صحف الخرطوم تجاه دولة جنوب السودان، عدا صحيفة الإنتباهة التي ودعت تلك الدولة بالسباب والشتائم واللعنات.. وكل هذا يجب أن يعني - واقعا وعمليا- بأن جنوب السودان - حكومة وشعبا ووطنا - يجب ألا يشكل وجودا في حياتنا العامة إلا بمقدار ما يحدث من حراك سياسي - سلبا أو إيجابا - بين الدولتين..يعني بالبلدي كدة : (هي دولة راحت لي حالها، وماعندنا شغلة بيها)، أوهكذا أمر الواقع الذي لامفر منه..ولكن السياسة التحريرية لصحف الخرطوم - كما صاحب السنجك - عاجزة عن الإقلاع عن تناول تفاصيل قضايا الجنوب..والأدهى والأمر أن تلك السياسة التحريرية لاتزال تتناول قضايا الجنوب بشكل يوحي للقارئ بأن الجنوب محض اقليم سوداني تحكمه حكومة الخرطوم المركزية، ولم يعد ( دولة أجنبية وجارة) ..!! ** على سبيل المثال..اعتراف اسرائيل بدولة الجنوب، كان خبرا رئيسيا يوم الإعتراف، ولايزال حدثا تستنكره أقلام الخرطوم بكل (قوة عين)..نعم، غريب امركم أيها الزملاء، ما لكم أنتم ودولة جنوب السودان وإسرائيلها، إعترفت بها أم لم تعترف ؟..هي - دولة جنوب السودان - مثلها مثل قطر ومصر الأردن وغيرها من الدول التي عواصمها تتحضن السفارات الاسرائلية جهارا نهارا وتحت سمع وبصر الدنيا والعالمين، فلماذا لاتستنكرون هذه العلاقة التاريخية كما تستنكرون تلك العلاقة الوليدة ؟..وللراحل أبو أمنة حامد تحليل طريف لمكانة ومقام أطراف الفم عند العرب وأهل السودان، حيث يقول : العرب يسمونها ( شفاه ) وذلك تقديرا لها وهياما بها ، ولكن نحن نسميها (شلوفة) تحقيرا لها وكراهية فيها، وهكذا تقريبا تحلل صحفنا علاقات إسرائيل، بحيث كانت ولاتزال ترى بأن علاقتها مع الدوحة والقاهرة (شفاه)، ولكنها إكتشفت - فجأة كدة - بأن علاقتها مع جوبا (شلوفة).. (شفاها) كانت تلك العلاقة الوليدة أم (شلوفة)، انتو ما لكم ومالها ؟..هما، اسرائيل وجنوب السودان - دولتان أجنبيتان، تقعان - جغرافيا وسياديا - خارج جغرافية وطننا وسيادته الوطنية، وعليه يجب أن تحترم أقلامنا ذاتها بعدم التدخل في شؤون الدول الأجنبية وعلاقاتها الدبلوماسية..هذا أو استنكروا - بالعدل والمساواة - علاقة اسرائيل مع كل الدول الأفروعربية بما فيها دولة جنوب السودان و دولة قطر، وبصراحة كدة ( دي ما بتقدروا عليها) ..!! ** ذاك نموذج حالة نفسية تعيشها صحف الخرطوم، ونموذج أخر هو ما يحدث منذ أول البارحة.. الحدث الرئيسي الذي تصدر قائمة أخبار صحف الأحد لايمت الي السودان وشعبه وقضاياه بأي صلة، فحواه : استقالة باقان من منصب وزير السلام بحكومة جنوب السودان، ليتفرغ لأمانة الحركة الشعبية بحكومة جنوب السودان أيضا..صحفا قالت انها استقالة، واخرى أضفت عليها (شمار وفلفل)، حيث قالت انها اقالة..وأيا كانت، بتهم الشعب السوداني في شنو، بحيث نغطي بها أنظار أهل السودان عن قضاياه و(كوارث حكومته) .؟..ناهيكم عن باقان، هب أن كل الحكومة استقالت وقدمت الحكومة لقيادة أخرى، ما قيمتها بحيث نصرف بها الرأي العام السوداني عن (مآسي واقعه السيادي و السياسي والاقتصادي والاجتماعي )..؟ ** وبالمناسبة، قيادات حكومة جنوب السودان - بمختلف تباينات رؤاها - جديرة بالإحترام، بحيث وضعت في جدول أعمالها هدفا إستراتيجيا، وبحسن التخطيط وإتقان التنفيذ (أصابت الهدف ) و حققت ( أمل شعبها)، وهكذا يجب أن تكون كل الحكومات خادمة لآمال وأحلام شعبها.. ما حدث ويحدث بين باقان ومشار لايختلف كثيرا عما حدث ويحدث بين نافع وقوش، بل أولئك بالجنوب يتفوقون على هؤلاء بالشمال بحيث أن اختلاف رؤاهم لم ينسهم خدمة قضايا وطموحات وغايات شعبهم الإستراتيجية.. وإن كنا لامحالة راصدين ومترصدين لحراك تلك الدولة الوليدة، فلنستلهم من قياداتها تلك الدروس العظيمة وليست سفاسف الأمور التي من شاكلة ( باقان زعلان، أتيم فرحان، ربيكا مكتئبة، اسرائيل اعترفت)، وغيرها من الإنصرافية المراد بها صرف عقل الرأي العام السوداني عن التفكير في (بؤس حاله وقبح حال بلده وسوءات حكومته)..المهم، علينا أن نتجاوز هذه الحالة النفسية التي نعيشها، إذ ليس من العقل أن نخدع شعبنا بحيث يكون محدقا في قضايا جنوب السودان ومتجاهلا قضاياه وقضايا وطنه، وكذلك معيب جدا أن يظل رصد وترصد جنوب السودان - شعبا وحكومة ووطنا- أكبر همنا ومبلغ علمنا، وكأن دولتنا - بشعبها وحكومتها - غارقة في بحور السلام والأمان و الإستقرار والرفاهية...( الفينا مكفينا)، إن كنتم تشعرون..!! ............. نقلا عن السوداني
نشر بتاريخ 18-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:30 am | |
|
الصحافة السودانية على طاولة التشريح صحافة العمود 1-2
شوقي إبراهيم عثمان [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] البريد
وليعذرني القراء الكرام كأن أستلف لفظة "طاولة التشريح" من عنوان كتابي الذي يبحث عن ناشر لا يوجد: جهاز الإحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا على طاولة التشريح السودانية!! ولقد أرسلت نسخة الكترونية من هذا الكتاب لكثير من المهتمين بالإقتصاد مثل مراكز البحوث الخ، ومنهم الدكتور عبد اللطيف البوني المتخصص في العلوم السياسية، ويبدو أن فكرة طاولة التشريح أعجبت الدكتور البوني..فهل يا ترى أعجبه الكتاب؟! وحقا ما أكثرهم من يستحق التشريح في السودان!! أليست هي فكرة جميلة كأن يستخدم طلبة الطب في مادة التشريح بعض السياسيين والصحفيين بدلا من تشريح الضفادع والأرانب، وكذلك أليس من الأجدى علميا إستخدامهم في التجارب المعملية الصيدلانية بدلا من تلك الفيران؟! شنو رأيكم في الفكرة؟ كتبت الصحفية الذكية في أحد أيميلاتها التي أخذت تنمو على أرضية الصداقة الفكرية الجميلة النادرة بيننا، التالي: ((..هل تعتقد لا سمح الله أن كل كاتب عمود في بلادنا هو شخص يمتلك موقفا وجوديا من الحياة ويكتب في اطار ايمانه برسالية المهنة مثلاً ..؟! السذاجة جزء أصيل من اللعبة يا سيدي..لعبة التواطؤ مع ذوق القارئ وهي تحدث لان العزف على أوتار المشاعر والانفعالات الشعبية حينا والقومية احيانا هو الطريقة الوحيدة للثبات على سراط المقروئية وما ادراك ما المقروئية..هي التي تحدد (كم تقبض) التي تحدثت عنها وهي التي تحدد من هو النجم ومن هو كاتب الاخيرة .. وعلى فكرة معظم هؤلاء الكتاب يملكون رؤى أعمق مما يبدو واراء مخالفة لمجريات الواقع لكنهم يجارون والمجاراة هي آفة الصحافة السودانية!! وانا على فكرة لا استثني نفسي من هذا..تبسيط اللغة والتقليل من العمق والجدية كنت افعله احيانا ولا افعله غالبا .. لكي تكون كاتب عمود نجم لابد ان يبارك القراء ما تكتب فترتفع اسهمك ويزيد المقابل المادي..وهذا يفسر عدم شعبية مقالات الكتاب والمحللين الجادين والعميقين باستثناء قلة قليلة نجحت في تحقيق المعادلة المطلوبة وهي الموازنة بين ما يملكون وما يريد الناس ان ياخذوه منهم ..! وكله تعب وحرق دم ومجهود ذهني وعصبي لان اسهل شيء هو ان تكتب لتمتع نفسك وتتماهى مع قناعاتك ومستوى وعيك وفكرك وأصعب شي أن تشرح البرسترويكا في قصة لذيذة مضغوطة بأربعمائة كلمة لقراء معظمهم يشتري صحيفتك مع كيس الخضار والخبز وهو يمني نفسه بحقه عليك في أن تكون عظيما ولطيفا وعميقا وطريفا وجادا وهازلا ومبتكرا ومتجددا ومدهشا كل يوم ..! لاحظ انك ينبغي ان تكون كذلك بمقاييسه هو لا بمقياسك انت ..! لا اعتقد ان كذا مليون جنيه كثيرة على كاتب (عمود) يزيد من دخل الجريدة في عالم صحافتنا التي توزع باعمدة الكتاب وليس بالسبق الصحفي وصناعة الخبر والتحقيق الجيد..هذه هي الحقيقة وفي بلاد برة على قول المصريين وانت سيد العارفين كتاب ياخذون نسبة من ارباح التوزيع على عمود يومي..نجومية كاتب العمود مثل نجومية لاعب كرة القدم أو مغني الراب او راقصة الباليه لا فرق كلهم يعزفون على اوتار الجمهور او يرقصون على انغام عزفه)).أ.هـ. **** لو كان بالإمكان كتابة كلماتها بمداد من الذهب على لافتة مضيئة ثم تعلق عند مدخل نقابة الصحفيين وإتحاد الكتاب السودانيين والمجلس القومي للصحافة والمطبوعات لفعلت!! لقد أستخدمت صديقتنا الصحفية الحادة الذكاء مبضع الطبيب الجراح المتخصص في علم التشريح لفرز النسيج السرطاني المتفشي في الصحافة السودانية – صحافة العمود!! ولكن هنالك بلا شك بعض الإستثناءات الجيدة لبعض الأعمدة الحميدة، مثل عمود دكتور البوني وحيدر المكاشفي!! (ليس الدكتور عبد الرحيم حمدي يا المكاشفي..فسياسة التحرير الإقتصادي لا تتم بضربة زر، الرجل أعلن سياسة التحرير الإقتصادي وأزاحوه ولم يكمل ما بدأه، فصنعوا وحدهم إقتصادا طفيليا بأسمه!! لكي تفهم اكثر عليك بمحافظ بنك السودان الذي سبق صابر محمد حسن..ونعني الشيخ سيد أحمد الشيخ). والسؤال هنا هل أدمن السودانيون على قراءة الأعمدة القصيرة المحبوكة الفكهة الجزلة دون سواها؟ يبدو أن ذلك صحيحا. وهل يكفي عمود صغير من 400 كلمة تفسير العديد من الظواهر الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وإعطاء الحلول لها جماهيريا؟ قطعا كلا، ومستحيل. أين العيب إذن؟ هل العيب في الجمهور أم في الصحف؟ أم في الأثنين معا؟ نعم، يجب ان نعترف أولا أن سوء حال الصحافة والصحفيين لا يتخارج عن سوء مسيرة تطور السودان بكليته السالب، وفي تقديري أن السودان منذ 25 مايو 1969م وهو في حالة تردي وإنحطاط بمتوالية هندسية بشكل غير مسبوق على كافة الأصعدة، الأخلاقية والحياتية والمعيشية والسياسية والفكرية – أي منذ أربعة عقود ونيف!! ولكي لا نظلم الصحفيين، فإن مسيرة التغيير الإقتصادي-الإجتماعي socio-economic change تقع حتما على عاتق المفكرين السودانيين دون سواهم – وليس على عاتق الصحفيين أو السياسيين حصرا. وإذا إفترضنا أن عالم السياسية عالم فطيري يدخله كل من هب ودب بدون شروط أو مؤهلات، علينا ألا نتوقع من السياسيين شيئا ذا قيمة إضافية لأن فاقد الشيء لا يعطيه – السياسيون يقتادون عادة من موائد المفكرين. إذن يأتي على عاتق المفكرين السودانيين على الخصوص المساهمة وعلى عاتقهم الدور الأكبر كأن يسلموا السياسيين والشعب السوداني أدوات التغيير الفكرية لبناء دولة مدنية حديثة. ولننتقل للسؤال التالي: هل لدينا مفكرون نظروا للدولة السودانية المدنية؟ يجب أن نجاوب على هذا السؤال الهام بأمانة وبموضوعية، وسنجيب عليه في المقالة التالية، والآن لنرى دور الصحافة والصحفيين. ما يعيب الصحافة السودانية هو أنها اصبحت صحافة عمود لا غير!! كثرت الإعمدة ودخلت الصحافة السودانية ومعها الصحفيون مباراة تنافسية حادة: من هو صاحب أفضل عمود حتى تجذب الصحيفة القراء ويزيد دخلها!! ولكي يزيد الصحفي كاتب العمود من أسهمه في سوق الصحافة وبالطبع من دخله المالي يكتب بخفة دم ملحوظة، بغض النظر عن الفكرة الخ – ثم لا شيء آخر ذو قيمة في الصحيفة!! فمثلا إذا أخذنا الخبر أو قسم تغطية الأخبار الدولية في الصحف السودانية سنجد كلاهما ضعيف: بالتحديد حين تعيش في السودان وتقرا جميع الصحف السودانية يوميا لن تفهم مطلقا منها ماذا يدور في الإقليم العربي ودعك ماذا يدور في العالم الغربي أو الأفريقي أو الأسيوي!! ولقد أشتكى لي من هذه النقطة عربي لبناني متحسرا بعفوية، قال: في بلده لبنان عبر الصحف او صحيفة واحدة يفهم آخر المستجدات في القضايا الإقليمية الساخنة، ولكنه هنا في السودان وله ثلاثة أشهر، وبالرغم من إنه يقرأ الصحف السودانية بإنتظام، فقد الرؤية السياسية وفقد المتابعة للأحداث السياسية التي تتحكم في الإقليم العربي!! لقد صدق الرجل. انا نفسي عشت لفترة في الخرطوم وتوطت لدي نفس تجربة اللبناني، ففي ألمانيا يندر كأن لا تقبض بعنق الأخبار المستجدة في سياق الصراع الدولي، ولكن في السودان تشعر وكانك أنعزلت عن العالم أو سقطت في حفرة عميقة رغم انك تقرأ الصحف يوميا. لذا ليس من المستغرب أن حاولت صحيفة آخر لحظة في بدايتها كأن تؤسس من نفسها صحيفة إقليمية – أي كأن تغطي الأخبار الإقليمية والعالمية بأسلوب إحترافي لسد هذه الفجوة المهنية. وفشلت آخر لحظة بسبب الوفاة المفاجئة لصاحبها الطموح الصحفي اللندني المرحوم "هاسان ساتي"!! بينما مصطفى أبو العزائم حولها إلى إقطاعية محلية خاصة على طريقة صحيفة الوطن العائلية – وتلعب الكرة في دائرة جيب من جيوب المؤتمر الوطني!! هذا النقص المعيب في تغطية الخبر والأخبار المحلية والإقليمية والعالمية في الصحف السودانية هو محسوس حتى لدى الصحفيين السودانيين – مما دفع بعض الصحفيين للتفكير في شراء صحيفة الحقيقة التي ماتت فجأة بالسكتة القلبية من صاحبها ومؤسسها السويدي، وعزموا إبتدءا على أن يجعلوها صحيفة إقليمية تنافس إقليميا على غرار صحيفة الشرق الأوسط مثلا. ولكن الفكرة ماتت في مهدها لإختلاف الشركاء الصحفيين قبل أن تبدأ الشراكة. ولو أشتروها وطبقوا الفكرة لفشلوا – ولربما قد يكون هدفهم الجاليات السودانية في الخليج فينجحوا نسبيا!! ويعزى الفشل إلى أن الفضاء الإعلامي العربي هو محجوز لدول الخليج مسبقا، ولن تسمح بدخول صحيفة عربية من دولة أخرى منافسة، ومحروسة بأجهزة مخابرات تتصيد كل كلمة – لا تمانع دول الخليج أن تكتب صحفهم الخليجية ما تشتهي موجهة سهامها للعرب غير الخليجيين وقد تتقبل بعض القضايا في حقها على طريقة هايد بارك، ولكن لن تسمح هذه الدول "للغريب" بنقد دول الخليج داخل الدائرة الإعلامية العربية الخليجية..إذن هذه الإقليمية المنشودة ليست سوى الوصول لجيوب السودانين المغتربين!! الشيء الطريف...تخشى الصحف السودانية المحلية وتجبن مطلقا من الكتابة الناقدة في دول الخليج، ومن علامات النفاق الصحفي السوداني، تكتب صحف الخليج نفسها سياسيا وفكريا وعقائديا بعنف بحيث لا يقارن بما تكتبه الصحف السودانية الخجولة عن دول الخليج!! لا شك أن كفاءة الكادر الصحفي لها أهميتها في صياغة وتغطية الأخبار الدولية. فلقد لاحظت أن الأخبار الدولية ليست مهمة لدى كل الصحف السودانية – فقسم الأخبار ليس له غرفة خاصة، وعادة لا يحظى هذا القسم بالمحظيات والإمتيازات مقارنة بأصحاب الأعمدة والمقالات الراتبة، لذا أصحاب الصحف يشغلون هذا القسم باية صحفي ولا يهتمون بمؤهلاته المهنية أو بحجم خبراته وثقافته السياسية، وما عليه إلا أن يضرب بفارته على الأنترنيت ويختار الأخبار الخارجية التي تتفق مع الحد الأدنى لثقافته السياسية التي غالبا ما تكون صغيرة ومشوشة..الخ ومثالا على ذلك وليس من قبيل الحصر صحيفة الوفاق التي لا ترتبط الأخبار الخارجية فيها برابط تحليلي شامل بحيث تعطي رؤية سياسية كلية متماسكة وبعدا ديناميكيا من يوم لآخر، وقد تبدو أحيانا الأخبار المنتقاة متناقضة ومتباعدة بحيث تشير إلى جهل الصحفي المناط له قسم الأخبار بظاهرة سياسية إقليمية. على سبيل المثال لا الحصر الجهل بما يدور حقيقة في دولة مثل العراق، أو الجهل بالحالة الكردية وتاريخها، أو الحالة اللبنانية بإرهاصاتها الخليجية المتداخلة، ولكن يأتي في الأهمية الجهل بطبيعة وجوهر الصراع الشيعي السني – إذ شرعت بعض الدول العربية منذ 2006م إلى شيطنة إيران كعدو رقم واحد للعرب بدلا من دولة إسرائيل. وأخيرا، يجهل القراء السودانيون المساكين بعض من جيرانهم التسعة الأفارقة جهلا مطلقا بفضل صحافة سوانية غير محترفة. وما أثار إستغرابي ودهشتي بعض الصحف السودانية تضع مقال أو عمود الكاتب المصري أنيس منصور بشكل ثابت وأيضا للكاتب اللبناني سمير عطا الله – وبالتحديد صحيفتا الوفاق وآخر لحظة، والرجلان كلاهما من الكتاب الصحفيين الضحلاء وتاريخهما المهني الصحافي غير مشرف، لا أدري هل تدفع لهما الصحيفتان أم لا. الصحفي اللبناني سمير عطا هو زميل للمرحوم حسن ساتي بصحيفة الشرق الوسط، لذا كحل صحيفته بعموده، ورأيت بعيني كيف كان المرحوم يدق أبواب دول االخليج ويروج لصحيفته عبر قناة العربية في الفقرة الصباحية – تمهيدا لنقلة إقليمية!! أنيس منصور أيضا يكتب ربما من ربع قررررن في صحيفة الشرق الأوسط وهو يمشي على خطى سيده أنور السادات!! ولا شك أن المرحوم حسن ساتي يعرف انيس منصور معرفة شخصية. ولكننا لا نفهم لماذا تكحل صحيفة الوفاق ورقة الصحيفة بعمودين لهذين الرجلين – ليست ثمة هنالك علاقة كعلاقة المرحوم حسن ساتي بصحفي صحيفة الشرق الأوسط. إما أن يكون رئيس تحرير صحيفة الوفاق يجهل قيمة هذين الرجلين الفكرية والمهنية ويجهل تاريخهما الصحفي أو أنه يضع ثقلا على العلاقات العامة، وربما رغب بسذاجة أن تتشبه صحيفته بصحيفة كبيرة كصحيفة الشرق الأوسط – ومن ناحية أخرى العمل في إمبراطورية الإعلام الخليجية هي أمنية مبطنة في دواخل معظم الصحفيين السودانيين!! أنيس منصور؟ لا، شكرا!! هذا الأنيس منصور هو تربية العميلين للولايات المتحدة الأمريكية مصطفى وعلي أمين وكان وما زال على نقيض تام مع عبد الناصر ونظامه السياسي، ففي كل الفترة الناصرية خاصة الستينيات كان أنيس منصور يشاغب النظام الناصري بخرافات أسبوعية تشغل الرأي العام المصري لا لشيء سوى حرفه عن متطلبات كل مرحلة سياسية!! أتذكر فتاة الأسكندرية واحدة منها!! وقصتها خطيب وخطيبته يتنزهان على كورنيش البحر في الأسكندرية – فجاة أختفت الخطيبة!! أدعى منصور أن الجن خطفها!! وهكذا ما تنتهى حكاية حتى يدخل أنيس منصور في حكاية أخرى خرافية..على طريقة كارل ماي!! ومع أنور السادات زار أنيس منصور معه إسرائيل وطبع مع العدو الإسرائيلي، وكذلك في عهد مبارك، وأقام صداقة مع السفارة الإسرائيلية في القاهرة وإلى اليوم هو صديقهم الحميم!! لا أحد في مصر يقرأ عمود أنيس منصور لأنه صحفي منبوذ - فكتاباته كلها تدور حول الذات وإجترار تهويمات شخصية..مكانه الطبيعي أن يحنط ويوضع في المتحف المصري مع الإله آمون رع!! ولأنه منهم ولهم تنشر له المؤسسة السعودية لآل هشام الحافظ في كذا مطبوعة في وقت واحد - منهن صحيفة الشرق الآوسط، وتدفع له أتعابه الضخمة بالكامل ولخدمات نوعية أخرى يقدمها لعرب الخليج. أما اللبناني سمير عطا الله فهو كارل ماي العربي في تزوير التاريخ العربي المعاصر بلا منازع..وإن لم تعرف من هو كارل ماي النمساوي أدخل على الويكيبيديا!! سمير عطا الله كتب سلسلة موسوعية ضخمة في صحيفة الشرق الوسط تحت عنوان أدب الرحلات – كلها من خياله الفينيقي الخصب، فمثلا، وهو بيت القصيد، أن برسي ذكريا كوكس، ومسز بيل، وهمفري، وسنت (عبد الله) جون فيليبي، وديفيد شكسبير، ولورنس العرب..جميعهم كانوا من عشاق الصحراء العربية، وهم ليسوا سوى سواح أوروبيين عشقوا الصحراء وسباق الهجن!! لماذا نكتب في الصحافة والصحفيين السودانيين؟ لأننا نرغب في صحافة قوية ومحترفة – لذا يجب تشريح الصحافة السودانية على طاولة تشريح القراء المستهلكين للصحف وكشف عيوبها، ولم يعد هنالك صبر كأن نصمت على أسلوب الصحفيين المتماهي مع بعضهم البعض والذي يحاكي:– إحلب حلبا لك شطره واشدد له اليوم أمره يردده عليك غدا!! كذلك يجب الا نغتر كان تهاجم صحيفة ما الفساد بينما في واقع الأمر تهاجم فساد جيب متنفذ في الحكومة لصالح جيب آخر فاسد – ويتوهم المتوهمون أن صحافتهم تحارب الفساد!! الإعلام والصحافة السودانية فيهما أيضا فساد، ولس فقط فساد الحكومة، ولنتامل ما كتبه الدكتور البوني في لحظة تجلي غير عادية في عموده بعنوان: رزية ونطاحة، التالي: (في الموسم قبل الماضي اشترى اتحاد المزارعين عصرية بث كاملة من التلفزيون القومي ووزع فِرقه على اقسام الجزيرة وكان هذا في شهر يناير تقريبا حيث الخضرة في اوجها وربطهم بالقمر الصناعي في بث مباشر وداخل الاستديو جلس عدد من المسئولين وهاك يا كذب أقسم بالله العظيم شككونا في وجودنا في الجزيرة لقد صوروا لنا الجزيرة بأنها جنة الله في الارض وأن موسمها ذاك سيكون إعجازيا فجاء الحصاد وانكشف الملعوب وثبت أن حبل الكذب اقصر من قصير. في موسم حصاد الذرة الماضي ذكرنا قصة الخبر الذي ورد في نشرة التلفزيون الاتحادي الرئيسية عندما ذهبت كاميراته الى حواشة بالجزيرة انتجت حوالى 15 جوالا للفدان نتيجة لتجارب بعض الحزم التقنية اي حواشة نموذجية فصورها على اساس أن هذا متوسط إنتاج الفدان في كل الجزيرة بينما المتوسط لم يتجاوز الخمسة جولات وفي اقرب حواشة لتلك الحواشة المتلفزة، فقد كان خبرا مدفوع الأجر من الجهة صاحبة المصلحة). هكذا يخدع الإعلام السوداني المرئي الفاسد الشعب السوداني في الداخل، ولكن بشكل خاص يخدع المغتربين في الفيافي الأوروبية والأمريكتين وأستراليا وفي الخليج وآسيا – ولقد كنت شخصيا من ألمانيا ضحية لهذا الإعلام الفاسد بجدارة!! نفس هذا الخداع تمارسه الصحف المطبوعة بأسلوب آخر عبر الحوارات المدفوعة الثمن من قوت الشعب السوداني.. وهي في الأصل إعلانات، تهدف إلى تلميع بعض المسؤولين الفاشلين في إدارتهم ومشاريعهم أو ولاياتهم...ويحول الحوار الصحفي فشلهم إلى إنجازات ومنجزات، وقد يرمي المسؤول في هذه الحوارات سبب الخراب الذي أحدثه في مؤسسته عبر النهب المصلح على عاتق مجلس الأمن، أو على قلة الأمطار، أو قلة الموارد الخ نحن ما زلنا في إنتظار بروسترويكا صحفية من الدكتور نافع علي نافع لتحرير الصحافة من عقالها عبر تطبيق القانون الأمريكي للصحافة في السودان، ولقد حذرناه في مقال سابق إن لم يعجل يعمل بروسترويكا صحفية، سيخسر اية معركة قادمة مع اللوبيات الاقتصادية الفاسدة داخل المؤتمر الوطني. ولقد صدق تحليلنا وما أن وقع دكتور نافع علي نافع على إتفاقية إديس أبابا مع مالك عقار..حتى تحركت اللوبيات الإقتصادية المتحالفة مع السلفيين السروريين لتحطيم الإتفاقية!! إعتراض ورفض هذا التحالف الثنائي للحركة الشعبية قطاع الشمال كأن تعمل سياسيا كحزب نشط في الشمال مرده نقطتان: 1) إعاقة أية جسر محتمل قد يلعب إيجابيا في إعادة وحدة السودان السياسية بعد الإنفصال لصالح دولة السروريين الإسلامية في الشمال، 2) اللوبي الإقتصادي الفاسد يرغب في المحافظة على مكتسباته المالية التي حصدها على حساب قوت الشعب السوداني طوال أثنتين وعشرين سنة. وإن لم يفعل الدكتور نافع بروسترويكا صحفية فماذا ينتظر الصحفيون؟ ولماذ تصمت نقابة الصحفيين أو إتحاد الصحفيين؟ لماذا لا يرفع شعار القانون الأمريكي للصحافة والمطالبة بتنفيذه – أو النموذج الأمريكي للصحافة؟ نهمس في إذن الصحفيين إن الشرع الإسلامي مع قضيتهم – يقول الرسول (ص): "البينة على المدعي واليمين على من أنكر". وتفسير هذا الحديث ببساطة، لكي يحكم القاضي لصالح المدعي فعلى المدعي أن يأتي ببينة، وإن لم يأتي المدعي ببينة، فرض القاضي على المدعي عليه الحلف باليمين على المصحف إذا أنكر ثم يتركه – حسابه على الله. قضيتنا المحورية في تحرير الصحافة هي محاربة نهب المال العام. ماذا يقول المتشرعة وليس الشرع في قضية المال العام؟ خاصة في دولة مثل السودان لا تفصل ما بين السلطات الثلاثة إلا ظاهرا؟ إذن السلطة الرابعة وهي الصحافة ذات إختصاص كمدعي على من يسرق المال العام حتى بدون بينة، وعلى المدعي عليه اليمين إذا أنكر. وإليكم هذا المثال التوضيحي: إن سرق "سعد" بضعة بيوت ومتاجر، تقطَع يده (عقوبة قاسية)، وهذا ما يفرضه الشرع (ولنقول ان قيمة ما سرقة بحدود الثلاثين ألف جنيه مثلا). أما إن سرق "سعد" من المال العام / ميزانية الدولة ما قيمته ثلاثين مليون، او ثلاثمئة مليون او ثلاثين ترليون...فالشرع المعمول به لا يقطع يده (!). لماذا؟ لأن السارق من بيت المال لا تُقطَع يده "وذلك" لان له فيه "نصيب". وبيت المال قديما هو اليوم ميزانية الدولة ومالها العام. لذلك، بدون "تنقيح" وإصلاح حقيقي داخل الإسلام الحنيف نفسه لتطهيره من كل ما علق به من صدأ وتطهيره من الضرر الذي الحقه به الكهنة (وخاصة فقهاء ووعاظ السلاطين على مدى العصور الاسلامية)، لن تجد دولة - كالسعودية والسودان مثلا - تدعي الإحتكام للشرع الإسلامي طريقة ناجعة لمكافحة سرقات المال العام وإختلاسه (ذاك النوع من الفساد الإداري الذي أزكم الانوف)، حيث ان الثقافة الدينية السائدة في كل من البلدين ترى أن له في ذلك المال المسروق "نصيب". وفي هذه الحالة علينا أن نشرح ما هو "النصيب"؟ إذا سرق "سعد" من المال العام ما يزيد عن ما يوازي حقه فيه.. تقطع يده، نعطي مثالا لتقريب الصورة وفهم منطق الشرع لو عشرة أشخاص تشاركوا بمال كل واحد ب 1000 جنيه والمجموع 10 آلاف، لو أحد الشركاء سرق من ذلك المال 1000 جنيه فلا تقطع يده، وربما يعزر باقل أو أشد من ذلك مثل السجن والجلد السبب أنه سرق من مال له فيه نصيب ولم يجاوز نصيبه، أما لو سرق 5000 جنيه من مال الشركاء فتقطع يده، ومثل ذلك يقال في المال العام. هذا أمر - ثم إن في المسالة خلاف فحتى لو سرق أحدهم من المال العام فقد يحكم القاضي بما يراه معتبرا وصحيحا حسب اعتقاده ويأمر بالقطع بكل حال. وأخيرا - حتى لو لم يحكم القاضي بالقطع فيجوز لولي الأمر أن يعزر..وربما يكون التعزير أحيانا أشد من القطع. ولو طبق حد السرقة في السودان توقعوا ان تشاهدوا فلان مقطوع اليد لانه سرق منزل او متجر بما قيمته عشرة ألاف جنيه او عشرين الف جنيه او خمسين الف جنيه مثلا ، اما علاّن والذي سرق الملايين او البلايين من المال العام، فمصيره سجن او إعفائه من منصبه (عقوبة غير قاسية ولا رادعة) وذلك لأنه سرق من بيت المال (!!). هل هذا يتفق مع شرع الله، كأن يترك سارق المال العام بدون تطبيق حد السرقة عليه وهو قطع اليد؟ (كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم) الحشر،7 - ولقد فرض الله الزكاة على الأغنياء في الوضع الطبيعي – ويستنبط من هذه الآية ألا يكون المال تحت أمرة قلة من الناس دون غيرهم، بل للغير حقوق فيه – هذا فما بال أن تستفرد بالمال قلة وتسرقه؟! لا شك أن للمال العام حرمة مثل حرمة المال الخاص وأشد لأنه يتعلق بسرقة الناس جميعا. إذن الصحافة إذا افترضنا إنها ضمير الأمة، والرقيب على من يحيد عن الإستقامة على كل المستويات، لكونها مرآة المجتمع، فهي بلا جدال ذات إختصاص ومعنية بشأن المال العام، قال النبي (ص): "من قتل دون ماله فهو شهيد"، وهو حديث متفق عليه. وقد بنى الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام على هذا الحديث قوله: عجبت لمن لا يملك قوت يومه لا يشهر سيفه!! وقال أيضا عليه السلام: فما جاع فقير إلا بما متع به غني!! وهذا منطقي فالكتلة النقدية محدودة، فميلانها لفئة قليلة يخلق الفقر لفئة كبيرة – إذن الفقر ليس حالة غيبية أو قدرية!! ولقد كرر رئيس الجمهورية كثيرا في أسماع الشعب – وفي السماء رزقكم وما توعدون – فيا له من ديان عادل هذا الذي يرزق رجال المؤتمر الوطني ويحرم سواد الشعب السوداني لقمة العيش!! إذن ليس بالضرورة أن تكون للصحافة بينة أو قرينة ضد لصوص المال العام، إذ يكفي ذلك الإستشعار بالفساد والتنبيه حتى تجبر اللصوص أن يختاروا ما بين أمرين إما أن يثبتوا براءتهم طوعا وبالوثائق المقنعة في مؤتمر صحفي على الملأ – على الطريقة الأمريكية، وإما أن يحلفوا باليمين إن أنكروا نهبهم للمال العام كما تقول شريعة محمد صلى الله عليه وآله. وفي حالة رفض الخيارين لا يتبقى للسودانيين سوى ان يصنعوا صفحة في الإنترنيت ويسمونها sudan wikileaks حتى يتحصلوا على قرائن للفساد، وقتها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون!! وبدلا من أن يستنكر رأس السروريين عبد الحي يوسف بشدة موقف الرافضين لجلد الفتاة التي ظهرت على الفيديو ويتحدث عن اللذة المحرمة، ويطلب من الجميع السكوت عما لا يعرفونه – ليتحدث عن الفقر!! وما أدراك إنها لذة، لماذا لا تكون قد أصبحت مع الفقر مهنة للتكسب؟ فقليل من المال يعين على التقوى والصلاح أليس كذلك؟ عجزت إمرأة فقيرة في حلفا الجديدة الحصول علبة دواء لأن ما في يدها ينقص سبعة جنيهات ورفض الصيدلي الجشع ان يتنازل، فذهبت لديوان الزكاة فرفض أيضا أن يعطيها السبعة جنيهات...فذهبت إلى الكنيسة حنوا عليها وأعطوها عشرين جنيها..أي والله هذه قصة حقيقية مشهورة!! ماذا تفعل هذه المرأة الفقيرة؟ هل تتعهر؟ ولنترك عهر النساء جانبا، ودعنا نتحدث عن تعهر الرجال: من أين لك سيارة برادو وثمنها 250 مليون جنيه؟ من أين لك هذه؟ هل من محسني الخليج النعاثل إياهم الذين يعتقدون أنك تفهم في ديننا أفضل منا؟ نقول لك بالفم المليان لا أنت ولا الذي أعطاك دكتوراه يفهم ديننا أفضل منا، ونحن بالفهم والحمد لله والقدرة على تعليمك ديننا الحنيف وتعليم من أعطاك الدكتوراه. لو كنت تفقه ديننا حقا كيف يصبح أبنك الصغير إرهابيا يصنع المتفجرات – ماذا علمته حقا، مادة النيتروجلسرين؟ وإذا كنت لا تستطيع إصلاح وتربية إبنك إعتزل يا رجل لا تهلك نفسك ودع السودانيين في حالهم ولا تتاجر بإسمهم وبإسم خاتم المرسلين. لا تكن مفتاح الفتنة في السودان – ودع القبور في حالها، ودع الطرق الصوفية في حالها – وكل مؤامراتكم لتفكيك الجماعات الصوفية مكشوفة لدينا يقودها السروري عضو ما يسمى بالرابطة الشرعية علي محمد علوان وسنفرد لها مقالة خاصة!! ودع شيعة آل البيت في حالهم – وقد أتى في علمنا أنك المحرض لأحمد علي الإمام لكي يغلق الجناح الإيراني بمعرض الكتاب الدولي وأتصلت أنت تلفونيا به وكان وقتها في ماليزيا وأستجاب فورا لتحريضك!! لقد زرت أنا المعرض الدولي للكتاب العام الماضي وقد كانت كل الأجنحة سلفية بالتمام..هذا هو مرادك أن نكون مثلك إرهابيين وتكفيريين؟! حقا ماذا يؤصل أحمد علي الإمام في السودان؟ هل سأل السودانيون أنفسهم هذا السؤال؟ قال الإمام علي عليه السلام في خلافته لبقية صحابة رسول الله (ص): لو لم تتهاونوا في نصرة الحق وتوهين الباطل، لم يطمع من طمع فيكم، ولم يقوى من قوي عليكم!! وكان يقصد معاوية. هذا هو حال الصحافة والصحفيين في السودان بلسان وصي النبي (ص)، يعسوب الدين وخير البرية، إمام البررة قاتل الفجرة، منصور من نصره ومخذول من خذله. شوقي إبراهيم عثمان كاتب ومحلل سياسي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
نشر بتاريخ 25-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:34 am | |
|
حديث المدينة
أظنك.. عرفتي!!
عثمان ميرغني
دعوني هنا أترك كل التفاصيل وأبحلق معكم في حكاية أن تتحول هيئة الحج والعمرة إلى (بنك) فتقدم قرضاً إلى شركة الخطوط الجوية السودانية (سوادنير) قيمته (2) مليون ريال سعودي من أين لها هذا.. هيئة الحج والعمرة.. أتعلمون من أين أتت بهذه الأموال التي من فرط ترفها وتوفرها باتت أكثر كثيراً من حاجة الهيئة نفسها. فتارة يطلب منها دفع 3 مليار جنيها لتلفزيون السودان.. وأخرى مليون ريال لـ(سودانير).. من أين جاءت هذه الأموال.. إذا أردت أن تعرف مصدر المال.. اذهب إلى صالة الحج والعمرة.. وحدق في الوجوه التي تقف في طوابير في موسم العمرة أو الحج للسفر إلى الأراضي المقدسة. انظر في تجاعيد رجل عجوز هده الزمن وظل عمره كله يحلم بـ(بيت الله).. باع بقرته الوحيدة.. وتصرف في غويشة زوجته.. وساعده ابنه الكادح المحمول ببضع جنيهات.. وربما بعض المحسنين ببضع درهيمات.. حتى تمكن بعدها من جمع مال الحج أو العمرة.. عرق هذا الرجل العجوز يسيل دماً ليصب في جيوب هيئة الحج والعمرة التي تمنح المخصصات العالية.. عالية جداً.. لقياداتها ومنسوبيها. بالله عليكم بأي دين.. بأي شريعة.. بأي إنسانية.. بل بأي رجولة يحدث هذا.. الحاج أو المعتمر. يدفع كل شيء بأغلى من سعره تذكرة الطائرة إلى جدة لأي سائح أو متسوق أو زائر بسعر. و لكن الحاج والمعتمر.. رغم أنه يهبط في نفس المطار.. إلا أن عليه أن يدفع أكثر.. لماذا؟ لصالح (الأفندية) الذين يقتاتون من هذا المال المغموس في عرق ودم الحاج والمعتمر الفقير البائس.. أعرفتم الآن لماذا هناك كائن حي يرزق.. اسمه هيئة الحج والعمرة. مهمته الأساسية أن يمتص – مثل دراكولا- دماء الحجاج والمعتمرين.. فضلاً عن التعذيب الذي يكابدونه بعد ذلك في الشفر ذهاباً وعودة.. وفي الإقامة والترحال بين المدن والمشاعر في الأراضي المقدسة.. من أجل من خلقت هيئة الحج والعمرة.. قوائم الأرقام والمخالفات المالية تنبئك عن السبب. والحرب الضروس التي تنشأ في إدارتها.. تكشف أن تحت القبة فكي.. وفكي كبير ضخم.. منفوخ الجيوب.. لماذا لا تحل الحكومة هيئة الحج والعمرة وتطلق سراح حجاج بيت الله.. لماذا لا تترك للمجتمع أن يحك جلده بظفره. لماذا تصر الحكومة أن من واجباتها السيادية أن تبيع للحاج ثياب الإحرام وشنطة السفر و(شبشب) الحج.. كتبت أطالب بنفس هذا الأمر قبل عدة سنوات فأرسل لي د. حسن أحمد طه وزير الدولة بالمالية الأسبق رسالة قال لي فيها.. قبل أن يحلوا الهيئة عليهم أن يقولوا لنا أين ذهبت أموالها؟؟.. وزير المالية بنفسه هو الذي يسأل وليس (حتة) متطفل مثلنا.. (أظنك عرفتي!) عذاب المغني.. وقولوا يا لطيف..
التيار
نشر بتاريخ 18-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:35 am | |
|
سعيد بن أبي النحس!!
بتاريخ : الإثنين 18-07-2011 08:38 صباحا
معادلات: علي يس
ومن أحكم ما أفادنا به شيخنا «مؤمن» «رض» قوله، ذات يوم:- من حسن خُلُق المرء اعترافه بسُوء خُلُقِه!!. ثم لم نزل = معشر تلامذة الشيخ = نُقلِّب أوجه تلك القولة - الفكرة، فلمسنا شجاعة نادرة في من يجرؤ على الإقرار بِجُبنِه، ورأينا أمانة عند من يعترفُ في ملأ، بأنه امرؤ خائن.. وشرفاً لا تخطئه العين عند «سعيد بن أبي النحس المتشائل» الذي ما فتئ يذكِّر قُراء رسائله بلؤم أصله!! ولئن كان الكاتب العربي الكبير «أميل حبيبي» كريماً مع بطل روايته «سعيد بن أبي النحس المتشائل»، حيث أسبغ عليه من مكارم الأخلاق ما جعله جديراً بالاعتراف بسُوء خُلُقه وسوء أصله الموروثين كابراً عن كابر، فإن هذا الكاتب كان، من جانب آخر، قاسياً قسوة جَرّاح ماهر، في تحطيم مرتكزات وهمية تليدة في نسيج الشخصية العربية!! فكل عربي تحت الشمس يؤمن بأربعة أشياء تخصه هو شخصياً: كرم الأصل، الشجاعة، الجود، والأمانة!! «وهي مرتكزات إذا اصطحبت معها إيماناً بمسؤولية رسالية تجاه الآخرين، أسفر الوهم فيها عن حقائق باهرة، كما يؤكد تاريخ العرب في صدر الإسلام.. أما إذا تجردت من الرسالة، فإنها تحوِّل صاحبها إلى «مهرِّج» جدير بإضحاك الآخرين، والاحتفاظ لنفسه بالبكاء، كما هي حال العرب اليوم، وعندها لن يقدر على إصلاح هذه الشخصية إلا «سوط» اسمه «سعيد بن أبي النحس المتشائل».. عندما نُشرت رواية «المتشائل» لأول مرة في عقد السبعينيات من القرن الماضي، انشغل النقاد بكلمة «المتشائل» وأوسعوها فحصاً وتقليباً، فانصرف عنها بعضهم بنتيجة تؤكد أنها مجرد لهو وتلاعب، بلفظي «متفائل/ متشائم» بغية الخروج بلفظ يعبر عن اختلاط مضموني اللفظين لا أكثر!!.. بينما رأى آخرون أن الكلمة، فوق ذلك، تعبر عن معنى وسيط، بين إحساسي التشاؤم والتفاؤل، وأن موصوفها هو = بالضرورة = رجل لا متفائل ولا متشائم.. أما ما نراه نحن، فهو أن هذا التوليد من لفظي «متفائل/ متشائم» هو تعبير يحمل في أحشائه خلاصة الرواية ذاتها، ممثلة في توصيف الشخصية العربية المعاصرة التي يتجرّأ سعيد «أو أميل حبيبي» على فضحها فضحاً مؤزراً، ويخلص من خلالها إلى حقيقة العلل النفسية المزمنة، المسؤولة عن واقع الانهزام العربي الشامل.. فالتفاؤل معنى ينطوي على اعتراف ضمني ببؤس الماضي، وأمل في رغد المستقبل «بمبرر التحول الطبيعي في الأقدار».. والتشاؤم معنى يتضمن إقراراً ببؤس الماضي، مع ترقب لمستقبل أكثر بؤساً «بمبرر النمو التراكمي للأقدار».. والمعنيانِ هما من قبيل التوهُّم والظن الذي تُعلَّلُ به النفس، تارة بالأمل في الخلاص، وتارة بالتوطُّن على البلاء.. أمّا «التشاؤل» = وكما يرتسم في سلوك وانفعالات ومحركات، شخصية سعيد بن أبي النحس فهو إحساس يتضمّنُ تفسيراً إيجابياً لبؤس الماضي، بما فيه الموت نفسه «فالموت = كما يؤكد سعيد = كان من الممكن أن يتم بصورة أسوأ من هذه».. هو إذاً، ضرب من التفاؤل السلبي، أو «الرجعي»، بينما يتجاهل هذا الإحساس = تجاهلاً جباناً ومقصوداً، سؤال المستقبل!! فسعيد العربي، إذاً رجل مسجون في تفسيراته المتفائلة، للماضي البائس (كالعرب الذين يفرون إلى ماضيهم، حتى إذا اكتشفوا في ذلك الماضي ذاته بعض الأخطاء، تمحّلوا لها التبريرات المتفائلة «هذا أفضل مما كان يمكن أن يقع !!» حتى يصبح الماضي كله مثالاً مقدساً.. وهو في ذات الوقت = أي سعيد = ضائع في فراره الأبدي من فكرة المستقبل، وسؤال المستقبل، واستسلامه غير المشروط وحتى غير المناقش أو المتسائل عمّا قد يأتي أو يحدث غداً «قارن هذا بالمتشائم، الذي = مع سُوء ظنه بالمستقبل = يعبِّئ نفسه لمواجهته أو التفاعُل معه بشكل ما».. سعيد بن أبي النحس المتشائل، اسم آخر للسياسة العربية المعاصرة، ولم يكن فلسطينياً إلا بالصدفة المكانية البحتة، التي جعلت «اميل حبيبي» فلسطينياً.. قليلة جداً، في الأدب الروائي العربي تلك النصوص التي تنطوي على فلسفة وفكرة وخطاب ذكي.. ومن بين تلك النصوص، بل على قمتها تتربع رواية «المتشائل» التي لم يطمع كاتبها أبداً، حتى رحيله في الفوز بجائزة «نوبل» للأدب!!
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:37 am | |
|
ساخر سبيل
نظرية الزبون المضمون
الفاتح يوسف جبرا
إذا فكر أى مواطن فى تأسيس أى عمل يدر عليه مالاً فإن أول سؤال يخطر على باله هو هل سوف يجد لهذا العمل (زبائن) ؟ !! كثير من المشاريع الذى يقوم بها المواطنون لتحسين أوضاعهم المعيشية وزيادة دخولهم تبوء بالفشل نسبة لعدم وجود (زبائن) بالقدر الذى يجعل المشروع ناجحاً ! لضمان وجود زبائن (مضموووونة) فقد لجأ البعض لأمنا الحكومة والدخول معها فى (استثمار احتكاري) بحيث تصبح الخدمة (الفلانية) التى لا ملاذ للمواطن من طلبها محتكرة بواسطة (الشركة العلانية) .. والحكومة تشيل نصيبا .. و(أخونا المستثمر) والناس المعاهو يشيلوا نصيبهم .. والمواطن يشيل نصيبو من (الدفع) والعذاااب !! أكيد تكونوا عاوزين ليكم مثال .. الأمثلة كتيرة لكن أوضح مثال هو إحدى الشركات التى تقوم بإعطاء محاضرات فى (التوعية المرورية) للراغبين فى الحصول على (رخصة قيادة) وهى شركة تسهم فيها وزارة الداخلية بنسبة (51 %) بينما الـ (49%) الباقية بتاعت (شريك أجنبي) ! الزبائن هم كل من تسول لهم أنفسهم محاولة الحصول على رخصة لقيادة أية مركبة إذ لا تتم إجراءات إستخراج الرخصة إلا بعد إبراز شهادة من هذه (الشركة) تثبت بأنك جلست لتلقي محاضرات (نظرية ) على القيادة والمرور بعد أن دفعت رسوماً مقدارها (258) ألف جنيه (بس) !! يذهب نصفها إلى جيب (المستثمر الإحتكاري) والنص التانى (مش معروف بيمشى وين) إذ أن الإيصال الذى يتم إعطاؤه لك للأسف الأسيف ليس (أورنيك 15) ولا تعلم وزارة مالية حكومة السودان (الفضل) عنه شيئاً !! هكذا تصبح (التوعية المرورية) سلعة تباع كغيرها من السلع .. وتحتكر .. وكمان جابت ليها (مستثمر اجنبى) لم يجد فى كل أرض السودان (الفضل) أرضاً يزرعه. اليرفد المواطن بمنتجات تقلل من أسعار الخضروات التى تجاوزت أسعارها أسعار (الفواكه) !! وهكذا يرهق المواطن الذي يحاول أن يستخرج (رخصة قيادة) ويطالب بدفع ألوف من الجنيهات من أجل أن يقود ركشة أو أمجاد لإعالة أسرته وحفظها من التشتت والضياع ! نحن لا نلوم (المستثمر) بالطبع فهو قد (لعبا صاح) لكننا نلوم الجهات التى تساعد فى قيام مثل هذه (الشركات) التى ترتبط الخدمة التى تقوم بها إن (وجدت) إرتباطاً وثيقاً بحياة المواطنين ونتساءل (هل الدولة غير قادرة على إنشاء مثل هذه الأشياء وبرسوم غير إستثمارية) إن سلمنا بأهميتها؟ ولماذا تجعل الدولة (جيب المواطن) البسيط نهباً لمثل هذه الشركات !! عزيزى القارئ : لمزيد من تطبيق نظرية (الزبون المضمون) و(حلب المواطن) وإستحماره فالعبدلله لن يندهش لقيام الشركات التالية قريباً : شركة ليموزين المطار : (51%) الطيران المدني (49%) مستثمر اجنبى ، مهمة الشركة توصيل القادمين من المطار إلى أماكن (سكنهم) ، لا يتم ختم جوازك فى صالة المطار ما لم تبرز إيصال الشركة الذى يوضح دفعك لقيمة المشوار وعليه رقم العربة التى سوف تقلك! شركة المعامل الطبية : (51%) وزارة الصحة (49%) مستثمر أجنبى ، مهمة الشركة عمل الفحوصات الطبية المختبرية اللازمة التى تثبت خلوك من الأمراض عند السفر أو التقديم لأية جهات حكومية ولا يقبل أى تقرير مختبرى ما لم يكن مختوما بختم هذه الشركة شركة أسباب الوفاة (ذذ) للطب الشرعى : (51%) وزارة الداخلية (49%) مسنثمر أجنبي ، مهمة الشركة هى تشريح الجثث بواسطة طاقمها الطبي ومشرحتها (الحديثة) وتحديد أسباب الوفاة ولا يتم تسليم أية جثه لذويها وإستخراج شهادة الوفاة إلا بعد إستلام التقرير الذى عليه ختم الشركة. شركة لافتات العالمية : (51%) المحليات (49%) مسنثمر أجنبي ، تقوم الشركة بعقد محاضرات حول فنون الإعلان وأنواع وألوان الخطوط المستخدمة فى عمل اللافتات والأماكن الإستراتيجية لوضعها وإعطاء (الدارس) شهادة تفيد بذلك حيث لا يسمح لأى شخص أو جهة بوضع أية لافتة تخصها ما لم تتحصل على شهادة شركة لافتات العالمية . شركة مناسك العالمية : (51%) وزارة الحج (49%) مستثمر أجنبي ، مهمة الشركة إعطاء محاضرات بوسائل الإيضاح المتقدمة فى كيفية أداء مناسك الحج وعلى كل حاج بعد إجتيازه الإمتحان النهائي إرفاق شهادة الشركة مع الجواز حتى يتمكن من أخذ التأشيرة والحج إلى (بيت الله) !! كسرة : الشارع كلو مليان عربات آخر موديل وكووووولها .. إستتثمار .. إستثمار .. إستثمار .. هو أتاريها (إستحمار) !!
الرأي العام
نشر بتاريخ 25-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:39 am | |
|
عزيزي المواطن غصبا عني وغصبا عنك
منى سلمان [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
شكا شاعر همبريب الفنون حال بنات حلتهم وقلة نصيبهن في الزواج فقال (حلتنا من كم سنة مضت مافيها واحدة اتأهلت)، ولكن حال حلتنا وكل أحياء الخرطوم اسوء، فالي جانب شح البخت، تشكو مواسيرها من شح الماء وانعدامه ولو كان (سرسار)، وبالتالي يمكننا القول أن (حلتنا من كم ليلة مضت ما فيها جركانة بالموية اتملت) .. جميع افراد البيت يصطفون امام الماسورة انتظارا لدورهم في محاولة تشفيط الهواء من المواسير لمساعدة الطلمبات على جذب الماء .. دون ان ينالهم من التشفيط غير سف الطين !! طوال ثلاثة ايام بلياليها ظلت مواسيرنا تشخر وتنفث هواء ساخن يشوي الوجوه والحلوق، وان حنّت على العطاشى أخرجت من جوفها سائل عكر أسود اللون له طعم ولون ورائحة على العكس من خصائص الماء التي درسنها من سنة حفروا البحر !! فقد ظللنا لايام نمني النفس بالسقيا على طريقة (أرجا الروا يا كمون)، غير أننا فتنا (كمون) بالصبر، حتى خرجت علينا هيئة مياه ولاية الخرطوم، ببيان ارجعت فيه قطوعات الإمداد المائي التي عانت منها كثير من أحياء العاصمة، لظروف فوق إرادة الهيئة على طريقة الرائع اسماعيل حسن: دي الإرادة ونحن ما بنقدر نجابه المستحيل دي الإرادة والمقدر ما بنجيب ليه بديل دي الإرادة أجبرتني (أجيب) هواكم من قبيل وهاهي تعتذر للمواطن بـ (عزيزي المواطن) القطوعات دي غصبا عني وغصبا عنك .. فهي ليست نتيجة لقصورً فني لا سمح الله أو إداري الشر بره وبعيدً، ولكن كل الحكاية الجابت اللوم للقوم ترجع للزيادة - الكبيرة وغير المتوقعة - في نسبة العكورة التي تَسَبّبت في ضعف إنتاجية المياه !! يقال ان هناك رجلا عاش طول حياته أعمى، حتى سخّر الله له طبيبا متمكنا اجرى له جراحة استعاد بها بصره، ولكن في اللحظة التي غادر فيها السرير بعد فك الاربطة عن عينيه، قفز أمامه فأر كبير من فصيلة (الجقر)، فخاف الرجل وسقط على وجهه ليفقد بصره مرة أخرى، دون أن يتمتع برؤية شيء من هذه الدنيا الفانية سوى الفار، فصار مقياسه الرسمي لمقارنة الاشياء .. تخبره بأن يعمل حسابه وهو يمشي لان امامه حجر كبير فيسألك: كبير كيف ؟ قدر الفار وللا اصغر منو ؟ تهمس له بأن (بت ناس فلان دي سمحة بالحيل) فيعاير جمالها بفأره السعيد ويسألك: سمحة !! أسمح من الفار يعني ؟!! دعونا نستعير معيارنا الفأري الخاص لنسأل به ناس الموية عن عكورتهم المقصودة: عكورة قدر كيف ؟!! أعكر من عكرة السنة الفاتت وللا القبلها ؟!! فقد أفتى متحدثهم بإن نسبة الفاقد من المياه المنتجة من المحطات النيلية بسبب العكورة بلغت الاربعين في المية، وأن مهندسي وفنيي الهيئة – كتر خيرهم - يواصلون العمل بالمحطات طوال الاربع وعشرين ساعة لـ (مكافحة العكورة) .. حكمتوا بالغة يا أخياني !! قالوا العكورة بيقيسوها بـ وحدة العكارة الضوئية .. والله مافي شي غلبكم لكن (عكارة ضوئية) دي عجبتني عشان جديدة لنج !! فلم نسمع بها في تبريرات العام الماضي والقبل الماضي والأمضى منهما .. فـ(في كل عام) على قولة عقد الجلاد .. كل عام كانت المياه ترحل عن مواسيرنا في الخريف .. والعذر الدائم هو .. شماعة الاطماء !! لكن الاطماء في عامنا السعيد هذا جاء من ابتلاء جديد وهو قلة الأمطار .. الأمطار ان زادت ووب .. وان قلّت ووبين ! تقول الهيئة أنها وجدت نفسها في الـ (حتة الضيقة) بين خيارين، إما ضخ المياه بغض النظر عن نوعية المياه المنتجة .. وكأن نوعية المياه كانت قبل ذلك في صفاء البلور، أو إيقاف المحطات نهائيا لحين زوال العكورة، وهذا يعني عطش المواطنين ! وبما أننا حاشا ما بنقدر نسيبك تمشي تعتطش، فالتطمئن عزيزي المواطن وخت في بطنك جردل موية عكرانة، وخليك متأكد أن العكارة الحالية بالمياه عبارة عن طين طبيعي، ولا تأثيرات صحية سالبة منها !! نحمد الله هو الطين نحنا ماشين منو وين ؟ منه خلقنا ومنه سنشرب وإليه نعود وما دايم إلا وجهه سبحانه وتعالى .. كدي فكوا لينا موية الطين خلوا البلد تروا .. الناس صابا الضيق ونشاف الريق.
الرأي العام
نشر بتاريخ 25-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:41 am | |
|
ودَّ الـــبروف!!!
20-07-2011
معادلات: علي يس
من المحدثات الاجتماعية التي تستوجب وقفة خاصة من علماء النفس »خصوصاً منسوبي علم النفس الاجتماعي«، ظاهرة بدأت بالانتشار رويداً - خصوصاً خلال العقد ونصف العقد الأخيرين- هي ظاهرة الولع، بل الهوس، لدى البعض بالألقاب العلمية. في أزمان سابقة، شهد الناس ولعاً مماثلاً بالألقاب الاجتماعية أو الدينية «بك، باشا، أفندي، شيخ، إمام، حاج الخ..» إلى حدود كانت تحمل البعض على ارتكاب الكثير من النوادر والمساخر، ليس أدناها بذل الكثير من المال أو الجهد أو الحيلة لمجرد أن يحصل أحدهم على لقب يضيفه إلى اسمه دون أن يتغير فيه شيء آخر. أما الألقاب العلمية، سواء القديم منها »شيخ، علامة، إمام، ونحوها« أو الحديث «أستاذ، دكتور، بروفيسور، مهندس الخ»، فقد اقتضتها ضرورات التميز العلمي، من حيث الاختصاص أو من حيث المقدار، وظل الطموح إلى بلوغ تلك الألقاب معبراً عن الطموح إلى بلوغ الدرجات العلمية المرتبطة بها، وليس إلى ذوات الألقاب والمسميات. غير أن ما ظلت تتيحه بعض تلك الألقاب لأصحابها من مكانة اجتماعية واحترام، جعل البعض يتطلع إليها بحقها أو بغير حقها، فرأينا ونرى يومياً من يحرص على وضع «الدال» قبل اسمه حتى في لوحة منزله، فترى «منزل د. فلان» أو «منزل المهندس علان» وقد عرفت صديقاً ذهب لاستخراج وثيقة ميلاد لابنه، فدخل في جدال طويل مع موظف الإحصاء، حتى نجح الأخير، بعد جهد، في إقناع صديقي بأن يكتب في خانة «اسم الوالد» اسمه مجرداً من «الدال»، برغم أنه شقي سنين طوالاً في سبيل الحصول عليها.. وما يزال في نفس صديقي شيء من ذلك، إذ يرى أن من حق ولده أن يدعوه الناس «ود الدكتور» أو «ود البروفيسور» تماماً كما استحق بعضهم أن يسمى «ود العمدة أو ود الشيخ». وما يسبب لي قليلاً من الإزعاج، ليس هو مجرد التطلع إلى الحصول على اللقب العلمي المحترم، فهو أمر مشروع مادام مطلوباً بحقه وثمنه الطبيعي الذي هو الاجتهاد في تحصيل العلم النافع للبلاد والعباد.. ما يزعج حقا هو إفراغ اللقب العلمي الرفيع من مضمونه العلمي وإعادة شحنه بمضمون اجتماعي ــ مظهري ــ ينتج في محصلته الأخيرة ضرباً من التخلف العميق ــ لكن المستتر ــ الذي يقعد بالهمم .. فحامل درجة الدكتوراة كان ــ إلى عهدٍ قريبٍ ــ امرءاً «مثمراً» يتم حسابه ضمن الثروات النادرة في بلده ــ ويستنفر لعظائم الأمور التي ترتبط باختصاصه العلمي. ويندب لحل المشكلات التي تواجه التقدم العلمي في مجاله.. ولكن. عدد «الدكاترة» اليوم، في مختلف فروع العلم، يتجاوز عشرين ضعف عددهم قبل خمسة عشر عاماً «في العاصمة وحدها».. بينما لا نكاد نرى أثراً ظاهراً لهذا التقدم العلمي الذي تعبِّرُ عنهُ الأعداد المهولة من حملة الدكتوراة، في أي مجال من مجالات العلم المعنية، لا على مستوياتها العملية التطبيقية، ولا حتى نظرياً.. أين مثلاً الأطروحات العلمية التي نيلت بها مئات بل آلاف درجات الدكتوراة خلال هذه الفترة؟ أين هي بوصفها إضافات علمية؟ أو حلولاً لمشكلات علمية؟ وأين أثر أطروحات الدكتوراة في علوم الزراعة مثلاً، على واقع «البلد الزراعي» الذي يسمى السودان؟ برغم أنني آخذ بكثير من الحذر شهادات بعض العلماء حول «الترهل» و «التسامح» وربما «التسيب» الذي أصبح مألوفاً في منح الدرجات العلمية في كثير من مؤسساتنا العلمية، إلا أنني أجد صعوبة في هضم حقيقة أن جزءاً من «مصاريف الدراسة» التي يبذلها طالب الدراسات العليا يذهب مباشرة إلى جيب «المشرف»، أي إن علاقة «مشايلة» تنشأ بين الطالب وأستاذه.. كما أن مستوى «دخل» الأستاذ أو البروفيسور يتناسب طردياً مع عدد الأطروحات التي يشرف عليها..!! فهذا النوع من «العلاقات» يشكل خطراً حقيقياً على صدق وسلامة وأهلية الدرجات العلمية، مما يختزلها في مجرد «دالات» أو «باءات» تلحق بأسماء حامليها لا أكثر.
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:44 am | |
|
إليكم
الطاهر ساتي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الي الأيادي البيضاء .. بعض الوفاء ..!!
** بفضل الله ثم بعزيمة شباب مجددون تم تدشين مشروع إفطار التلميذ بمدرسة الديم شرق بنين..والتدشين، حسب متابعتي لنشاط هؤلاء الشباب، كان بمثابة تنبيه للناس بأن المشروع يمضي نحو غايته ولم يكن يوم انطلاقه، إذ بداية المشروع كانت متزامنة مع بداية العام الدراسي بمدارس الفتح وجبل أولياء وكرري وغيرها من محليات الخرطوم البعيدة عن المركز..حفل التدشين - كما هدف المشروع - كان رائعا، وأروع ما فيه نجاح الفكرة في استقطاب كل الوان الطيف السوداني، ولاحظت ذلك حين شاهدت في الصفوف الأمامية جمعا لم يجتمعوا من قبل في مناسبة سياسية، لقد نجحت فكرة مجددون في جمعهم..وهكذا أهل السودان، دائما يجمعم عمل الخير عن بكرة أبيهم، مهمها تباينت رؤاهم في مناحي الحياة المختلفة ..!! ** وأن تبذل جهة ما جهدها لتطعم (140 الف تلميذ) من موائد مجتمعهم ليس بالأمر السهل، ولذلك كنت متوجسا ومتحفزا تجاه هذا المشروع..متوجسا لأن هناك تجارب كثيرة وأفكار عظيمة ولدت ثم ماتت قبل أن يبلغ (بنيانها تمامها)، إما بسوء التخطيط والتنفيذ أو بالكسل وفقدان الهمة على إكمال المشوار، ولكن هؤلاء الشباب كسروا حاجز التوجس حين سبقت مواد الإفطار كتب وزارة التعليم وطباشيرها الي المدارس الطرفية باسبوع ونيف..نعم لم تبخر التوجس يوم هاتفت فارس - مدير مجددون - قبل بداية العام الدراسي بيوم سائلا : ( أها يا فارس، ح تبدوا متين ؟)، فرد : (نحن بدينا من أول أمبارح، و هسة المواد وصلت مدارس كرري والجبل و..)، وهكذا استبدلوا توجسي الي تشجيع وتحفيز بلسان حال قائل : سيروا نحو الأمل، فهذا زمان قل أن تجد فيه من يغرس بذور الأمل في مجتمعنا هذا، حيث السواد الأعظم صار يتقن فقط (لعن الظلام)، بيد أن (إيقاد الشمعة) قاب قوسين أو أدنى من عقولهم وقلوبهم ..!! ** والمناسبة التي أسعدت تلاميذ مدرسة الديم شرق وغيرها من مدارس الخرطوم، لم تشكل لها ورش عمل في بدايتها، ولم تعقد لها سمنارات طق الحنك، ولم تسخر لها ميزانيات، ولم تسلط عليها أضواء وأبواق وسائل الاعلام، بل هي حصاد فكرة جادت بها قريحة شاب سوداني مر ذات يوم بمدرسة لايفطر بعض تلاميذها، ثم حضر في اليوم الثاني افطارا جماعيا باحدى الشركات الخاصة، وحدثته نفسه بأن فضل زاد هؤلاء يكفي لإشباع أولئك، ثم توكل الله واطلق لفكرته العنان وسط شباب يؤمنون بمايؤمن ويجتهدون كمايجتهد.. بدأوا ب(200 تلميذ) عند بداية العام الدراسي الفائت، وختموا ذات العام باطعام (68.964 تلميذ )، وما بين البداية والخاتمة تتجلى (عظمة السعي وقيمة الإجتهاد)، ولذلك ليس بمدهش أن يرتفع سقف طموحهم بحيث يستهدف (140 الف تلميذ) هذا العام، ويرغموا حكومة الخرطوم على إحترام جهدهم ثم يجبرونها على دعم الجهد طوعا واختيارا، وقالها الدكتور عبد الرحمن الخضر نصا : ( والله الشباب ديل لما بدو مشروعم ده السنة الفاتت عزمونى لكن ما مشيت، لكن بصراحة السنة دى اجبروني علي الحضور لأنو بقى مشروع كبير وبيستحق دعمنا )..شكرا على الإنتباهة الحكومية، ولكن رجاء يا سادة حكومة الخرطوم : إكتفوا بتشريف تدشين مناشط مجتمعنا ودعمها (من بعيد لي بعيد)، أي لاتحتوا هذا مثل هذا الجهد بأي نوع من أنواع الإحتواء، ولاتسرقوا مثل هذه المشاريع..والله انا خائف تلحقوا الشباب ديل شباب الوطن ولا الاتحاد الوطني بتاعكم داك، ليتكدسوا في المكاتب ويزاحموا الناس في الطرقات بفارهاتهم بلا عطاء يستحق الوفاء..دعوا شباب بلادي يبدعون في رسم مستقبل بلادهم، فانهم أنقياء بحيث لايطمعون - ولايتصارعون - في المقاعد الشبابية المرتقبة في حكومة الجمهورية، ولم تتلوث عقولهم بهوس الأنانية والإقصاء وكنز السحت (مالا ومنصبا)، لقد خدموا - ولايزالوا - مجتمعهم لوجه الله ثم الوطن، فأكرر (لاتفسدوا جهدهم بالتبني ولاتسرقوا مشروعهم بالرعاية)..وبالمناسبة، ما الذي يمنع شباب ولايات السودان الأخرى عن تبني فكرة ( شباب مجددون)؟..أليس فيكم (فوارسا) يتقنون إيقاد الشموع في المجتمع دون غض الطرف عن لعن ظلام الحكومة والمعارضة والحركات ؟.. نعم، فليجتهد كل مجتهد في توسيع دائرة الأفكار السامية ..!! ............................ نقلا عن السوداني
نشر بتاريخ 20-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:47 am | |
| زمان مثل هذا
تصريح.. هادم لذات
الصادق الشريف
• بصيغة واحدة تقريباً.. نشرت معظم الصحف يوم أمس تصريحاً لوزير الخارجية على كرتي.. نفى فيه ما تناقلته الفضائيات ووكالات الأنباء الخارجية عن خبر (قيل) أنّه أدلى به لوكالة الأنباء الفرنسية. • التصريح خطير.. بل وخطير للغاية.. ولا تنبع خطورته من القضيّة التي تمّ التصريح حولها.. .. فالخطورة لا تطال القضيّة.. بل تطال المسؤولين الذين يطلقون التصريحات. • كرتي نفى أنّ يكون قد صرّح لوكالة الأنباء الفرنسية بـ (قبول السودان لقوات دولية في جنوب كردفان). • وقال في تصريحه النافي (أنّ الوضع في جنوب كردفان شأن داخلي.. نشأ عقب اعتداء مُسلّح تعرّض له المواطنون والدولة.. وشكّل بذلك خروجاً صريحاً عن القانون.. وأنه تمّ التعامل معه بما يقتضيه من حزم).. هسع في كلام هنا عن قوات دولية؟؟؟. • ولا يمكن معرفة خطورة هذا التصريح بمعزل عن قصّة قديمة مماثلة ما زالت آثارها موجودة حتى هذه اللحظة. • وهي قصة الأستاذ علي عثمان محمد طه وتصريحه الشهير بأوسلو.. بُعيد التوقيع على اتفاق نيفاشا والبحث عن ثمراته بوعود أوسلو المليارية.. والذي قال فيه إنّ السودان سوف يقبل بقوات دولية في دارفور (لكن) بعد توقيع وتحقيق السلام على الأرض. • الرئيس لم يرضَ عن التصريح.. وبعده توارى نائب الرئيس عن الأنظار.. رغمّ أنّه نفى تصريحاته في لقاء جماهيري حاشد بمدينة بحري بعد ثلاثة أيام فقط من التصريح الأول. • قال نائب الرئيس ذلك في الخارج.. وفي الداخل كان الرئيس يحشد الحشود.. ويعبئ الجماهير ضد القوات الدولية.. لدرجة أنه قال (أنّه سيقودُ المقاومة ضد القوات الدولية بنفسه إذا دعا الداعي).. فظهر الخطاب الرسمي وكأنّ هناك هوة عميقة بين قيادة الدولة.. وحتى إن لم تكن موجودة فقد صنعها ذلك التصريح. • ولاحقاً اتضح (بُعد النظر السياسي) لعلي عثمان.. فقد اشترط تحقيق سلام في دارفور لدخول القوات الدولية.. ولكن القوات موجودة الآن في دارفور (يوناميد).. ولا يوجد سلام. • بعدها توارى علي عثمان قسراً عن الملفات الرسمية.. وأصبح يتولى ملفات خدمية.. وقضايا (لا طائل من ورائها) مثل النفرة الزراعية.. والنهضة الزراعية. • الشاهد في تلك القصة أنّها وضعت حدودا للمسارات المستقلة التي يمكن أن يتحرك فيها المسؤولون حتى لو كانوا بدرجة (نائب رئيس). • وعلّق لي أحد كبار الصحفيين (والله الـ..عملتها أوسلو في علي عثمان.. لحدي هسع ما مرقت). • هكذا انتقلت اللعنة.. لعنة التصريحات التي لا تعجب (المزاج المركزي) من (أوسلو) إلى (فيينا) حيث قيل أنّ علي كرتي صرّح ذلك التصريح.. والذي يعتبر تصريحاً من النوع (هادم اللذات ومُفرِّق الجماعات). • وأخيراً.. أليس حريّاً بوزير الخارجية أن ينفي تلك التصريحات وبهذه السرعة.. والقوة.. التي نفاها بها.. حتى لو كان قد أدلى بها؟؟؟.
التيار
نشر بتاريخ 25-07-2011 | |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:48 am | |
|
مطلوب، عاجلاً: مفوضية «تعريف» الفساد!!!
الخميس 21-07-2011
معادلات: علي يس
الشواهد كلها، شواهد «تصوُّر» الكثير من المسؤولين لمعنى «الفساد»، تؤكدُ لنا أن الوقتَ مبكِّرٌ جداً على التفكير في «مفوضية لمكافحة الفساد»، ذلك أن مكافحة «المجهول» ضربٌ من الجنون!! و الفسادُ مفردةٌ يدُلُّنا شكل التعاطي الرسمي معها حتى الآن على أنها مفردةٌ مجهولةُ المعنَى، أو، على الأقل، غامضة المعنى.. المطلوب، وعاجلاً جداً لأننا «نلعبُ» الآن في الوقت بدل الضائع المطلوب تشكيل مفوضيَّة لـ «تعريف» الفساد، أولاً، ويجب أن تتضمَّنَ هذه المفوضيَّة فطاحلة اللغة، و فطاحلة القانون، وفطاحلة الأمن، ويجب أن يُبعَدَ عن عضوية هذه المفوضيَّة أيّ مسؤولٍ جرَّبَ «السمسرة» خلال تاريخه المجيد، أو أصبح «رجُل أعمال» خلال توليه أعباء منصبه الدستوري أو التنفيذي الرفيع، أو سمح للسيدة حرمه بأن تصبح «سيدة أعمال» من وراء ظهره وتستغل في أعمالها الناجحة إمكانات وعلاقات زوجها مرهوب الجانب، أو نبغ أولادُهُ - وهم ما يزالون طلاباً بالجامعات في إنشاء الشركات الخاصة بهم، وعقد الصفقات المليارية دون أن يجد سعادة المسؤول، المهموم بشؤون البلد، وقتاً لمعرفة ما يفعل أبناؤه.. المطلوب، يا عباد الله، قبل أن تعترف الدولة بأن حجم الفساد بمختلف أنواعه لم يعد يحتمل صمتاً، أن يوضع أمامها قاموسٌ جامِعٌ، دقيق، لتفصيل جميع أنواع الفساد «المالي، الإداري، الأخلاقي، التجاري، الديني، الذوقي» و يجب أن يتضمن القاموسُ تفصيلاً لكل من العناوين أعلاه، فيقدم تفصيلاً دقيقاً لمعنى «فساد مالي» بمختلف تجلياته، من اختلاس ورشوة ونهب وسرقة ونشل وغش وربا، ومن تجاوز لقوانين وضوابط التعامل في المال العام في الشراء والبيع و الاستخدام و«المقاولة» وإنشاء المشروعات العامة.. ويقدم قاموس الفساد تفصيلاً لازماً لمعنى «فساد إداري» متضمناً المحسوبية بمختلف أشكالها، سواءً في إسناد الوظائف العامة، أو في منح التصديقات والإعفاءات، أو في إرساء تنفيذ المشروعات العامة على أحباب وأقارب ومعارف، ومتضمناً أيضاً التسيب والفشل الإداري بمختلف تجلياته، من الدخول في مشروعاتٍ فاشلةٍ، إما بسبب الشروع فيها دون دراسةٍ، أو بسبب إسناد أمر دراسة جدواها، أو تصميمها، إلى بعض الأميين من الأحباب و «أبناء الشلة»!! المطلوب من مفوضية «تعريف» الفساد المحترمة، أن تقوم بإقناع الدولة بأن إنفاق ربع موازنة الدولة كرواتب ومخصصات وامتيازات للدستوريين هو والله العظيم فسااااااااد، وإن أقرَّهُ القانون.. و أن إسناد وظيفة بالدرجة الأولى بالخدمة العامَّة لشخصٍ راسب في الشهادة السودانية ويحملُ دبلوماً وسيطاً يعلم الله وحدهُ كيف حصل عليه، فساد، وأن استيراد الهيئة العامَّة للإمدادات الطبية دواءً وطرحهُ في الصيدليات، لتكتشف السلطات الصحية لاحقاً عدم مطابقته للمواصفات فتقوم بسحبه، دليلٌ على «فساد» مركَّب، يؤدي مثلهُ في أية دولة محترمة إلى استقالة وزير الصحة، واستقالة مدير الإمدادات الطبية، واستقالة أمين هيئة المواصفات التي يُفترضُ أنها فحصت هذا الدواء واستوثقت من مطابقته للمواصفات قبل أن يوضع في الصيدليات!! و يؤدي بالضرورة في دولةٍ تعرفُ معنى «الفساد» إلى محاسبة كل الأطراف المعنية بدخول هذا الدواء الفاسد إلى البلاد .. ومطلوبٌ من هذه المفوضية المباركة، لو يسَّرَ اللهُ إنشاءها، أن تؤكد للدولة أن شكوى وزارة العمل من أن ثلاثة أرباع مؤسسات القطاع العام تقوم بالتوظيف خارج لجنة الاختيار للخدمة العامَّة، تعبيرٌ عن فساد إداري قاتل، وأن صمت الهيئة القومية للاتصالات عن التجاوزات الظاهرة والشائعة لشركات الاتصالات، دليلٌ على فسادٍ مركَّب .. و أن .. و أنَّ .. و أنَّ .. شواهد الفساد لا يسعها حصر، ولا ينقُصُها إلا مفوضيَّة تُحسنُ تعريفها ...
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:49 am | |
|
اليكم
الطاهر ساتي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
(عكورة الإدارة) أخطر من (عكورة المياه )
** قبل خمس سنوات تقريبا، جمعت حكومة نهر النيل حشدا جماهيريا ثم نظمت احتفالا بمناسبة افتتاح محطة مياه العبيدية، وفرح الأهل هناك بتلك المحطة الوليدة ثم عادوا الي بيوتهم بعد أن تدفقت مياه محطتهم في ميدان الاحتفال أمام رئيس الجمهورية وواليهم ووسائل الاعلام ..ثم ترقبوا توصيل المياه الي منازلهم شهرا واخر ثم ثالث ولكن لم يثمر ترقبهم بأية مياه، فاتصلوا بالصحف شاكين من تلكؤ الهيئة وتقاعسها عن آداء واجب توصيل المياه، وتحرت الصحف ثم اكتشفت بأن المحطة غير مكتملة وكذلك بها أخطاء فنية وأخرى هندسية، وتساءلت عن سر المياه التي تدفقت أمام النافذين والحشد الجماهيري وعلمت بأن الهيئة وضعت احدى طلمباتها على النيل ثم ضخت منه تلك المياه مباشرة - بالخرطوش - الي ساحة الاحتفال، ولم تمر بالمحطة وفلاترها..هكذا خدعوا الرئيس و أنفسهم والناس والاعلام يومئذ، وتفاصيل القضية - بكل ما صاحبها من فساد - موثقة بارشيف الزاوية، وأقبح ما فيها هو ذاك الضخ المباشر من النيل الي حيث مكان المسؤولين مع التجاوز التام لمرحلة الفلاتر والتنقية، وكأن المراد بتلك المياه ري (أحواض برسيم )،وليس عطش الناس..!! ** وما يحدث بمياه الخرطوم منذ زمن ليس بقصير جاء الي ذاكرتي بما حدث بالعبيدية عامئذ، فالمواسير صارت تستقبل المياه مباشرة من النيل والآبار، بكل ما فيها تلوث..ولا أدري كيف تستوعب عقول صغارنا هذه الايام دروس العلوم التي تؤكد بأن المياه لا لون لها ولا رائحة ولاطعم، حيث مياه عاصمتهم - إن وجدت - تحمل لون العرديب ورائحة ما يخرج من السبيلين وطعم كل ما هو غير طيب..ولهيئة الخرطوم الف تبرير وتبرير لما يحدث، وكل تبرير يسخر من الأخر.. على سبيل المثال : عندما جفت المواسير قبل شهر وتظاهرت الأحياء، خرجت إدارة الهيئة للناس بتبرير فحواه ( المعارضة قفلت البلوفات )، فصبرنا مع أمل التوصل - بواسطة الدوحة أو غيرها - الي (اتفاقية فتح البلوفة) مع قوى المعارضة.. وعندما تغير لون المياه الي البنفسجي قبل أشهر، خرجت ذات الادارة للصحف بتبرير فحواه ( ده موسم توالد الطحالب)، فصبرنا مع الأماني بأن تفطم الطحالب صغارها عاجلا و(تقوم بالسلامة)..وعندما أطلت الديدان متأبطة شرانقها ويرقاتها قبل أشهر، استقبلتها تلك الادارة ذاتها بتبرير فحوه ( الشبكات مضروبة )، فصبرنا مع الرجاء بأن تتبني جهة ما بناء مساكن شعبية للديدان عوضا عن توطينها في شبكات الهيئة المضروبة.. وهكذا أعذار الهيئة عند كل طامة منذ نصف عام ، وكل عذر منها أقبح من الطامة ذاتها ..!! ** ولايزال الفشل يتواصل، حيث لون المياه - منذ السبت الفائت - بني غامض، وكذلك تتواصل الأعذار الأقبح من الفشل .. فلنقرأ عذر الهيئة عن اللون، حيث تعتذر للناس وتقول نصا : ( تضاعفت معدلات العكارة ووصلت (37 الف عكارة ضوئية)، مما أثر على كفاءة تشغيل المحطات التقنية النيلية، والان نقوم بمعالجة الأزمة )..هكذا عذر التلوث هذه المرة، أي ليس بتلوث ناتج عن نشاط الحركات المسلحة، بحيث معاركها أيضا تثير الغبار والأتربة التي تؤدي الي تلوث المياه، ولا أدري كيف فاتت على عبقرية الهيئة التشبث بهذا العذر، كما فعلت في عذر (المعارضة قفلت البلوفات) .؟..المهم عذرهم خرج للناس - هذه المرة - مرتديا ثوب علمي من شاكلة ( معدل العكارة سبعة وتلاتين الف عكارة ضوئية، و دي كتيرة على محطاتنا، و أهو غايتو بنحاول نعالج الأزمة دي )، هكذا مضمون البيان ..!! ** ولن نظلم الهيئة، ربما - وهي العاجزة عن تنقية المياه بمحطاتها - تجتهد في تنقية المياه ذاتها ولكن وهي في (مجرى النيل) لتقلل نسبة العكارة الي (خمسمية عكارة ضوئية )، أو هكذا استوعبت عقولنا النص الوارد في البيان (نقوم بمعالجة الأزمة)..كدي خلونا من عكارة ضوئية وعكورة ظلامية، ألا تعلم الهيئة - منذ تأسيسها - بأن هذه الأشهر من كل عام هو موسم الفيضان ومياهه ذات الطمي ؟، أم أن فيضان هذا الموسم هو الأول في تاريخ الهيئة وعقليتها الإدارية المناط بها مهام (التخطيط والتحوط ليوم او موسم هكذا)..؟..وماذا لو زاد معدل تلك العكارة الي (50 أو 70 الف عكارة ضوئية ) ؟، يعني محطاتكم دي ح تطير ولا ح تتبخر ؟، أم أن بطون الناس سوف تتحول الي مخزن للأطماء، كما قاع بحيرات السدود ؟..لو كانت الهيئة تدار بالكفاءة والعلمية - وبٌعد النظر- لسألت ذاتها أسئلة كهذه قبل زمن بعيد ، ثم وضعت لها من الاجابات العلمية والعملية ما تعرف عند الأخرين ب ( الدراسات والخطط العلمية )، ولكن للأسف هي هيئة - كما كل البلد - تدار بنظرية ( ده زول أخونا، ده زول مجاهد، ده بيصوم الخميس، ده بيقيم الليل )، ولذلك كان ولايزال - وسيظل - فشلها الفاضح ملازما لأعذارها الواهية..بالله عليكم، جربوا مرة في حياتكم - ولو في هذه الهيئة فقط - تقديم أهل العلم والكفاءة على أصحاب الولاء والهتيفة في إدارة المرافق والهيئات، لتكتشفوا الفرق بين الإدارة والعبث..!! .................... نقلا عن السوداني
نشر بتاريخ 23-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:51 am | |
|
إليكم
الطاهر ساتي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
اقالتهم أواستقالتك يا والي الخرطوم ...!!
** قبل ثلاث سنوات، عندما عندما اشتكى الأهل بمناطق جنوب الخرطوم من بعوض مصانع اليرموك، خرج اليهم وزير الصحة ليطمئنهم وينصحهم قائلا : ( لقد شرعنا في اعداد خطة لمكافحة البعوض والقضاء عليه تماما في المستقبل القريب، والي ذلك الحين اطمئنوا فان الناموس الذي تشكون منه لا يسبب الملاريا، نعم هو مزعج ولكنه لا ينقل الملاريا )، أوهكذا قال للصحف.. فأقترحت للأهل هناك بأن يتصالحوا مع الوضع، خاصة أن وزير الصحة يؤكد بأن بعوضهم محض مزعج فقط لاغير وليس بناقل للملاريا، ثم ختمت الزاوية باقتراح اخر لسادة وزارة الصحة فحواه : يجب نشر أية وثيقة هي بمثابة عقد بينهم وبين البعوض، بحيث يلزم الطرف الثاني بعدم نقل الملاريا لسكان تلك المناطق، ويكتفي فقط باللسع والطنين..!! ** واليوم يبدوا أن السادة بهيئة مياه ولاية الخرطوم بحاجة الي اقتراح كذاك، فلنتأمل حديث محجوب محمد ادريس ،المستشار الفني لهيئة مياه الخرطوم، حيث يطمئن أهل العاصمة بالنص القائل : ( العكارة التي في المياه الآن عبارة عن طين طبيعي، ولا تأثيرات صحية منها - على المواطنين - كما أثبتت تحاليل معامل الهيئة )، هكذا وثق المستشار افادته بالرأي العام - عدد البارحة - حين سأله زميلنا التاج عثمان عن أثر العكارة في صحة الناس، علما بأنه مهندس وليس بطبيب..ومع ذلك، تلك افادة تعني - حسب منطق المستشار وهيئته - بأن (الطين الطبيعي) لايضر بصحة الانسان - وكليته - حين يكون مخلوطا بالماء، كما نراه حاليا، وعلى المستهلكين أن يتجرعوه - كوبا تلو الأخر - وهم في كامل الطمأنينة، وخاصة أن تحاليل معامل هيئتهم العريقة فحصت ذاك (الطين الطبيعي) ثم أثبتت - بما لايدع مجالا للشك - صلاحية تناوله ك(مشروب طبيعي)، ولايضر الانسان..ربما ينفع، موش كدة يا مستشار الهيئة ؟..وبالمناسبة، كان يمكن للهيئة أن تبرهن فوائد طينها الطبيعي بتصريح من شاكلة ( أثبتت معاملنا بأنه أجود أنواع الطين المستخدم في أوساط النساء المتوحمات )، وهكذا يصبح شرب الطين الطبيعي طبيعيا في مرحلة الجمهورية الثانية، وخاصة أن عقول الناس - كما تتوهم الهيئة - في إجازة مفتوحة..!! ** وكما يطمئن المستشار أهل الخرطوم، ها هو الناطق الرسمي باسم الهيئة يطمئن إدارة الهيئة أيضا، حيث يبرر القطوعات وطينها المصاحب بال( القدر)، حيث يقول : ( ليس هناك قصور فني أو إداري، ولكن شاء القدر بأن تكون نسبة العكورة في النيل الأزرق عالية ) والسبب كما يقول المستشار الفني وليس الناطق الرسمي: ( الكورنيش الجديد تسبب في النحر والردم، وهذا غير مجري النيل وأدى الي زيادة العكورة )..تأملوا بالله عليكم ما بين القوسين، أي ذاك هو تبرير التلوث، (الكورنيش غير مجرى النيل بسبب النحر والردم)..كورنيش طوله بضعة أمتار يعكر صفو الماء بحيث تعجز محطات عاصمة السودان عن تنقيته ويتسبب في أن يشرب أهلها (كدرا وطينا طبيعيا )، بيد أن هناك كورنيشا أخر طوله مئات الكيلومترات بالقاهرة - و كل مدن مصر المجاورة النيل - ومع ذلك يشرب أهلها الماء (صفوا)..تبريرات فطيرة تعكس بوضوح ( العقلية التي تديرالمرافق العامة )..خبرونا بالله يا عالم : أية دولة في هذا الكون - غير دولتنا هذه - لايزال سكانها يشكون من قطوعات المياه وتلوثها؟، ناهيك عن الارياف التي انسانها لايزال يشرب - مع انعامه - من البرك الآسنة..الدنيا من حولنا طوت وتجاوزت ملفات المياه والكهرباء وغيرها من الحقوق والخدمات منذ زمن بعيد، الا نحن بحيث لانزال في محطة ( الطين الطبيعي مابيضر، الكورنيش عكر النيل ، نحن ما كنا متوقعين و..)..على كل حال، المؤسف أن ادارة الهيئة لن تحاسب ذاتها بالإستقالة، وكذلك لا نأمل في أن يحاسبها الوالي بالإقالة..(من يحاسب من ؟)، صار نهجا يجب (تغييره)..!! ........... نقلا عن السوداني
نشر بتاريخ 24-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الثلاثاء 26 يوليو 2011, 6:54 am | |
|
اليكم
الطاهر ساتى [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
المواطن - إنابة عن الحكومة - ينفذ شعار مجانية التعليم ..!!
** لقد بدأ العام الدراسي، ونقرأ الوثيقة التالية سويا لنعرف شكل ولون وطعم البداية..( السيد ولي أمر الطالب .../ المحترم .. الموضوع / مساهمة .. بالإشارة للموضوع أعلاه، نرجو كريم تفضلكم المساهمة في تسيير المدرسة، لتتمكن من الآتي : 1/ آداء الامتحانات الشهرية والموحدة .. 2/ دعم الأنشطة .. 3/ دعم الخدمات الأساسية بالمدرسة ..4/ تحفيز المعلمين.. مساهمتكم اصحاحا للبيئة ودعما لتسيير المدرسة، وشكرا..مدير المدرسة، بتاريخ 17يوليو 2011)..هكذا نص الرسالة التي أرسلتها إدارة مدرسة الشيخ مصطفى الامين الثانوية النموذجية بنين، لأولياء أمور تلاميذها..وكثيرة هي المدارس التي تخاطب أولياء الأمور - كتابة وشفاهة - للمساهمة، و ماهذه المدرسة الحكومية النموذجية إلا نموذج قصدنا به بنود الصرف التي يجب أن يوفر ميزانيتها المواطن، رغم أنف شعار (مجانية التعليم )..!! ** أي، حسب تلك البنود المحددة في الرسالة، على المواطن أن يتحمل بند ( توفير متطلبات الامتحانات، شهرية كانت أو موحدة)، وكذلك يجب على هذا المواطن المنكوب توفير (ميزانية مناشط المدرسة)، ثم عليه دعم بند ما أسمتها الرسالة ب(الخدمات الأساسية)، وهي بالتأكيد الماء والكهرباء وربما الطباشير، وبعد ذلك على المواطن دعم بند ( حوافز المعلمين)..وما لم يمتثل ولي أمر التلميذ لهذا الأمر، فان ابنه لن يحظى بالخدمات الاساسية ولا بالمناشط ولا بالامتحانات الشهرية، وكذلك لن يحظى معلمه بالحافز، ولذلك ربطت ادارة المدرسة بين المساهمة واصحاح البيئة المدرسية ربطا محكما، بحيث (لابيئة مدرسية معافاة بلا مساهمة ولي الأمر) ..هكذا الواقع العملي لشعار ( مجانية التعليم)، لا بهذه المدرسة فحسب، بل بكل مدارس السودان..الأساس منها والثانوي ..!! ** هناك الف توجيه رئاسي ومليون تحذير وزاري بعدم فرض رسوم على التلاميذ، ولكنهما مجرد توجيه وتحذير يلقيان بادارات المدارس في اليم وهي مكتوفة من الأيدي، ثم يحذرانها ( اياك اياك أن تبتلي بالماء).. أي هذا المدير أو أي مدير اخر حين يطلب من ولي أمر تلميذه المساهمة في دعم الخدمات الاساسية بالمدرسة وتحمل حوافز المعلمين وغيرها من بنود الصرف التي يجب أن تتحملها الحكومة، فهو لا يفعل ذلك طمعا في أموال الناس ولابحثا عن الثراء الفاحش، بل كل مدير لايطلب مساهمة كهذه الا مكرها لسد (حاجة المدرسة وتلميذها)..نعم مكرهون هم - أساتذتنا الأجلاء - على طلب الدعم من أولياء الأمور، وكذلك مكرهون أولياء الأمر على السداد، لأن الحكومة التي توجه وتحذر لاتؤمن ب( اذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع)..لوكانت ميزانية التعليم تفي حاجة المدارس والمدرسين، لما استجدت ادارات المدارس أولياء الأمور (حق الموية والكهرباء)..!! ** والحكومة تعلم ذلك، أي تعرف تقصيرها في آداء واجبها تجاه المدارس، ومع ذلك توجه وتحذر - بكل قوة عين - بعدم فرض الرسوم..وإدارات المدارس، عقب كل توجيه رئاسي أو تحذير وزاري، تبتكر وتبدع في صناعة وسائل تحصيل الرسوم من أولياء الأمور بغير علم (أورنيك 15)، ولكن بعلم حكومة هذا الاورنيك..نعم مجالس الآباء أصبحت من وسائل تحصيل الرسوم، وأحيانا مدير المدرسة، كما يوضح النموذج أعلاه..هكذا يتحايلون على شعار(مجانية التعليم)، وهو تحايل يكتسب مشروعيته من عجز الحكومة عن دفع استحقاق ذاك الشعار بحيث يكون واقعا في ( ميزانية التعليم )..فالأولوية كانت - ولاتزال - هي تضخيم ميزانيتي (الأمن والدفاع)، ثم بعد ذلك تتواصل الأولويات حسب ما تشتهيها نفوس البدريين : عقودات عمل مليارية، قصور فارهة ذات أحواض السباحة، مبيدات فاسدة، تقاوى فاسدة، أليات زراعية فالصو، شركات عجز البرلمان عن معرفة عددها، وغيرها من علامات زهد وايثار ونزاهة (النهج الحاكم)..ولذلك ليس بمدهش أن يكون ولي أمر التمليذ هذا العام، كما كل عام، ( جمل الشيل) الذي يتحمل رهق بنود الحوافز و المناشط والامتحانات، وكذلك ( الخدمات الأساسية بالمدرسة)..أي ينفذ شعار مجانية التعليم، إنابة عن المسماة - مجازا - بالحكومة...!! ................ نقلا عن السوداني
نشر بتاريخ 25-07-2011
| |
|
| |
ياسرابراهيم
عدد المساهمات : 466 تاريخ التسجيل : 24/01/2010
| موضوع: رد: مما قرأت السبت 30 يوليو 2011, 9:30 am | |
| غربت شمس عهود الرسائل التي تنوء بحمل شعار ( البريد الجوي) على ظهورها، المفصّدة حوافها باللونين الأزرق و الأحمر، و في طياتها يرقد ورق شفاف ملون بعلامات مائية، لقلوب متقاطعة، و أطفال متماسكي الأيدي، كأنما هبطوا لتوهم من الجنة، عليها كتابة بالحبر السائل، حافلة بعبارات الهيام و الأشتياق مؤمِّنة بذلك على مجد التكنولوجيا (رغم بعدي برسل سلامي)، و حتى ذكر باقٍ من نوع (لانفقد الا عدم رؤياكم) وبعض (سلام أِذا مرّ بالجبال هداها). غربت شمس (البارافيون) و حمامة زاجلة واحدة، فبرز الى الوجود عهد الرسائل المسجلة على أشرطة الكاسيت، فانتقلت الرسائل الى افق اشد حميمية، و أعمق انسانية و اشد اثراً. تغيرت علائق المسافر المتغرب و أهله تغيراً جذرياً وأدرك هَمسهُ (عواطف) و صويحباتها اينما كن، فأسمينه زاد الشجون ، واكتسبت تلك الوسيلة بعداً مشاعرياً قلما تقدر على بلوغه مساعي الساعي، وهو يفرق الرسائل من على دراجته بين الناس، يخطئُ تارة و يصيب أخرى، و أصبح من الطبيعي أن يقتحم عزلة منتصف النهار الساكن في بيتنا، السيد (خيري)، جارنا، مندفعاً لاهثاً، دون استئذان حتى، و قبل أن يأت بسباق ضاحيته الى سكون، يصيح معلماً من في الدار دون أن يحفل بمفاجأة عزلتهم المجيدة عبدو رسل شريط !! جملة واحدة، تستقر مثل قذيفة صائبة في قلب الرتابة التي تغلف الوجود في (فريقنا)، تزيح عن أنفسنا صدأ اليأس الذي يؤطر حوافها، فنقفز فرحاً بمقدم الأمل. و في المساء و نحن قاعدون في حوش دار السيد ( خيري)، نساءً و رجالاً و أطفالاً، ملتفين حول منضدة للأكل و المذاكرة و المكوة، ودَرَبُكَّة صحبت فيمن صحبت اغنية وحيدة لخلف الله حمد، وسائر وظائف من بينها منصة يخطب من على متنها الديك كل مشرق شمس، ويشهر من عليها أحلامه، يجلس عليها الآن المسجل ال(ناشونال)، او (الهيتاشي) أم أنه (ترانسلفانيا) لايهم، و أربعة من شداد الحجارة التي يرابض في لمعانها قط أسود، تخفت الهمهمة رويداً رويداً، وبعض من همس شوق و حنين، يدور الى الأبد بين قوم لم يولدوا الا ليرحلوا، شاءوا ذلك أم أبو، حتى يبدأ صوت ( عبدو)، و الذي كان و الى عهد قريب هتاف لا يثير أدنى انتباه، و عبر سماعة علاها الغبارحتي أخص خصاصها، يجئ معلناً شارة البدء نحو هزيمة مشاعرنا جميعاً، متردداً خجولاً، و اثقاً، منتصراً يتعثر في تفاؤله، تحدث و كأنه نجا لتوه من قارب يشرف على الغرق، أو أنه في اول عهده بتعلم ركوب دراجة هوائية.. بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على رسول الله، اول شي الحاجة وين؟؟ بجاي بجاي، تصيح أصوات، أنا هنا يا عبدو، صوت رقيق يطلع من بين انفاس الخلق، ينضح برغبة في البكاء، ودمع يتلاشى في اللحظة التي يلامس فيها الهواء الذي تفوق حرته، حرة مجففات الشعر الكهربائية. ثم تسمع جلبة و همس داعم، من اشباح تسبح في ظلمات بحر بهيم... طمن الجماعة ديل أول شي، من الصباح نلقن فيك، قرب خشمك من المكرفون. نحنا كويسين الحمد لله، الشغل ماشي تمام التمام، أهو الأقدار بتفرق لتجمع و تجمع لتفرق وكده.. آها يا عمر الحاج موسى .. أصوات خلفية. بالله انتو كيف، حنونة و هيسم، بقيتو قدر شنو؟؟ النسوان اللابسات نينجا ديل كيف؟؟ يصيح هيثم حيث لا يتوقع رداً. مشتاق ليكم شديد و الله ( لم تكن كلمة واحشني قيد التداول في تلك السنين، ظهرت مؤخراً في عدة افلام من بينها البنات و الصيف و المسلسلات وتم تداولها و تبنيها رسمياً بعد ظهورها في أغنية لأبوعركي البخيت، و تطورت الى اي ميس يو بعد ظهور النت). و الله كلما اعاين للهانباك الظهرية اتذكركم، كيف بالله عمي عوض انشا الله بلغ الصحة؟؟ و بالمناسبة يا بوي، أنا باعت ليك مع هشام ده شوية مصاريف، مبلغ بسيط و كده...... الحاجة تقاطع، وعم ( خيري) يمتنع عن التعليق تلاتة الف جنيه ما شوية و الله، المية جنيه دي ساكت ما عندها حد تتلفت عمدا لتري عمق تأثير الكلمات في الوجوه الفاغرة اشداقها من الدهشة يضطر ( عزو) الى أعادة الجزء الذي غاب عن الجمع متابعته بسبب المقاطعة و يا حاجة دوا الرطوبة الصيني في كيس النايلون، ماركة ابو جعران... الحاجة مرة اخرى تتعلا ما تتدلى، بركة الليل الأمسى و الأوكات الخمسة، نفعني يعلم الله نفع شديد..... هشام ده ولد ممتاز، ساكن معانا في كيلو سبعة، أهلو من طابت الشمش غابت، أبوه كان فاتح دكان ترزي قصاد أجزخانة الشفا، ايوه، عمو عبد الخالق ود الجاك لو تتزكر يابوي، ملاحظ في الري و الحفريات، بلبس نضارات قعر كباية، مسبتة بشريط كهربا أخدر في الركن، كان عندو حركة كده، بسل رقبتو، بعدين يقوم لافيها كده زي الغنماية البعامية، لمن يغمد عينو.. تسمع الضحكات الشبحية، .... بالجد و الله ياجماعة. قالوا و الله أعلم فرقع لغم جنبو في الجنوب، أها بمناسبة الري، يا حاجة كلمي (بدر) يجي يجر عداد الكهربا، ينقص القراية، ما تدفعو قروشكم كلها للادارة، بقت عليكم انتو؟؟ و بمناسبة الكهربا، التلفزيون السانيو ده، آخر موديل وملون اسكوب، أصبرو عليه لمن يسخن، و خلي سيف يركب الأريال، يكون مقبِّل على دار الرياضة. اها ده سيف قاعد يسمع في كلامك يعلق (عزو)، وهو منهمك يراقب الشريط يسعى ببطء نحو نهاية الوجه الأول رمضان قرب يا جماعة، رسلو لينا آبري آمنة، و الرقاق، الباقي كلو موجود هنا، شفتي براك يا حاجة، التين و قمر الدين، ما في شي معدوم العسلية في......تتباع عادي في النزلة يعلو لغط بين قدامي الحجاج... الزبيب اشكال و الوان، التين ده يا الله هوي بجيك و تسألني، قدر القرع.... يومنا الوصلنا (مني) ومعاي شامة الحية و موجوده دي، تشهد على كلامي، الواطا حر، العصاير دي اشكال و الوان، الببسي ده تخيييييييين ما زي حقنا ده.....الله يوعدنا تتحسر (مكة). حنونة... حنونة؟؟ حنونة وين يا جماعة؟؟ وثم بصوت هامس ( دي أختي الصغيرة يا جماعة) كبرتي و سمنتي ولا لسع معصعصة؟؟؟ خلي اكل التسالي و شندوتشات الشطة دي اتبلبلي شوية، جايب ليك عريس معاي المرة الجاية، معاوية ده ود قياااافة.... تسمع همهمات خجولة، و انسحاب لشبح الى غرفة نائية. و الله ياجماعة بندعي ليكم طوالي هنا، جنب الحرم، تلاتة صباحاً امبارح، جينا نصلح مواسيرفي الحرم، مكة دي من هنا ما يعادل مدني الحصاحيصا، وبالسيارة الأمريكية، ما يعادل ود المجدوب و النشيشيبة. الجدة في الصف الأمامي، تكرر احتجاجاً وهي تكور يدها اليمني مثل القمع على أذنها قال شنو ؟؟ قال شنوعثمان ولدي؟؟ حبوبة ده ما عثمان ده عبدو أخوي نان مالو حسو مقروش زي الميرود ما ميرود يا حبوبة لكن الجو بكون ( اسر) معاهو. نسمة حائرة لا تشبه ملامح المساء المحتقن الذي يكتم الأنفاس، تجئ ، تفلت من بين الأصابع العجفاء من كيدٍ و الله يا حجة، اشتهينا ملاحك، الأكل هنا زي ما بقولو، حفظ أرواح، لكن تفرج انشا الله، و زي ما قال ود البادية، مناي يا املي تتحقق.... تسمع همسات متعاطفة و حسرات و تشوقات و صدىً لسقوط أحلام مجهضة ، و أمانٍ منهكة باهظة الأثمان تطل برؤوسها، قال ( عزو) و أفاد في شرح الصرير الصادر عن المسجل ( سير الدينامو مرخي لازم يتغير، و الهيد بحتاج لتنضيف بالسبريتو و قطعة قطنة في راس قشة كبريت). وين يا جماعة طرزان كوشة؟؟؟ بعتُّ ليه قميصين و منطلونين مع السر ود العبوب وصلو؟؟.... أها ما قلت ليك طاريك؟؟ قالت الحاجة تخاطب الصبي الغارق في بؤسه الذي يجلس قبالتها أها جابو اسمك، يلا قوم على الملايات ديل طبقن، الواطه مغربت، قوم تقوم قيامتك ... و كأنها تسدي اليه معروفاً...قوم على الطربيزة يطربز قلبك على مصارينك. حرام عليك يا حجة .. صوت الشبح المختبئ في الغرفة عبدو ود ناس شيخ الضرير، اتلم على جماعة كده، دخل معاهم في غلاط، رفعت عنو الصلاة و لا ما رفعت؟؟ تفسير ما تأويل و ما أدراكا، الجماعة هنا فصلو عليه تهمة بنقو و على الترحيل دغري، ما جاكم بهناك؟؟ بري الحاجات دي هنا بتجيب الهوا، يا زول نحنا البيت الشغل، الشغل البيت، على اسماعيل هنا خلى حكاية مدرسة كادر و طبقة عاملة، الصلوات الخمسة في الجامع زى الترتيب، أذّن ما أذّن، أذّن ما أذّن، و كان الله يحب المحسنين، أها بالمناسبة عادل النملة وقع في اليسكريم الاساسي، بقا سمين لو شفتو ما بتعرفو...... حبوبة عثمان قال شنو يا بنات؟؟ قال جاي متين من عسلاية..... أرفع الصوت ده شوية يا عزو... حبوبة قلنا ليك ده ما خالو عثمان، ده عبدوووووووو ود سعدية. سمح خلاص ما تنبحي في اضاني، ينبحك الأسد. زمان لمن كنا بنمشي نحلق عند عثمان العركي، يشبكك مقصات في الهوا تشك تشك تشك، يتم ليك الحلاقة في ساعة، يوم كنا ماشين مستعجلين نحضر مباراة أهلي اتحاد، الصفوف لغاية المنطقة الصناعية، و البيبان قربت تقفل، قلت احلق راسي، مالقيت غير عمك عثمان فاتح، كلمتو عديل أول ما قعدت.. يا عركي هوي، أحلق لى سريع احصل المولد ده، عليك الله مقصات في الهوا ما معانا، تصدق قالى شنو؟؟ طردني من الدكان، قالى خلي سانتو يحلق ليك، قلت ليهو انت قايل نفسك جراح؟؟ راجل اتحاداوي بقرة، اها اليوم داك (سنطة حلق لسانتو).. يا عزو، النيل قالو أخد كاس الدوري المرة دي، دي عملوها كيف؟؟؟ سرى الملل مثل ضيف ثقيل بين بعض أعضاء الجالسين، تسرب خلسة من بين شقوق العشم في حدوث امر لا يعلمون ماهيته، معجزة من نوع ما، لها علاقة بضيق و يأس يزومان في الصدور دون رحمة، و كرب سمل العيون و الأفئدة، بمراود من رغبة في صياح، سنة اخرى ينظرونها ترقد في انتظارهم، لجلوس امتحان شهادة الحياة، حين لم تتل اسماءهم ضمن كشوف الناجحين، و حتي الناجحين منهم لم يفارقهم الخوف لحظة، حتي يتأكدوا من مجاميعهم، و حينها تبدأ أحلام مبهمة في الشروق، و آمال مهشمة في السطوع. يا زول جامعة شنو ؟ انا هسة بعمل تلاتة الف ريال في الشهر تقولي جامعة.؟؟؟ شهقات... لو فرضنا درست طب الخرطوم، و اتخرجت بعد تسعماية سنة، ده من غير حساب البمبان، و الأركان و الجلد و تمباك الوطنية و (الهانقوفر)، وحالة تسمم بالفول المرشوش بالجاز، حيدوني كم؟؟ الا تبقى زي مرتضى، تدخل الكلية الحربية، حِلل و شربة، لمن يودوك حامية كوستي، و شوية شوية تلقى روحك في طمبرة، تجيب حطب المهوقني لأوضة النوم، تعرس بت ناس مروقين، و كل سنة صفيحة عسل لنسيبتك من يامبيو، يطقها سكري، صليبين تلاتة، تقوم تموت، تنزل معاش، ينتدبوك للكويت، و لا تتخرج علمي رياضيات اديشنال، تبرم شعرك، و تقد شهادة دين اسلامي، تقدم لبعثة سودانير هندسة طيران، يفطوك و يرسلو واحد خريج مساق أدبي قادي شهادة و ناجح دين، وما قادي واسطة، يضربك دبش تمشي تبقى شيوعي. يسمع صوت عم (خيري) للمرة الأولى و الأخيرة، و المساء يأتي الى ختام و الله ياها دي حكاية مقصات الهوا زااااااتا، قلت لى معاوية ده ود ناس منو؟؟؟ صمت. تاج السر الملك | |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 31 يوليو 2011, 8:48 am | |
| شكرا يا ياسرنا على الاضافة المميزة والاختيار الواعي الموفق وحقيقة سرد يقطع نفس خيل الكلام كلو والتحية للمك تاج السر اينما حل وليك كل التقدير والود وواصل بالله ومتعنا للدرجات العلى كلها لو ممكن
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 31 يوليو 2011, 9:05 am | |
|
المفكرون السودانيون على طاولة التشريح
السيد الصادق المهدي 2-3 مقالة متواصلة
شوقي إبراهيم عثمان [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
لم يعد مجديا أن يتماهي السودانيون بعضهم ببعض دون نقد في القضايا الفكرية والسياسية الوطنية – والتماهي يعني التقمص، ولقد مضى على السودان خمسة وخمسين عاما منذ الإستقلال- وشؤونه تؤول بشكل ثابت ودائم نحو الإنحطاط. غير أنه لم يعد صعبا في عصر المعلوماتية كشف المواقف الشخصية الزائفة من المواقف الأصيلة، فالإنسان ومشيئته يعبران عن موقف وجودي وقرار، إما صادقا مع نفسه وربه ورسوله والآخرين وإما كاذبا، والكذب نوعان، هنالك الكذب القاموسي – وهو المفردة التي نجدها عادة في القاموس للفظة كذب يكذب، وهنالك الكذب المخفي الدقيق الذي يصعب ملاحظته في الوهلة الأولى – ويصعب تسميته إن لم نقل هو درجة من المكر المصحوب النفاق، ويحتاج إلى التدقيق والتأمل والتحليل لكشف أبعاده، وهذا النوع من الكذب الدفين هو الأخطر. ولقد بينا في المقالة الأولى طبيعة مثقف السلطة الذي يخدع نفسه والآخرين – فهو كاذب بشكل ما أو منافق بدرجة ما. وفي هذه المقالة التي بين يديك لن نتهيب أي إسم مهما كان، وإننا بذلك لا نقصد التجريح مطلقا. سيكون موضوعنا هو السيد الصادق المهدي على حلقتين. ونبدأ بالسؤال: هل الصادق المهدي من المفكرين؟ الجواب نعم ولا. ولا شك أنه يسعى لكي يصنف نفسه كمفكر، ولكن من أية نوع من المفكرين هو؟ هل هو من المفكرين المنظرين المتخارجين عن دائرة السلطة، أم هو مفكر دولة؟ السيد الصادق المهدي ضائع ما بين هاتين الفئتين، فلا هو مفكر حر بالمعنى المتعارف عليه ولا هو مفكر دولة. وفي تقديري لا تمثل قيادة حزب الأمة في أي وقت ما قيادة حزب سياسي حقيقي، بل هي لوبي إقتصادي من الطراز الأول. كل ما طرحه السيد الصادق المهدي من رؤى سياسية في تاريخه السياسي هي تماهيات مستلفة من أدبيات وشعارات الجبهة الديموقرطية التبسيطية التي بناءها الحزب الشيوعي في الماضي لا غير. فالصادق المهدي وقادة أركان حزبه جلسوا على سنام السلطة عدة مرات، ولم يطرحوا أي شيء كتصور فكري سياسي لبناء الدولة state paradigm أو لإنهاض الشعب السوداني في أية موضوع، خاصة من الناحية التطبيقية وما يتعلق ببناء دولة المواطنة الحديثة – ما أن تجلس قيادة حزب الأمة على كراسي السلطة حتى تنغمس في صراع مع غرمائها الإتحاديين ويتقاتلون معا من منهما يحتكر ضرع البقرة دون الآخر!! وهكذا نمى في رحمهم وتحت غبار معاركهم الأنانية ذلك الجنين الصغير الذي يسمى بالإسلاميين – إلى أن أوصلنا جميعهم إلى ما لا دولة الشعب non-nation-state. ولو تم بناء دولة مدنية بالمفهوم الحقيقي لما كنا بعد خمسة وخمسين سنة نناضل من أجل الديموقراطية – ويعتبر نضالا سالبا يدخل تحت بند الطاقة المهدورة!! من يظن اليوم أن نظام الإنقاذ الحالي هو دولة فهو حسن النية – حتى أنا شخصيا خدعت فيه من البعد، فداخل هذا النظام القائم لوبي أو لوبيات إقتصادية تتدثر بثوب الدولة. إذن أحد كوارث السودان في الماضي هو الصادق المهدي بعينه، فهو لا يمتلك مؤهلات فكرية لرجل دولة ولم يترك السيد الصادق المهدي حزبه كأن ينموا نموا طبيعيا حتى يصبح حزبا سياسيا بالمعني الحقيقي للأحزاب – عقلية الصادق المهدي هي أقرب لعقلية رئيس اللوبي الاقتصادي..الذي أجاد علم المحاسبة accountancy و يسيطر على كل شيء في شركته أي حزبه!! عندما يتأمل المرء السيرة الذاتية الدراسية للسيد الصادق المهدي على أنه ختم دراسته بعلوم الإقتصاد والفلسفة بجامعة أكسفورد، وتحصل منها على درجة الماجستير، ويقارن محصلة إنجازاته الضعيفة على كل المستويات في فترات حكمه الحكومة، يجزم المرء إستنتاجا أنه لم يدرس إقتصاد بجامعة أكسفورد الشهيرة – السيد الصادق المهدي لا يتحدث في الإقتصاد مطلقا!! لو صدقنا هذا الإدعاء الذي اطلقه الصادق المهدي منذ منتصف الخمسينيات على أنه رجل أكسفورد، علينا أن نعتقد أنه درس وجلس على ذات الكرسي الذي درس وجلس عليه بيل كلنتون – الرئيس الأمريكي السابق!! والأخير هو الذي قاد الإقتصاد الأمريكي المعقد نحو الإزدهار في فترة حكمه. والجامعات البريطانية مثلها مثل الأمريكية تنشيء الجامعة لخريجيها تجمعا طلابيا يسمىِ alumni وهي كلمة لاتينية قحة وتعريفها: A male graduate or former student of a school, college, or university. ومع كل حب السيد الصادق المهدي وشغفه بالمناصب الرفيعة في المنظومات السودانية والإقليمة والدولية لكنه لا يتحدث أبدا عن جامعة أكسفورد ولا عن تجمع خريجي أكسفورد oxford alumni الذي من المفترض أن يكون عضوا فاعلا فيه، وإليك نبذة عنه: • عمل موظفا بوزارة المالية في 1957م. وفي نوفمبر 1958 استقال عن الوظيفة لأن انقلاب 17 نوفمبر كان بداية لعهد يرفضه. o عمل بعد ذلك مديرا للقسم الزراعي بدائرة المهدي، وعضوا بمجلس الإدارة. o كان رئيسا لاتحاد منتجي القطن بالسودان. • انخرط في صفوف المعارضة وبعد ذلك دخل المعترك السياسي الذي جعل همه لخدمة قضية الديمقراطية والتنمية والتأصيل الإسلامي في السودان. • المناصب القيادية التي تقلدها: o رئيس الجبهة القومية المتحدة في الفترة من 1961- 1964م. o انتخب رئيسا لحزب الأمة نوفمبر 1964م. o انتخب رئيسا للوزراء السودان في الفترة من 25 يوليو 1966- مايو 1967م. o رئيس الجبهة الوطنية في الفترة من 1972- 1977م o انتخب رئيسا لحزب الأمة القومي مارس 1986م o انتخب رئيسا لوزراء السودان في الفترة من أبريل 1986- وحتى انقلاب 30 يونيو 1989م. • المناصب التي يتقلدها حاليا: o رئيس مجلس إدارة شركة الصديقية. o رئيس حزب الأمة القومي المنتخب في فبراير 2009م. o إمام الأنصار المنتخب في ديسمبر 2002م. o عضو مؤسس ورئيس المنتدى العالمي للوسطية في ديسمبر 2007م. o عضو اللجنة التنفيذية لنادي مدريد – يضم سبعين رئيس دولة سابق تحت مسمى الديموقراطية الدولية. o رئيس مجلس الحكماء العربي للحلف العربي لفض المنازعات. • الجمعيات والروابط: عديدة ومنها: o عضو في المجلس العربي للمياه وعضو بمجلس أمنائه. o عضو بالمجموعة الاستشارية العليا الخاصة بمجموعة العمل الدولية للدبلوماسية الوقائية. o عضو في المؤتمر القومي الإسلامي، بيروت. o عضو سابق في المجلس الإسلامي الأوروبي، لندن. o عضو مجلس أمناء مؤسسة آل البيت. o عضو سابق في جماعة الفكر والثقافة الإسلامية، الخرطوم. o عضو مؤسس بشبكة الديمقراطيين العرب. o عضو مؤسسة ياسر عرفات. o عضو مجلس أمناء المؤسسة العربية للديمقراطية. ولا نجد لجامعة أكسفورد أية ذكر!! حتى أننا لا نجد ورقة لمشروع تخرج السيد الصادق في علوم الإقتصاد والفلسفة من جامعة أكسفورد وإلا سارع لطبعها في كتاب – ويقول أيضا أنه تحصل على ماجستير في الإقتصاد من أكسفورد، لماذا لا يطبعه في كتاب وهو الشغوف بتشييد مجده الفكري والسياسي؟ عموما المجتمع السوداني في الخمسينيات كان مجتمعا صغيرا وبسيطا يتقبل كل شيء دون تمحيص، أضف إلى ذلك كانت الحكومة وقتها حكومة حزب الأمة - برئاسة عبد الله خليل، فتم إستيعاب السيد الصادق المهدي موظفا بوزارة المالية. وبما أن السيد الصادق المهدي عمل بوزارة المالية، لابد أن يكون ملف تعيينه موجودا وفيه كل شهاداته، وإن أختفى هذا الملف فنحن إذن لم نظلم السيد الصادق المهدي وحتى إشعار آخر. الهدف من تشريح شخصية السيد الصادق المهدي هو أن نفهم هذا الرجل السياسي موضوعيا على حقيقته بدون رتوش، وعليه يجب ألا تتوقع الأجيال الحديثة منه سوى ما في قصعته من إمكانيات فكرية وسياسية محدودة. لو درس الصادق المهدي حقا علوم الاقتصاد والفلسفة بجامعة أكسفورد وتحصل على ماجستير منها لما كان حال السودان هو حاله اليوم، ولما كان حال حزب الأمة هو حاله اليوم. ودعنا نترك جانبا ذلك التحليل اليساري في الصادق المهدي ولم يصب الهدف بالدقة الكافية. يقول التحليل فيما معناه: ولدت رأسمالية حزب الأمة المتمثلة في الصعود السياسي للسيد الصادق المهدي في الستينيات كحتمية من رحم إقطاعية الأرض الزراعية، ولكن ليس من مصلحة "الأكسفوردي" الصادق المهدي بوعيه أو غيره كأن يمحي االمكون الإقطاعي "الأنصار" عبر نقلة مقصودة نحو الحداثة والتحديث الكامل وإلا فقد حزبه السياسي القوة الميكانيكية في الإنتخابات الليبرالية!! رغم صحة هذا التحليل نسبيا، الذي يؤكد أن الإنسان لا يميل بطبعه نحو نفي ذاته self negationأو وظيفته، ولكن غاب عن الجميع وقتها السؤال التالي: هل السيد الصادق المهدي فعلا من خريجي جامعة أكسفورد؟ وهذا السؤال مشروع، إذ غالبا ما تعمل ذات المتعلم المسؤول بمقتضى وعيها وعلمها حتى ولو أدى بها إلى السقوط في التناقض مع مصلحتها - وحتى ولو على حساب فناء المكون الإقطاعي لأنه بديهيا لا يمكن إفناء هذا المكون الإقطاعي الذي يمثله حزب الأمة في يوم أو في شهر!! ولكن الجميع لم ينتبه وربما إلى اليوم...أن السيد الصادق المهدي لا يمتلك العلم الكافي لإدارة حزب سياسي ناهيك عن إدارة دولة بحجم السودان!! لو كان السيد الصاد المهدي متعلما حقا لكان بإمكانه أن يتسيد حزبه "أي الأنصار" باسلوب المؤامة من مرحلة تحديثية لآخرى، فالتحديث لا يعني فقدانه هذه السيادة على الأنصار المواليين ولا يعني فقدان البرستيج الذي دوما يرغبه الصادق المهدي – على عكس منطوق التحليل اليساري، لأن كل مرحلة تاريخية للتطور لها مشاكلها النوعية – فمثلا ثورة تقنية المعلومات لم تلغي كل البنى التقليدية من مصانع وعمالة فنية ولم تشطبها في بداية تبلورها كأن تنهار معها كما تخيل بعض المحللين المجتمعات الرأسمالية – لأنه كان متوقعا أن ترتفع مع هذه الثورة التقنية معدلات البطالة بشكل عالي، وفعلا هذا حدث الخ ولكن ثورة تقنية المعلومات أمتصت البنى التقليدية بأسلوب الهضم وإعادة التأهيل المتدرج، وصاحب نمو التقنيات العالية مشاكل نوعية جديدة فتحت الأبواب لوظائف تخصصية جديدة لصالح قوى العمل في المجتمع ودورة الإقتصاد، وهكذا عبر المؤامة والمشاكل النوعية المتجددة المتولدة من طفرة التجديد ومن طفرة التقنيات أمتد عمر الرأسمالية الغربية بينما أنهار الإتحاد السوفيتي المتحجر – وهذا المثال الأخير ينطبق على حزب الأمة في الأمس واليوم المصاب بمرض التحجر إلى حد التيبس!! أثناء كتابتي لهذه المقالة قرأت ما سطره الأستاذ إبراهيم منعم منصور – وموقف حزب الأمة والسيد الصادق المهدي من المصالحة الوطنية الشاملة التي تقدم بها كل من النميري والشيخ زايد آل نهيان عام 1999م – وشرح صاحب المقالة كيف أن السيد الصادق المهدي نسب لنفسه محتوى نقاط مذكرته وجلس بها الصادق المهدي لوحده في جيبوتي مع عمر البشير لكي يصطاد الفيل فأصطاد فأرة - كما قال إبراهيم منعم منصور!! ولقد أثبتت مقالته نقاط حيوية يجب ألا تفوت على السودانيين، مثلا أن من وقف في وجه المصالحة السياسية الشاملة 1999م هما علي عثمان وعلي الحاج، بينما تم تسريب دعاية تكتيكية مستمرة في العشرة السنوات التالية فحواها وقوف علي عثمان محمد طه مع تقوية أحزاب المعارضة والإنفتاح عليها في صراعه مع د. نافع علي نافع بينما الأخير يرغب في إضعافها!! هذه دعاية للتشويش لا غير - أرأيتم كيف يلعبون بعقولنا؟ وكذلك أثبتت المقالة أن موقف الشيخ حسن عبد الله الترابي من إعادة إرساء وتوطين الحريات عام 1999م هو موقف صدوق!! ولعلنا نشير هنا بعجالة أن الشيخ الترابي حمل ظلما كل أخطاء الجميع - أخطاء تلاميذه وأعدائه اللاحقين..فكيف يبرر على الحاج اليوم موقفه السابق من الليبرالية الديموقراطية الحزبية إن لم يكن رفضه تفعيلا وإنحيازا لتناقضاته الذاتية على حساب التناقضات القومية؟ وهنا نضع شرطا آخر من شروط المثقف المفكر الحقيقي وهو أن يدرك المثقف الحقيقي تناقضاته الذاتية بكفاءة ولا يسقطها على الواقع السياسي ويلبس على الناس وكأنها تناقضات وطنية وقومية!! هذا الشرط أعلاه في المثقف أو المفكر الحقيقي لم يستوفه علي عثمان محمد طه وعلي الحاج، لقد غلبا الإنتصار لتناقضاتهما الذاتية وحلها على حساب المصلحة الوطنية والقومية، ولكن كما سنرى في الفقرات التالية أن السيد الصادق المهدي حصل على الرقم القياسي في هذا المضمار – وجدير بأن يسجل في كتاب جينيس، فتاريخه السياسي بالكامل لصالح تناقضاته الذاتية، لذا خلق من نفسه ومن حزبه حالة قومية مرفوضة، لقد مله الشعب السوداني وبالرغم من ذلك تأخذ الأيام دورتها وينجح السيد الصادق المهدي في كل مرحلة تاريخية في تخدير الشعب السوداني برفع لواء الديموقراطية وينال قليلا من الثقة إلى حين. في الفقرات التالية سندرس معا ماذا فعل الصادق المهدي منذ مصالحة جيبوتي 1999م، وسنبحث عن أجوبة للسؤال التالي: هل لو دخل السيد الصادق المهدي وحزبه مشاركا في السلطة مع نظام الإسلاميين المنشق بعد مصالحة جيبوتي هل سيكون وضع السودان كما نراه اليوم؟ ولنبدأ بهذه المقدمة: دعا السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة في الورشة التي نظمها حزبه في يوم الأربعاء والخميس 13/14 يوليو 2011م إلى تجريم الإنقلابات العسكرية وضرورة إبتعاد الجيش عن السياسة، وكشف عن تسعة مبادئ دستورية، 1) السياسات الخاطئة والتيارات العنصرية التي راجت هي المسئولة عن أنها حققت للأعداء أغلى أمانيهم - إسرائيل، 2) ضرورة تحقيف التوازن الإجتماعي في جنوب كردفان، والنيل الأزرق ودارفور، 3) لابد من معادلة حول الدين والدولة والدين والسياسة – الدولة المدنية هي الحل، 4) ضرورة العدالة الإجتماعية - الفقر والعطالة والتظلم الجهوي في نقص الخدمات والتنمية، 5) الإهتمام بلبنات البناء الديمقراطي - الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، 6) تسكين أو تمكين المواثيق الدولية في دستورنا لأننا جزء من العالم، 7) المبادئ الأساسية للدستور هي: السيادة للشعب - فصل السلطات، : الجنسية: مقالة فيصل محمد صالح (ليس باسمنا) وهي مقالة يجب أن تقرأ ففيها توعية وإستنارة، 9) الولاءات القبلية والطائفية وغيرها قابلة للتطوير وفي هيئة الانصار قلنا تكون القيادة بالانتخابات لكن كل الولاءات السودانية تقريبا لا تزال متعلقة بمفاهيم السلطنة الزرقاء ما تعدتها للفصل بين السلطات – يجب تطورالمفاهيم لتقوم على المشاركة. وأهم شيء الفصل بين العسكرية والسلطة المدنية فقد أتى التعدي على حقوق الإنسان من هذا الباب. كلام جميل، أليس كذلك؟ ولكن عيبه أنه ألقي في محاضرة أو ورشة بعد عشرة سنوات من تلك المصالحة الجيبوتية، وما أسهل الكلام في المحاضرات وفي الورش؟ وكما سنرى ضيع السيد الصادق المهدي وحزبه عشرة سنوات في لا شيء، وكان عليه أن يستفيد من تلك المصالحة ويدخل مشاركا في السلطة بقوة ويقارع بحزبه المؤتمر الوطني بأسلوب الإغراق المنظم والدعائي للعناوين التسعة أعلاه، وتفعيل المزاحمة والمدافعة السياسية، وفضح الفساد بتحريك القضايا نحو المحاكم، ورفع شعار فصل السلطات، وحرمة المال العام الخ، ولكن الصادق وحزبه لم يشاركا ولم يفعلا ذلك!! قال تعالى: (وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) البقرة 251. وعن الامام الحسين عليه السلام حينما جاءه مروان ابن الحكم ابن العاص ناصحا له بيعته يزيد قال: (إليك عني يا عدو الله فإنا أهل بيت رسول الله (ص)، والحق فينا وبالحق تنطق السنتنا، وقد سمعت رسول الله (ص) يقول: الخلافة محرمة على آل أبي سفيان وعلى الطلقاء وأبناء الطلقاء، فإذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا بطنه، فوالله لقد رآه أهل المدينة على منبر جدي فلم يفعلوا ما أمروا به، قاتلهم الله بإبنه يزيد زاده الله في النار عذابا). كتاب الفتوح 5:17. لأبي محمد أحمد بن أعثم الكوفي (ت 314هـ / 926 م). ونحن لا نقول للسيد الصادق أن يفعل كما فعل الحسين عليه السلام بثورته العظيمة على الجبت والطاغوت كأن أهدى دمه قربانا لدين جده، ولا نقول للصادق المهدي كأن يرفع سيفه وبندقيته ويقاتل أهل الإنقاذ!! بل كان عليه أن يعمل بمقتضى الإتفاقية السياسية التي وقعها عام 1999م بجيببوتي!! لم يفهم السيد الصادق المهدي وقتها أن المؤتمر الوطني في ديسمبر من عام 1999م كان في أضعف حلقاته السياسية – لقد أعمت بصيرة الصادق المهدي عقلية رجل اللوبي الاقتصادي!! وعن مشروعه والورقات التي قدمت في الورشة قال السيد الصادق المهدي أنها مشروع إنقاذ السودان الحقيقي وليس إنقاذ 1989م: (اطمئنكم ان ما تقدمون من مقترحات لن تكون نظرية سوف نتبناها ونعمل على تسويقها لكل القوى المدنية والمسلحة. اذن توصياتكم لن تكون تمرينا نظريا بل هدفا تقف وراءه إن شاء الله قوى اجتماعية سودانية هائلة). لم ينسى الرجل إنقلاب 1989م الذي حطم مملكته، وكأن الشعب السوداني في إنتظاره عشرة سنوات لكي ينقذه السيد الصادق المهدي!! وكحزمة محاسبة تاريخية يجب أن نتذكر: التقاء السيد الصادق المهدي بالرئيس عمر البشير كان في 26 نوفمبر 1999م في جيبوتي وعقد حزب الأمة في هذا اليوم والشهر والعام اتفاق "نداء الوطن" مع النظام السوداني في الخرطوم (نداء الخرطوم = إبراهيم منعم منصور) تحت رعاية الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيلي – أي قبل أسبوعين من إنقضاض البشير على المجلس الوطني وحله، وقد حل البشير المجلس الوطني في 11 ديسمبر 1999م، أي في الرابع من رمضان الشهير. ولكن السيد الصادق المهدي لم يعد إلى السودان إلا في 23 نوفمبر 2000م، أي بعد سنة من توقيع الإتفاقية، بعد أن أطمأن أن الإنقسام الإسلامي هو حقيقة وليس تمثيلية من إخراج صهره وغريمه الدكتور الشيخ حسن الترابي – ولكان بعد فوات الأوان. موضوع الحدث السياسي بدلالة مصالحة جيبوتي تاريخ الحدث وملحوظات إتفاقية جيبوتي للمصالحة ما بين عمر البشير وحزب الأمة وهي نقطة القياس للأحداث التالية زمنيا 26 نوفمبر 1999م 15 يوم 272 يوم 362 يوم تلكؤ الصادق المهدي وتردده في أخذ قرار المشاركة من عدمه، وإنشطار حزبه إلى شظايا متعددة، وأتهامه المؤتمر الوطني زورا بالتسبب في ظاهرة تشظي حزبه. مصالحة حل المجلس الوطني (4 رمضان) 11 ديسمبر 1999م إنقسام الإسلاميين مؤتمر موسع ضم كل الطيف الإسلامي بما فيهم السلفيين السروريين 24 أغسطس 2000م مؤتمر موسع عودة الصادق المهدي للسودان نهائيا 23 نوفمبر 2000م عودة متأخرة تشكيل حكومة جديدة مؤلفة من أحزاب الفكة السياسية 01 مارس 2001م زيارة البشير للسعودية – وإنهيار برجي نيويورك 11 سبتمبر 2001م وقع عبد الله بن عبد المحسن التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء في المملكة السعودية على مذكرة تفاهم مع عشرة مؤسسات سودانية مدشنا عهدا جديدا مع حكومة السودان – بتخطيط وترتيب من عصام أحمد البشير. عصام أحمد البشير ربط السودان بالسعودية - ؟؟ أكتوبر 2001م (ملحوظة للمحرر يمكنك الإختيار ما بين الجدولين صورة أو الجدول بالورد والرجاء تنزيل أحدهما مع المقالة – هذه الملحوظة طبعا ليست للنشر.)
من هذه الخلفية التاريخية الصغيرة المدعومة بالجدول نرى أن رئيس الجمهورية عمر البشير كان في 26 ديسمبر من عام 1999م في أضعف حلقاته السياسية وأخذ يسعى إلى جمع الأنصار والمناصرين له أولا، وحتى أنه سعى لزيارة دول الجوار لنيل رضاهم، قبل أن يقدم على حل المجلس الوطني ويضرب صاحبه بالضربة القاضية – وكما يقال سعي للتحالف مع عدو عدوي كما يقول المثل. ذلك الوعاء التحالفي الممدود للآخرين من قبل عمر البشير - أي التحالف مع عدو عدوي - هرول نحوه جميع الغرماء من المجموعات المايكروسكوبية الصغيرة الأخرى لكي تملأوه، فهنالك مجموعة الصادق عبد الله عبد الماجد والحبر وعصام أحمد البشير، والطلقاء أمثال علي عبد الله يعقوب ومحمد يوسف محمد، وأنصار السنة المحمدية بجناحيه المتنافرين والحزب الكودي الجديد، وأجنحة الإتحادي الديموقراطي التي لا يقر لها قرار، ومجموعة المايويين الذين هم على إستعداد كامل لتقديم خدماتهم اللوجستية، وأجنحة حزب الآمة المنشقة - وكذلك لا ننسى إن نسينا شرائح السلفيين المتعددة ومنها مجموعة السروريين الجدد التي ستلعب بعد عقد من الزمان دورا ساحقا في الساحة السياسة السودانية. فماذا كان موقف الصادق المهدي وحزبه من هذا المشهد السياسي بدءا من 26 نوفمبر من عام 1999م عام توقيع الإتفاقية؟ لا شيء، لم يرجع الصادق المهدي للخرطوم إلا بعد سنة كاملة تنقصها ثلاثة أيام – وفي هذه السنة أعطى الصادق المهدي فرصة ذهبية للخفافيش لكي تمرر أجندتها على عمر البشير وحين حضر الصادق المهدي للخرطوم وجد كل المقاعد محجوزة!! وبلا شك لقد أنتظر عمر البشير الصادق المهدي طويلا ولم يحضر من جيبوتي – فأضطر أن يجمع تلك الأحزاب الفكة في 24 أغسطس 2000م في مؤتمر موسع وشكل منها لاحقا الحكومة الجديدة في الأول من مارس 2001م!! لم يجد الصادق المهدي حين رجع للخرطوم في 23 نوفمبر 2000م خيارا آخر سوى الإنعزال بحجج سياسية واهية والجلوس على مقاعد المتفرجين طوال عشرة سنوات تامة في المسرح السياسي – في إنتظار ان يأتي له النهر بجثث غرمائه عند نهاية المصب. نتابع مع السيد الصادق المهدي في الحلقة الثالثة. شوقي إبراهيم عثمان كاتب ومحلل سياسي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
نشر بتاريخ 31-07-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 31 يوليو 2011, 9:07 am | |
|
ومع ذلك .. ( أبداً ما هنت يا سوداننا يوماً علينا )
السبت, 30 تموز/يوليو 2011 13:56
الطاهـــر ســـاتي - إليكم
** أطول حدود بلادنا الحبيبة هي التي مع دولة الجنوب ( 1973 كلم)، وأقصرها مع ليبيا ( 383 كلم)، وإجمالي طول حدودنا (6780 كلم).. وأعلى نقطة ارتفاع هي قمة جبل مرة (3،024 متر)، وأدنى نقطة هي البحر الأحمر (صفر تحت سطح البحر).. والأرض الصالحة للزراعة (200 مليون فدان)، والمستغلة منها - بكل أسف- لم تتجاوز (20%)، أي (40 مليون فدان)، حيث المروية بالنيل والحفائر (11 مليون فدان)، أما المروية بالأمطار (29 مليون فدان) ..تحتل الغابات مانسبتها (11،6%) من مساحة البلاد (1،882،000 كلم)..والموارد المائية (30،8 مليار متر)، منها إيراد النيل وروافده (93 مليار متر)، ومع ذلك جملة الاستهلاك - زرعاً وشرباً - لا تتجاوز(18،7 مليار متر).. والدندر، وادي هور، الردوم، جبل الديار، جبل الحسانية، دنقناب، سنقنيب وراية باسندة هي أعظم المحميات الطبيعية ..!! ** تلك المعلومات هي بعض المدخل لكتاب (السودان أرض الفرص، معلومات وحقائق)، وهو سفر - من 60 صفحة - يضج بالتفاصيل التي يبحث عنها أي باحث عن سودان ما بعد انفصال الجنوب، أصدرته وزارة الإعلام وأعلنت عنه مساء الخميس الفائت بقاعة الصداقة..وبغض النظر عن بعض الأرقام المحزنة، فالكتاب ممتع بحيث يضع الوطن الحبيب - برغم جميع ما فيه ومن فيه - بين يديك بأرقام وحقائق ومعلومات ومشاهد غائبة عن الكثيرين، ولذلك قلت للأخ عادل الباز همساً : ( فصول الثانويات وقاعات الجامعات وأندية الشباب هي الأمكنة المناسبة لتدشين وتوزيع كتاب كهذا، وليست قاعة الصداقة)..نعم هناك أجيال بحاجة لمعرفة أن الفئة العمرية لما دون الـ(14 سنة) تبلغ نسبتها (43،2%)، وما بين (15/ 65 سنة) تبلغ نسبتها(53،4%)، ومافوق (65 سنة) تبلغ نسبتها(3،4%)، من جملة الكثافة السكانية (33،419،625 نسمة)، في وطن ترتيبه (35 عالمياً) و(3 عربياً)و(9 إفريقياً) في قائمة أعداد السكان..أي هي دولة شابة ونسأل الله أن يحفظ حماة المستقبل من كل شر وسوء، وهذا الكتاب يجب أن يكون في متناول يدهم يا سادة التعليم العام والعالي ..!! ** كما قلت، بالكتاب أرقام مزعجة، وهي الدليل بأن معلوماته لم تجمعها عيون الساسة ولكن جمعتها عقول العارفين، فالساسة يتقنون فن التلاعب بالأرقام المزعجة بحيث تبدو لناظرها (حاجة عادية)، ولكن بعض أرقام هذا الكتاب قالت الحقيقة (كما هي)..وغير مساحة الأرض المزروعة من جملة المساحة التي يجب أن تزرع، هناك أرقام تكشف (معدل الهجرة ) ،( معدل الوفيات)، (معدل النمو السكاني)، ( معدل سكان الحضر، وكذلك معدل سكان الريف)، ( متوسط حجم الأسرة)، ( معدل وفيات الأمهات والأطفال)، (معدل الخصوبة )، ( معدل انتشار الإيدز) ، وكذلك تعمق في التفاصيل بحيث وثق ( عدد المشافي، الحكومية والخاصة)، بل حتى المراكز الصحية..ومن الأرقام المزعجة ( حصة التعليم العام من الإنفاق الحكومي لم تتجاوز 12%)..وكذلك نسبة طلاب المساق الأدبي(68،19%)، مقابل (27،9%) هي نسبة طلاب المساق العلمي.. وللأسف نسبة طلاب المساق الزراعي - في بلدنا الزراعي - لا تتجاوز (0،03 %)، وكذلك المساق الصناعي لاتتجاز نسبته (1،16%)..وهناك تفاصيل ( عدد المدارس، الأساس والثانوي)، وكذلك عدد المعلمين والجامعات (العامة والخاصة) والكليات الجامعية..والاستثمار الأجنبي والصادر والوارد و..و.. بل حتى الجيش، تعداده (ضباطاً وجنوداً وفروعاً)..على كل حال، لقد وجدت كتاباً لن يريحني كثيراً عن البحث والسؤال فحسب، بل ملكني وطناً (بكل مافيه ومن فيه)، ولهذا يجب أن ينداح بحيث تحتفظ به كل أسرة سودانية.. شكراً لكل من كتب حرفاً وجمع رقماً والتقط مشهداً،لقد شرعت في التهام صفحاته والتحديق في صوره منذ البارحة بلسان حال قائل (مهما كان، سنحبك يا سودان).. نعم قد نحزن على حال أو نغضب من حال آخر، ولكن لم - ولن - نستبدل حبك بحب آخر أيها الوطن الجميل، وكل عام أنت - والأوفياء من شعبك - بألف خير
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 31 يوليو 2011, 9:14 am | |
|
تقنيات الطقوس القديمة
الأربعاء, 13 نيسان/أبريل 2011 16:30
الراي
د. فتح العليم عبد الله للعرب كما لغيرهم من الأمم، طقوس وتقاليد سادت بينهم، منها من انقضى ومنها ما بقي إلى يوم الناس هذا، مع بعض التحريف والتعديل الذي استوجبته الثقافة السائدة، على كل حال، فهي مثل الأمثال تكشف عن طبيعة التفكير والإيمانيات ونقاط الضعف في سلوك تلك المجتمعات. فمثلا كان العربي إذا أراد دخول قرية فخاف جنها أو وباءها وقف على مدخلها ثم نهق عشرا كما ينهق الحمار، لم يصبه شيء وقد جاء هذا الكلام بتفصيل دقيق في صبح الأعشى.
لو قدر لهذه العادة أن تستمر إلى يومنا هذا، لطلب الركاب من سائق البص أن يقف في النشيشيبة قبل دخول مدني أو السميح قبل الأبيض، فينزل الرجال من الجانب الأيمن للبص في مواجهة المدينة وينهقون عشر نهقات لكل، أما النساء فيأخذن الجانب الأيسر للبص ويفعلن ذات الشيء فقط بأصوات رقيقة أو حادة. أنا واثق من أن بعض السائلين سوف يتجمعون في هذه النقاط خارج المدن ويطلب الواحد منهم من الراكب ألا ينزل فقط عليه أن يدفع خمسة آلاف جنيه وينهق له السائل هذا بالوكالة، وعندما يغادر البص يلتفت السائلون خلفهم فيجدون ناس الضرائب. كذلك كانت من عادات العرب المتفشية جدا تعليق الأقذار النجسة نوعا من الوقاية من الجن والعين والأرواح الخبيثة، وزعموا كذلك أن هذا التنجيس يشفي من كل شيء إلا العشق. قال الشاعر: يقولون علق ـ يا لك الخير ـ رمة وهل ينفع التنجيس من كان عاشقا وبهذه المناسبة، الحب درجات مثل الرتب العسكرية، إذ يبدأ بالوله ثم الكلف ثم الوجد ثم العشق ثم الشغف وهو إحراق القلب بالحب مع لذة يجدها، ثم اللوعة ثم الغرام ثم الجوى ثم التتيم ثم الهيام وهو عند الأطباء ضرب من الماليخوليا. مع تقدم الثقافة والأدوات الكشفية، أتصور أن المخطوبين يمكنهم بعد حين الذهاب إلى أي معمل خاص بالمشاعر النبيلة ويطلبان فحص رتبة الحب في كليهما، وكثيرا ما تجد البنت قد وصلت الهيام والشاب ما زال يتأرجح بين الوجد والوله وربما وجد ملاريا فقط. كانت العرب تكوي الجمل السليم ليصح الأجرب كما كانوا إذا أوردوا البقر ولم تشرب إما لكدر في الماء أو لقلة العطش، ضربوا الثور ليقتحم الماء لأن البقر تتبعه كما تتبع الشول الفحل أو النحل لأميرها اليعسوب. وقالت العرب في ذلك إن الجن تمسك بالثور عن الماء كي تهلك البقر من العطش. هذه العادة موجودة الآن إلا أنها حورت «بضم الحاء وتسكين الواو» واستخدمها الناس لخدمة مآرب مختلفة كأن يفصل رئيس المصلحة أحد الفراشين فصلا مذلا دون أي ذنب جناه، فقط ليعتقد معاونوه بالمصلحة أنه حاسم وذو سطوة. أما عادة الرتم، فكانت تمارس في كل بيت نسبة لأنها تتعلق بكرامة وشرف الأسرة، كانت العرب إذا عزم أحدهم على سفر يعمد إلى شجرة فيعقد غصنين منها أو يعقد خيطا في ساق الشجرة فإذا عاد ووجد الخيط على حاله، علم أن زوجته حفظت غيبته وإن وجده محلولا علم أنها خانته دون أي شك، «والله الزمن ده يرجع الشدرة ذاتها ما يلقاها». من عادات العرب التي ما زالت سائدة إلى يومنا هذا وسط بعض قبائل البدو في الحجاز واليمن السعيد، هي شق الملابس أي إذا تبادل الشاب العشق مع فتاة شق برقعها وشقت هي رداءه، ويقولون إنهما إن لم يفعلا ذلك عرض البغض بينهما ودلل ذلك عبد بني الحسحاس بقوله: وكم قد شققنا من رداء محبر ومن برقع عن طفلة ليس عانس إذا شق برد شق بالبرد برقع من الحب حتى كلنا غير لابس للعشق هذا طقوس متعددة كما قيلت فيه فتاوى كثيرة وأشهرها تلك التي تقول: العشق خفي أن يرى وجلي أن يخفى، فهو كامن ككمون النار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى. والعشق يا سادتي، ليس بالضرورة أن يكون بين رجل وامرأة فهناك عشق الأصفياء للرسول صلى الله عليه وسلم والعشق للوطن وهكذا. هذا العشق يكون كامنا لا أثر له وربما يثور فجأة بسماع مدحة أو رؤية صورة لبلدك التي هجرتها سنين عددا. أخبرني الأخ شاكر، أنه بينما كان سائرا بعربته نحو مدينة أم درمان أوقفه شيخ نظيف وقور ذو ملامح نبيلة، فركب معه من باب فضل الظهر، وعندما استأنفت العربة انسيابها على الاسفلت، عمد السائق إلى الزر الذي يقع في الركن اليماني للمسجل فضغطه فانزلق الشريط إلى الداخل في عملية أشبه بوضع فك الأسنان الطبي على الحنك الأسفل. بدأت العربة تئز من صوت ضربات دليب الشمال المتميز، ثم تزامنت معه نقرات الطنبور التي بدأت تنبجس من كل خياشيم العربة وصدحت حنان النيل: أيامنا الزمان يا حليلن شاربات من هداوة الريف وارثات الجمال من نيلن عامرات في ليالي الصيف وفجأة صاح الشيخ أقيف أقيف يا زول!! وعندما وقفت العربة قفز منها الرجل ويده اليسرى على عمامته كي لا تسقط وقال وهو يضطرب على الرصيف: يا ود اخوي ما عوقتني شديد خلاص، واندس بين الجموع المتلاطمة بموقف الشهداء. نكبة بينما معاوية بن مروان واقف بدمشق ينتظر عبد الملك على باب طحان وحمار له يدور بالرحى وفي عنقه جلجل «جرس»، إذ قال للطحان لم جعلت في عنق هذا الحمار هذا الجلجل؟ قال ربما أدركتني سأمة أو نعسة فإذا لم أسمع صوت الجلجل علمت أنه قد وقف فصحت به. قال معاوية أرأيت إن وقف ثم فعل برأسه هكذا هكذا.. وجعل يحرك رأسه يمنة ويسرة ـ ما يدريك أنه يدور؟ قال الطحان ومن لي بحمار بعقل مثل عقل الأمير
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 31 يوليو 2011, 9:16 am | |
|
معادلات: علي يس
رمضانُ أقبل: «الوُسطاءُ» يمتنعون!!!
بتاريخ : الأحد 31-07-2011 09:04 صباحا
«أنا رسولُ الخاشعين إليك.. إنك لثقيل!!».. عبارةٌ قالها الأعمش أبو محمد سليمان بن مهران أحد كبار التابعين، لرجُلٍ من المتنطعين، قليل فقهٍ وعريض ادِّعاء، أمَّ بالصلاة أُناساً فيهم الأعمش رضي الله عنهُ، فبالغ في الإطالة، فلما انصرف عنها عاتبهُ الأعمش على الإطالة، فكان ردُّ الرجُلِ، وقد اتخذ سمت العُلماء وديباجة الفقهاء، أن زأر في وجه الأعمش وقد ظنهُ أحد المساكين ممن يخدعهم التنطُّع أو يُحرجُهم الإدعاء:«وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين»!! ولو كان غير ذلك العالم الجليل والفقيه البصير، الذي قال فيه السخاوي: «لم يُرَ السلاطين والملوك والأغنياء في مجلس أحقر منهم في مجلس الأعمش مع شدة حاجته وفقره»، أقولُ: لو كان غير الأعمش لربَّما أرهبهُ أو أحرجهُ ذلك الرد المأخوذُ مباشرةً من كتاب الله العظيم، ولكن الأعمش ليس ممن يتصالحُ مع التنطُّع أو يخدعُهُ تعالُمُ الجهلة، فكان ردُّهُ الذي حفظهُ لنا التاريخ : «أنا رسولُ الخاشعين إليك، إنك لثقيل!!».. وحيثما شحَّ الفقهُ، شاع التنطُّعُ في الدين، وكُثرٌ أولئكَ الذين يزايدون على الله تعالى علواً كبيرًا وعلى رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في دين الله، فيتوهمون في أنفسهم من العلم والفقه والتقوى ما لا يرومهُ سواهم.. وأعظمُ مداخل الجهلة إلى التنطُّع كلماتُ حقٍّ لا يفقهون مرامها، مثل «تعظيم شعائر الله»، وفي ما حولنا من صنوف التنطُّعِ ما يضيقُ عنهُ الحصر، وفي بعض مزاعم المتنطعين ما يُوهمُ وأحياناً يُحرجُ الدولة التي لم تستمد شرعية وجودها إلا من هذا الدين، إلى سياساتٍ هي ليست في الدين إلا تنطُّعاً!! ولعل من ذلك ما ظللنا نشهدُهُ كلما أهلّ رمضان، في الأسواق التي هي معابر المسافرين ومجامع المستشفيات وعيادات الأطباء من منعٍ تامٍّ أن يُباعَ مأكلٌ أو مشربٌ في نهار رمضان، مع أن الله تعالى، الذي كتبَ الصيام وفرضه ، رخَّص للمريض وللمسافر وللنساءِ في معظم حالهن من حملٍ وإرضاعٍ وغير ذلك، رخص لهُم الإفطار في نهار رمضان بلا حرجٍ، كما لم يكتب الصوم أصلاً على غير البالغين، تُرَى هل يظُنُّ المتنطِّعُون أولئكَ أنهُم أحرص من الله تعالى على صيام الناس؟ أم أشدُّ تعظيماً لشعائر الله من الله ذاته؟؟ الله لم يأمُر بإغلاق المطاعم، كما لم يأمُر حتَّى بعقابٍ دنيوي للمُفطِرِ بلا عُذرٍ، لأن الصوم دون سائر العبادات هُو أمرٌ بين العبد وبين ربه، لم يفوِّضِ اللهُ أحداً من عباده بالغاً ما بلغ، أن يُراقب لهُ صوم الصائمين أو إفطار المفطرين، وبحسب الدولةِ إثماً أن يعبر السوق طفلٌ مسافرةٌ أمه، فلا تجدُ لهُ طعاماً أو شراباً لأن المطاعمَ مغلقةٌ بأمر الدولة و«تعظيماً لشعيرة الصوم»!!!، وبحسبها إثماً ألّا يجد مسافرٌ يعبر السوق مكاناً يجدُ فيه طعاماً رخَّصه الله لهُ، لأن بعضهم يزعُمُ أن إغلاق المطاعم في رمضان من تعظيم شعائر الله!! «وحُجَّةُ بعض من يزعُمُ ذلك طبعاً أن فتح المطاعمِ استفزازٌ لمشاعر الصائمين وتعريضٌ لهم إلى الفتنة عن صومهم، إذاً: ما أهونهم وأهون صيامهم!! مع أن إحدى أعظم الحِكم في فريضة الصوم هي تعويدُ المسلم على الصبر، ولا يكُونُ صبراً إن لم يجد الناس الطعام والشراب أمام أعينهم، بل بين أيديهم، ثم يصومون!! ولو لم يصُم الصائمُ إلا أن يجد الجميع حولهُ صائمين، وجميع المطاعم مغلقة، فإنهُ لا يكونُ صوماً عندها، بل يكونُ عادةً اعتادها مرةً كل عام !!».. ما أكثر الثقلاء والمتنطعين في أيامنا هذه!! تكادُ تجدُ في كُلِّ حيٍّ من أحيائنا ثلة من المتنطعين، يُصرُّونَ إصراراً على إرغام الحي كله رغم أنفه على الاستماع إلى كل هابٍّ ودابٍّ يعوي عبر مكبرات الصوت في المساجد، في أي وقتٍ شاء، ويظُنُّون أنهُ ما دام قولُهُم هو في «ما قال الله وقال الرسول» فلا بأس من إرغام كل أهل الحي، عبر مكبر الصوت القوي، على سماع ما يُقال، شاءُوا أم أبَوا!! ولكن، يا شيخ، إذا كان من حق من يستمع إلى إذاعة القُرءان الكريم، كتاب الله نفسه، أن يُدير مفتاح المذياع فيغلقه وقتما شاء، دون حرجٍ، فكيف تُرغم أمةً من جيران مسجدٍ، فيهم المريضُ، وفيهم الذي يشغلُهُ ذكرٌ أو صلاةٌ نافلةٌ في بيته، وفيهم الدارسُ وطالبُ العلم الذي يستذكِرُ دروسه، على أن يَدَعُوا كلَّ شأنهم ويستمعُوا إلى ناعقٍ يعلمُ اللهُ وحدهُ نصيبهُ من العلم أو قسمهُ من الفقه، فإن قُلت: «أنا لم أُرغم أحداً، ولينصرفُوا إلى شؤونهم إن شاءُوا»، فكيف تظُنُّ أن استخدام مكبرات الصوتِ القوية ليس إرغاماً على الاستماع، مع أنَّ مجرَّد تلاوة القُرءان في المسجدِ بصوتٍ مسموعٍ لعُمَّار المسجد من المصلين، هُو مما كرهه الفقهاء لما فيه من شغلٍ للمصلي عن صلاته!!.. إن من واجب وزارة الإرشاد، ومن واجب أمانة العقيدة والدعوة أن تنتبه إلى أمثال هذا التنطُّع الذي يضِرُّ بالدين ولا يصلحُهُ، ولو كان مما يُقِرُّهُ الدين إلهابُ مكبرات الصوت القوية في المساجد بصوت كل من بدا لهُ أن يعظ، لكان أولى المساجد بذلك مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ولكن من صلَّى في ثاني الحرمين يعلَمُ أن عُلماء مدينة الرسول، على علوِّ قدرهم، يجلسُ من أراد منهم أن يُعلِّمَ أن يعظ، في جانبٍ من المسجد، وبصوته المجرد من أي مكبر صوتٍ يقدم دروسه أو مواعظهُ لمن أراد ممن يحيطون به!! فكيف يظُنُّ متنطِّعُونا أن مساجدنا هذه أولى من مسجد الرسول بإرسال خُطب الثرثارين عبر مكبرات الصوت إلى الحي بأكمله؟؟ ثمة الكثير من صور التنطُّع في هذا الدين، كُنا نظُنُّ أو من وظائف «العُلماء» أن يُحذِّرُوا منها، غير أنَّ معظم من نراهُ من ذلك التنطُّع، هُو مما يدعُو إليه ويُعينُ عليه بعضُ من يسميهم الناس، بل الدولة ذاتها، أحياناً، تسميهم «عُلماء»!!!
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 31 يوليو 2011, 9:37 am | |
|
منقول من سودانايل الرأسماليون الإسلاميون: (1-2) ماذا يفعلون فى الحركة الإسلامية؟ د. التجاني عبد القادر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] (1) أشرت فى مقال سابق إلى إرهاصات تحول إستراتيجى وقع فى مسار الحركة الإسلامية، وذكرت أنه صار يتجسد سياسيا فى تحالف ثلاثى بين "القبيلة" و"السوق" والذهنية الأمنية"، ثم تحدثت فى مقالين تاليين عن هذه الذهنيةالتى هيمنت على التنظيم وحولت سائر نشاطه الى ملفات أمنية، وأريد فى هذا المقال أن أتحول الى السوق، لنرى ظاهرة أخرى تتمثل فى "الذهنية" التجارية وفى العناصر الرأسمالية التى صارت هى الأخرى تنشط وتتمدد حتى كادت أن "تبتلع" الجزء المتبقى من تنظيمنا الإسلامى الذى لم ننضم اليه أصلا الا فرارا من الرأسمالية المتوحشة. ولما كان الشىء بالشىء يذكر، فقد كتب صديقنا عبد المحمود الكرنكى،الصحفى والملحق الإعلامى السابق بلندن، كتب ذات مرة فى أوائل الثمانينات مقالا لصحيفة الأيام تعرض فيه بالنقد لممارسات بعض "أخواننا" العاملين فى بنك فيصل الإسلامى. كانت رئاسة الصحيفة قد أوكلت آنذاك، ابان ما عرف بالمصالحة الوطنية، الى الأستاذ يسين عمر الإمام. وقبل أن ينشر الموضوع وصل بصورة ما الى الدكتور الترابى، فلم يعجبه وطلب من الكرنكى أن يعرض عن نشره، على أن يبلغ فحواه الى "أخوانه" فى البنك على سبيل النصيحة. قال له الكرنكى: لن أنشر الموضوع احتراما لرأيك، ولكنى لن أتقدم بأية نصيحة لأحد. ولما سأله الترابى عن سبب ذلك، قال له: هب أنى تقدمت اليهم بنصيحة، ثم تقدم اليهم "الأخ" الطيب النص بنصيحة أخرى، فبأى النصيحتين يأخذون؟ وكان الطيب النص آنذاك من التجار/المستثمرين الكبار الذين يحبهم مديرو البنوك، ويطيلون معهم الجلوس، ويولونهم إهتماما لا يولون معشاره لأقوال الصحف والصحفيين، خاصة الفقراء منهم. وقد أحس الكرنكى بذلك وأدرك أولا أن بعض "أخواننا" قد داخلهم "شىء ما" أفقدهم القدرة على تذوق النصيحة "الناعمة" والموعظة الحسنة، كما أدرك ثانيا أن العلاقة بين التنظيم والسوق، والتى يمثل(اكس) "همزة الوصل" فيها، قد بلغت من القوة مبلغا لا تجدى معه المواعظ الأخوية والنقد السرى. والسيد (اكس) ليس هو التاجر المجرد، وانما هو تاجر"إسلامى"، وهو حينما يذهب الى موظفى البنك "الاسلامى"، أو الى العاملين فى مرافق الدولة لا يذهب كما يذهب عامة التجار وانما يذهب ومعه هالة التنظيم، ليتوصل الى مصالحه الخاصة، وهذا هو مربط الفرس وبيت القصيد، أى أن "المصالح الخاصة" التى تتخذ لها غطاء من "التنظيم" هى محل الإشكال وموضع النظر فى هذا المقال. والسؤال هنا: كيف بدأت العلاقة بين التنظيم والسوق؟ وفى أى اتجاه تطورت، والى أى شىء يتوقع لها أن تقودنا؟ أظن أن بداية هذه العلاقة تعود الى فكرتين بسيطتين احداهما صحيحة والأخرى خاطئة. أما الفكرة الأولى الصحيحة فهى أن اصلاح المجتمع السودانى أو اعادة بنائه على قواعد الاسلام وهديه(وذلك هو الهدف الأساسى للتنظيم) يستلزم تجديدا فى الفكر الاسلامى ذاته، تتمخض من خلاله رؤية تحريرية-تنموية، يتوسل بها لانتزاع الإنسان السودانى من براثن الجهل والمرض والفاقة، وذلك من خلال بناء نماذج فى التنظيم والقيادة، ونماذج فى المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والتربوية تكون كل واحدة منها "بؤرة إشعاع" يلتقى فيه الهدى الدينى، والعرف الإجتماعى، والخبرة التقنية،والقيادة الرشيدة. ولكن العمليات البنائية هذه لا تكتمل إلا بتنظيم دقيق ومال وفير، فهما وسيلتان أساسيتان من وسائل التحرر والنهضة الإجتماعية الإسلامية، ولكن لا ينبغى للوسيلة "التنظيم" أن تتحول الى هدف، كما لا ينبغى أن تكون للعاملين على تحقيق هذه الوسائل "أجندة خاصة"، كأن يتحولوا هم الى أغنياء ثم يتركوا التنظيم والمجتمع فى قارعة الطريق. أما الفكرة الثانية الخاطئة فهى أن "التنظيم" لا يكون قويا الا اذا صار غنيا، ولن يكون التنظيم غنيا فى ذاته وانما يكون كذلك اذا استطاع أن يأخذ بعض المنتسبين اليه "فيصنع" منهم أغنياء، بأن يضعهم على قمة المؤسسات الإقتصادية:مديرون لبنوك، ورؤساء لمجالس الإدارات والشركات، ومستشارون قانونيون، وفقهاء شرعيون ملحقون بالبنوك، فيصير هؤلاء أغنياء ليس عن طريق الرواتب الكبيرة والمخصصات السخية فحسب وانما عن طريق السلفيات طويلة الأجل، والقروض الميسرة، والمعلومات الكاشفة لأوضاع السوق ولفرص الإستثمار. هذه الرؤية الخاطئة لم أستطع أن أتحقق من مصدرها بعد، ولكنى أذكرها لأنها صارت رؤية سائدة وذات جاذبية كبرى، وكان من نتائجها أن تولد لدينا "مكتب التجار"، ليكون بمثابة الأصابع التنظيمية فى السوق، ثم تحولت "إشتراكاتنا" الصغيرة الى شركات(كيف؟ لا أدرى)، ثم صارت كل شركة صغيرة تكبر حتى تلد شركة أخرى، ولما لوحظ أن عددا كبيرا من العضوية الإسلامية ميسورة الحال يوجد فى السعودية وفى دول الخليج الأخرى، أنشأ "مكتب المغتربين"، ليقوم بجمع الاشتراكات، ثم تحولت وظيفته بصورة متدرجة الى ما يشبه الوساطة التجارية والوكالة والإستثمار. ولما لوحظ تكرر المجاعات والكوارث فى السودان، أنشئت أعداد من المنظمات الخيرية التى تهتم بالعون الإنسانى، ولكنها تركت لأصحاب العقلية الرأسمالية التوسعية، فصار القائمون عليها فى كثير من الأحيان ينحدرون من الشريحة التجارية ذاتها؛ الشريحة التى تتخندق فى البنوك والشركات والمكاتب التجارية. ثم جاءت ثورة الإنقاذ، فكانت تلك هى اللحظة التأريخية التى وقع فيها التلاحم الكامل بين الشريحة التجارية المشار اليها، والمؤسسات الإقتصادية فى الدولة، فمن كان مديرا لبنك البركة صار وزيرا للمالية والإقتصاد، ومن كان مديرا لبنك فيصل صار محافظا لبنك السودان المركزى، ومن كان مديرا لشركة التأمين الإسلامى صار وزيرا للطاقة، فاذا لم يصب فيها نجاحا خلفه عليها مدير بنك التضامن أو بنك الشمال الإسلاميين، الى غير ذلك من وزراء الدولة ووكلاء الوزارات. وكل من هؤلاء لم يعرف لأحدهم أسهام أصيل فى الدراسات الإقتصادية، أو رؤية عميقة للتنمية الإسلامية، ولكن كل هؤلاء يعرف بعضهم بعضا معرفة شخصية، وكانت لهم ذكريات مشتركة فى المدارس، أو فى العمل التنظيمى، فصاروا يديرون الإقتصاد السودانى كأنما هو شركاتهم الخاصة، وتحولوا تدريجيا الى نخبة حاكمة مغلقة، فاذا خرج أحدهم من وزارة أعيد الى وزارة أخرى أو أعيد الى "مملكته" السابقة، أو أوجدت له شركة خاصة للاستشارات أو المقاولات أو الإنشاءات، وذلك ريثما يخلو أحد المقاعد الوزارية، فى تطابق تام مع نظرية "تدوير النخبة الحاكمة" التى قال بها عالم الاجتماع الأمريكى رايت ميلز وآخرون. وبهذه الطريقة تم تمرير وتسويق المفاهيم الرأسمالية وتوطينها فى برامج الدولة والتنظيم، وبهذه الطريقة سدت المنافذ لأية محاولة جادة لبلورة مذهب اسلامى أصيل فى التنمية الإقتصادية،وبهذه الطريقة تحول التنظيم الى ما يشبه "حصان طروادة" يشير مظهره الخارجى الى صرامة المجاهدين وتقشف الدعاة، أما من الداخل فقد تحول الى سوق كبير تبرم فيه الصفقات، وتقسم فيه الغنائم، دون ذكر لتجديد الفكر الإسلامى أو لنموذج التنمية الإسلامية الموعودة، وبهذه "الطريقة" صار أفراد هذه الشريحة أغنياء بينما ترك "التنظيم" ليزداد فقرا وتمزقا،بل إن عامة العضوية ظلوا فقراء مثل عامة الشعب برغم الشركات الكثيرة التى تم توزيعها بين المؤتمرين الوطنى والشعبى؛ الشركات التى أسست باسم الإسلام ومن أجل نصرة الفقراء والمستضعفين. (2) وما الغضاضة فى ذلك، يقولون، ألم يعمل النبى عليه السلام فى التجارة، وكان بعض الكبار من أصحابه تجارا، وأن التجار قد نشروا الإسلام فى بقاع العالم، وبفضل من أموالهم ترسخت دعائم الحضارة الإسلامية قرونا؟ ألم يساهم هؤلاء الرأسماليون الإسلاميون فى انجاح مشروع الانقاذ الوطنى، وفى تثبيت الحكومة فى أيامها الصعبة الأولى حينما قبض الناس أيديهم؟ أليست التجارة هى أحد ركائز التنمية؟ والإجابة على كل هذا: اللهم نعم، ولو شئنا الإستطراد فى اتجاه المبادىء والمثال لقلنا أكثر من هذا، على أن الاعتراض ليس على مبدأ التجارة ولا على صيرورة بعض الناس أغنياء(إذ نعم المال الصالح للعبد الصالح)، ولكن الإعتراض يتركز حول "الكيفية" التى صاروا بها أغنياء، أى ان الاعتراض ليس على "الثروة" فى ذاتها، ولكنه على استغلال "للعلاقات والمعلومات" التنظيمية (رأس المال الإجتماعى)) وتحوير اتجاهها وتسخيرها لتأسيس الشركات الخاصة ولتعظيم أرباحها، ولتأمين الحياة لأبناء النخب الحاكمة، ولأصهارهم وأبناء عمومتهم وأعيان قبائلهم،هذا هو المال غير الصالح الذى يتحكم فيه غير الصالحين، كما يفهم من الحديث النبوى بمفهوم المخالفة. الإعتراض إذن ليس على وجود شريحة من الأغنياء فى داخل الحركة الإسلامية، إذ لو تكونت تلك الثروة بطريقة مستقلة عن "التنظيم"(كما هو حال بعض الإسلاميين) لما حق لأحد أن يتساءل، وذلك على مثل ما يحدث فى المجتمعات التى شهدت ظاهرة الإقطاع، حيث لا يوجد معنى للسؤال عن "كيف" صار بعض الناس أغنياء، لأن المجتمع تكون "تأريخيا" من "الفرسان النبلاء" الذين اغتصبوا الأراضى عنوة بحد السيف، وظلوا يتوارثونها جيلا بعد جيل تحت حماية القانون ومباركة العرش، فأكسبتهم تلك الملكية قاعدة اقتصادية راسخة، ووجاهة اجتماعية ونفوذا سياسيا لا يضارعهم فيها أحد. أما فى حالة المجتمع السودانى، وفى حالة الحركة الإسلامية السودانية بصورة خاصة فلم تكن توجد طبقة من النبلاء الأرستقراطيين ملاك الأراضى(أو الباشوات)، اذ أن الغالبية العظمى من الشعب لم تكن تملك شيئا، كما أن الغالبية العظمى من عضوية الحركة الإسلامية جاءت اما من أدنى الطبقة الوسطى، من شريحة الموظفين محدودى الدخل، واما من الشرائح الاجتماعية الفقيرة القادمة من قاع المجتمع ومن هوامشه الاقتصادية. يتذكر كاتب هذا المقال أنه فى أواسط السبعينيات من القرن الماضى كان تنظيمنا يعمل من تحت الأرض، وأردنا أن نجد "أماكن آمنة" فى مدينة الخرطوم نخفى فيها أعضاء اللجنة التنفيذية لإتحاد طلاب جامعة الخرطوم من أجهزة الأمن التى كانت تطاردهم، فكان عدد الذين يملكون منازلا خاصة بهم (تتسع لاستضافة ثلاثة أشخاص أو أكثر) يعدون على أصابع اليد. وأذكر أن أحد أخواننا الذى امتاز بالسخرية والدعابة كان لا يخفى تذمره من البقاء فى المنزل العائلى المتواضع الذى استضيف فيه، فاذا سألناه قال: كيف أبقى هنا وكلما أردت الحمام هرعت الى الشارع لأبحث عن سيارة للأجرة. أما الآن فقد صار كثير من هؤلاء يمتلكون البنايات الطويلة، التى تقدر أثمانها بما لا نستطيع له عدا، وتدخل منزل أحدهم فترى ما لم تكن تسمع به حتى فى بيوت الباشوات، وتسأل أحدهم من أين لك هذا فيقول من "استثماراتى"، ماطا شفتيه بالثاء، ولا يذكر أنه الى عهد قريب كان يسكن بيتا من الجالوص الأخضر. فالسؤال إذن عن "الكيفية" التى تحولت بها هذه "البروليتاريا الإسلامية" إلى ما يشبه حالة البرجوازية سؤال مشروع، اذ أن كثيرا منا لم يأتِ الى الحركة الاسلامية، ويفنى زهرة شبابه فى خدمتها من أجل الحصول على الثروة ولكن من أجل العدل الإجتماعى، اذ أن قضية العدل الاجتماعي هي القضية الأم التي لم ينفصل الإسلاميون عن أحزابهم التقليدية وطرقهم الصوفية، ومجموعاتهم العرقية، الا من أجلها،كما لم يتصلوا بالحركة الإسلامية الا من أجلها.ولكن ما تقدم من سرد يشير الى أن قضية العدل الإجتماعى لم تعد هي القضية الأم في النموذج الراهن، وذلك لأن الفئات الثلاث التى يقوم عليها النموذج: الشريحة الرأسمالية المتحالفة مع القوى الأمنية والبيروقراطية فى داخل الدولة، ومع القوى القبلية فى خارجها، لم يعد لواحدة منها هم والتزام بقضية العدل الاجتماعي، فبيروقراطية الدولة لا يمكن أن تسعى في تحقيق العدل الاجتماعي لأنها لم تنشأ "تأريخيا" من داخل المجتمع، كما أنها لم تستطع فى عهد الإنقاذ أن تتحول الى نخبة "رسالية" مهمومة بقيم الدين، فلا هي إذن تعبر تعبيراً صادقا عن رغبات ومصالح "الناس" ، ولا هى تجسد قيم الكتاب، فهي مجروجة لانقطاعها عن الكتاب من جهة، ولابتعادها عن الناس من جهة ثانية، ولانحباسها في مصالحها وامتيازاتها ولانصياعها للشريحة الرأسمالية من ناحية ثالثة. وهذا على وجه الدقة هو ما يجعل أجهزة الدولة ومؤسساتها الإقتصادية أدوات طيعة تسخر لتحقيق مصالح المستثمرين والتجار (المحليين والعالميين) دون مراعاة جادة لمصالح الفئات الأخرى في المجتمع. وهو ما يؤكد القول بإن هناك تحالفاً مصلحياً بين بيروقراطية الدولة والشرائح الرأسمالية المتحكمة. وهو ما يوضح بصورة مباشرة لماذا صار بعض الثقات من الإسلاميين يوضعون مواضع الظنون والشبهات حينما يوضعون في المواقع العليا في بيروقراطية الدولة، ليس لأن هذه المواقع مسكونة بالشياطين، ولكن لأنها موصولة بمجموعات قرائبية/قبلية متضامنة، وبشبكات تجارية مترابطة ذات قدرة على الحركة والالتفاف تجعل الموظف أو الوالى أو الوزير يدافع عن سياساتها ومصالحها أكثر من دفاعه عن النموذج الإسلامى وعن المستضعفين من الناس. فالحديث إذن عن الشريحة الرأسمالية هذه لا يأتى من قبل الحسد أو الغبن، كما قد يتوهم بعض الناس، وانما يأتى الحديث عنها لأنها صارت تشكل مسار الحركة الإسلامية، وتحدد اختياراتها، واذا لم تتدارك الحركة الاسلامية أمرها بصورة جادة فانها سرعان ما تجد نفسها منقادة بقوى السوق، وسيكون أرقى مكاتبها هو مكتب التجار، وستكون أنشط عناصرها هم المقاولون ورجال و(سيدات) الأعمال، الذين يكون انشغالهم بالأرصدة والصفقات أكثر من انشغالهم بالكتاب وبالناس وبالقسط الاجتماعي، وسيصعب عليهم الاستماع الى النصائح الناعمة من أى أحد حتى ولو قرأ عليهم كل ما كتب فى أبواب الزهد والقناعة. أما القضايا الإستراتيجية الكبرى، مثل قضايا الحرب والسلام، والعلاقات الإقليمية، والسياسيات الخارجية، فستتحول في غيبة الجماعات العلمية القادرة، والمجالس التشريعية الحاذقة إلى ملفات أمنية أو إلى صفقات تجارية، وفي كلتا الحالتين فستتولاها مجموعات "أمسك لي واقطع ليك"، وهى مجموعات "براغماتية" نبتت فى داخل الحركة الاسلامية، يطيل أحدهم اللحية، ويتسربل بالملفحة الفخمة، ثم يخوض فى أسواق السياسة والإقتصاد على غير هدى أو كتاب منير.أما قضايانا الأساسية مثل تجديد الفكر الاسلامى، وبناء المناهج والنماذج، وبلورة الرؤى، وتأهيل الكوادر، ونشر الوعى، واحداث التنمية فستترك لشعراء المدائح النبوية، وللوعاظ المتجولين، ولوزارة الأوقاف والشؤون الدينية إن وجدت، ولا حول ولا قوة إلا بالله. يقول الغزالى: اعلم أن الله عز وجل اذا أراد بعبد خيرا بصره بعيوب نفسه، فمن كانت بصيرته نافذة لم تخف عليه عيوبه، فاذا عرف العيوب أمكنه العلاج، ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم، يرى أحدهم القذى فى عين أخيه ولا يرى الجذع فى عين نفسه...وكان عمر رضى الله عنه يقول:رحم الله امرءً أهدى إلى عيوبى، وكان داود الطائى قد اعتزل الناس فقيل له:لم لا تخالط الناس؟ فقال: وماذا بأقوام يخفون عنى عيوبى؟ ثم يقول الغزالى: وقد آل الأمر فى أمثالنا الى أن أبغض الخلق إلينا من ينصحنا ويعرفنا عيوبنا(الإحياء:كتاب رياضة النفس وتهذيب الأخلاق ومعالجة أمراض القلوب). .................
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 31 يوليو 2011, 9:39 am | |
|
الرأسماليون الإسلاميون: ماذا يفعلون فى الحركة الإسلامية؟(2-2) د. التجاني عبد القادر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] (3) كنت أقف ذات مرة أمام شباك الزكاة بإدارة المغتربين بمطار الخرطوم استكمالا لإجراءات تأشيرة الخروج.سألنى الموظف باحترام ظاهر عن مقدار راتبى الشهرى، وقبل أن أنطق بشىء لكزنى الشخص الذى كان يقف خلفى فى الصف لكزة ذات معنى،ولما التفت اليه قال بنبرة حازمة: لا تخبره بكل المرتب، قل له أن مرتبى ألفين أو ثلاثة، أصلو ديل....، ثم قال كلمة جعلت موظف الزكاة يشيح بوجهه.دفعت الزكاة كاملة والرسوم وبعضا من متأخرات الضرائب ثم خرجت وأنا أشعر بغصة فى حلقى. صحيح أننى ذهبت لشباك الزكاة لأنى كنت محتاجا مثل غيرى لتأشيرة للخروج، ولكن الصحيح أيضا أننى كنت على قناعة بوجوب الزكاة باعتبارها عبادة فى ذاتها، وباعتبار أنها قد شرعت من أجل الفقراء والمساكين الذين قد تخرجهم اضطرابات المعاش، أو تشوهات الأسواق، أو طغيان رأس المال، قد تخرجهم من دورة الاقتصاد وتوقعهم فى ذل الحاجة،أو تدفعهم فى طريق الرذيلة أو الجريمة، فيريد صاحب الشرع من خلال نظام الزكاة أن يسد حاجاتهم الأساسية، وأن يحفظ كرامتهم الانسانية، حتى يتمكنوا من الاندراج مرة أخرى فى دورة الاقتصاد.قلت فى نفسى: لماذا غابت هذه "الرؤية" وحلت مكانها "صورة" سلبية عن الزكاة وعن العاملين عليها؟ هل يعود ذلك أيضا الى عدم الشفافية والصدق؟ اذ يرى الناس دقة وانضباطا فى "تحصيل" الزكاة ولكنهم لا يرون مثل تلك الدقة والانضباط فى "توزيعها"، يرى الموظف أن الزكاة تؤخذ منه على "دائرة المليم" ولكنه حينما يذهب الى قريته ويتعلق به الفقراء والمساكين وأولو القربى، فلا يصادف منهم من تلقى شيئا من الزكاة طيلة حياته الدنيا، فيقول فى نفسه: اذا كانت زكاتى لا تكفى فأين زكاة العمارات والمصانع والماكينات والفنادق والشاحنات والطائرات، ثم أين زكاة الذهب والنفط، ألم يقل سبحانه وتعالى(يأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما رزقناكم ومما أخرجنا لكم من الأرض)، أليس النفط "ركازا" أخرجه الله من الأرض، أو ليست زكاة الركاز الخمس(20%) كما ورد فى الحديث؟ على أن الزكاة مهما تنوعت مصادرها وتكاثرت أقدارها ووزعت بالقسط ليست الا جزءا من رؤية اجتماعية-اقتصادية متكاملة؛ رؤية يعلو فيها الإنسان والعمل على المال، ويغلب فيها التضامن والتكافل على المحاصصة والأثرة، رؤية منحازة للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، فهل نحن نملك هذه الرؤية؟وهل نحن جادون فى تطبيقها؟ سؤال نوجهه الى أنفسنا فى الحركة الاسلامية، ثم الى "الفريق" من مفكرينا الاقتصاديين وعلمائنا الشرعيين الذين ظلوا على رأس المصارف الإسلامية وديوان الزكاة وهيئة الأوقاف ووزارة المالية والتخطيط الإقتصادى ردحا من الزمن. هل منهم من يملك بالفعل رؤية إسلامية للاقتصاد، أم أن جل ما يعتمدون عليه هو صيغة "المرابحة" التى عثروا عليها جاهزة فى حاشية ابن عابدين فصارت وصفة سحرية تستخدمها البنوك الاسلامية فى تعظيم أرباح عملائها من الرأسماليين، ثم أضافوا اليها فتوى بعض علماء الأزهر بوجوب أخذ الزكاة من الموظفين دون انتظار الحول، ثم أضافوا لهما "روشتة" البنك الدولى برفع الدعم وتحرير الأسعار، أهذا هو الإقتصاد الإسلامى؟ ان السؤال عن البعد الإسلامى فى السياسات الاقتصادية(ولا أقول البديل الاسلامى)ليس من نوافل القول أو فضول الكلام، وانما هو سؤال يتعلق بعلة وجود الحركة الاسلامية ذاتها كحركة اجتماعية-سياسية تتصدى للاصلاح والنهضة، غير أن الفريق الاقتصادى الحاكم، مثله مثل الفريق الأمنى، لا يهتم كثيرا "بالمرجعية الإسلامية"، ويعتبر ما نقوله ضربا من "الكلام الفارغ"، ولقد هالنى أن اطلعت ذات مرة على مقابلة مع واحد من القيادات الإقتصادية الاسلامية. كانت المقابلة تهدف لقراءة "ذهنية" النخبة الإسلامية المتحكمة فى القطاع الإقتصادى، وذلك أهم عندى من قراءة الأرقام التى يحيلوننا اليها، اذ بدون معرفة "الذهنية" يصعب علينا أن نتعرف على مرامى السياسات والخطط. كان السؤال المحورى فى المقابلة: ما معنى انتهاجكم سياسة اسلامية فى الإقتصاد؟وما هى المقومات الإسلامية فى الإقتصاد السودانى؟ وهو سؤال جيد فى نظرى لأنه يحاول أن يكتشف عما اذا كان الاقتصاديون الإسلاميون يملكون بالفعل رؤية أو "نموذجا"، وعما اذا كان ذلك النموذج المستبطن فى ذهن المخطط يرتكز بصورة واعية او غير واعية على مذهب إسلامى فى الإقتصاد، أم أنهم يسيرون على أهزوجة الشعار التى صاحبتنا طيلة العقود الماضية؟ وجه السؤال بصورة مباشرة لأحد وزراء الدولة آنذاك فى وزارة المالية، وهو رجل يحمل الدكتوراة فى مجال الإقتصاد، وظل لفترة طويلة يشغل مناصبا تنفيذية عليا فى القطاع الاقتصادى باختيار من قيادة الحركة الاسلامية والدولة،فأجاب على السؤال كما يلى: "هذا سؤال كبير يحتاج الى ندوة، ولكن التصور الإسلامى الكامل معروف، والمبادىء الاقتصادية تنطلق من التصور الاسلامى حول حقيقة هذا الكون من ربه والى أين يسير، وينطلق أيضا من المبادىء الأساسية فى القرآن والسنة والمعاملات وفى الاقتصاد..أنتهى"، والسؤال لم يكن بالطبع عن التصور الاسلامى العام للكون، أو المبادىء الكلية التى قررت فى القرآن والسنة، وانما كان عن "الطريقة" التى يتم عبرها تجميع وتنظيم تلكم التصورات الاسلامية العامة وتحويلها الى رؤية اسلامية-اقتصادية متماسكة تستوعب خصوصيات المعاش فى المجتمع السودانى بأوضاعه الراهنة،ثم ربطها بالخطط الإقتصادية الجزئية التى يشرف عليها سعادة الوزير، وما اذا كان لمثل هذه العملية نتاج معرفى ملموس يجعل الوزير وحكومته يعلنون على الملأ انهم ينتهجون سياسة اسلامية فى الاقتصاد، ولكن الوزير لم يشأ أن يواجه السؤال، ليس لجهله، وانما لمعرفته التامة بأن النخبة الرأسمالية التى يمثلها، والتى صارت تهيمن على مفاصل الدورة الاقتصادية فى الريف وفى المدن، لا ترى لها مصلحة فى استنباط مذهب اسلامى واضح فى الاقتصاد، لأن المذهب الاسلامى يضع محددات أخلاقية وقانونية على الثروة، كما يضع التزامات اجتماعية عليها، والشريحة الرأسمالية تريد أن يكون السوق "حرا" من هذه المحددات والإلزامات حتى تستطيع أن تعظم أرباحها كيفما تشاء؛ أى أن الشريحة الرأسمالية لا تريد "رؤية" اسلامية متماسكة، وانما تريد "شعارا" فضفاضا( أو قل ماركة تجارية) تحرك به العاطفة الدينية، وتستقطب به رؤوس الأموال.أما السذج من أمثالنا، والذين دخلوا فى الحركة الإسلامية على أمل أن يتمكنوا من بلورة برنامج اسلامى للتنمية الإقتصادية المتوازنة والعدل الإجتماعى، أو على أمل أن يوصلوا أصوات الفقراء المستضعفين الى مسامع السلطة، هؤلاء الساذجين عليهم أن يبحثوا عن طريق آخر، فالرأسمالية المتوحشة قد استولدت لها أنصارا فى صفوفنا الأمامية. (4) ويبقى السؤال الكبير: لماذا صار الانسان فى السودان على هذه الدرجة من الفقر حتى أنه صار يحتاج الى الصدقة والزكاة؟ ألم يكن القطاع الأكبر من الأسر فى الريف السودانى ينتج موادا غذائية تكفى حاجته المباشرة دون دعم من أحد؟ فكيف تحطمت تلك الوحدات الإنتاجية التى كان يعتمد عليها الوجود المادى للمجتمع، والمتمثلة فى الأسرة ذات المزرعة والمراح في القرية السودانية؟وكيف تبدل نمط الإنتاج التقليدى ومن الذى استفاد من ذلك؟ الأسباب عديدة ومتنوعة ولكن تأتى على رأسها أربعة: أولها الهجمة الهائلة التي قامت بها الأسواق الرأسمالية منذ زمن طويل في اختراق المجتمعات الزراعية والرعوية في الدول النامية وإدراجها في نظمها النقدية والصناعية بحيث صارت المزارع والمراعي في الدول النامية موارداًً رخيصةً لاحتياجات الصناعة الغربية من المواد الخام، دون اعتبارٍ لما يصيب البيئة من تخريب أو لما يصيب العامل من ضرر، فصار المزارعون والرعاة في الدول النامية ينتجون سلعا ً لأسواق عالمية لا قدرة لهم في التحكم فيها، ولا معرفة لهم بما تتعرض له من تقلبات، وما ينشأ فيها من تطورات، ودون أن يكون لهم بديل آخر يلوذون به؛ وثانى الأسباب هو إلحاح الدولة الوطنية، في مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي، في الطلب على السلع الزراعية التي توفر عائدا ً نقديا ً بالعملات الأجنبية، لكي تتمكن من تغطية نفقاتها المتصاعدة، ليس في المجال التنموي ولكن في المجالات العسكرية والأمنية، على أن اعتماد الدولة شبه الكامل على قطاع الزراعة والرعي لم يقابله استثمار من قبلها في مجال البنيات الأساسية أو الأبحاث الزراعية والصناعية أو الحماية البيئية أو الخدمات الاجتماعية التي يحتاجها الريف "المخزن"؛ وثالث تلك الأسباب هو تشريد المزارع التقليدي واخراجه من الأرض، وظهور المزارع "التجاري" والمشاريع الزراعية التجارية، حيث يكون الاعتماد على رأس المال والآلات الحديثة أو العمالة الرخيصة؛ وآخر تلك الأسباب هو ضمور القطاع الصناعي الوطني وعجزه المستمر، إذ لم تستطع الدولة أو الرأسمالية المحلية المرتبطة بها أن توطن أي صناعة من الصناعات الاستراتيجية أو تنفذ خطة مناسبة للنهضة الصناعية. فكان لزاما ً أن يؤدي تدهور القطاع الصناعي وعجزه إلى تدهور أكبر في القطاع الزراعي. وكانت النتيجة، كما هو متوقع في مثل هذه الحالة، أن يتم الفصل بين المزارع التقليدى والأرض من جهة، ثم يفصل بينه وبين أدوات الإنتاج ورأس المال من جهة ثانية، فيجبر عدد كبير من المزارعين والرعاة ليصيروا عمالا ً مؤقتين في قطاع صناعي كسيح ليست له قدرة على البقاء فضلا ً عن النمو وامتصاص العمالة الفائضة، أو جنودا فى الجيش والشرطة والسجون، أو "خفراء" فى قطاع المنشئات والمبانى،أو يتركون فى قارعة الطريق، حتى صار من المألوف فى السودان أن ترى الرعاة يتجولون بلا ماشية، وأن ترى المزارعين يتحولون الى باعة فى شوارع العاصمة تطاردهم البلدية، وترى نساءهم يتحولن الى بائعات للشاى والقهوة فى نواصى الطرقات. وكما انقطعت الصلة فى الريف السودانى بين المزارع و الأرض وبين الراعى والماشية، فقد انقطعت الصلة كذلك فى المدينة بين العمل و الأجر، فصارت الوظيفة حقا يطالب به المتخرجون فى المدارس و الجامعات سواء وجدت أعمال يؤدونها فى المقابل أو لم توجد، فاذا نال أحدهم وظيفة وجدها لا تسد رمقا ولا ترضى طموحا، واذا لم يجدها علق آماله بالحصول على عقد للعمل فى دول الجوار الغنية بالنفط، أو وقف أمام السفارات طلبا للهجرة، وصار كل هؤلاء، من وجد ومن لم يجد، ومن تعلم ومن لم يتعلم، يمثلون "فائضا بشريا" دائما، ومليشيات عسكرية جاهزة، تتغذى منها الحركات المتمردة فى شرق البلاد وغربها، وتحولها الى جيوش تقاتل بهم إخوانهم المستضعفين الذين سبقوهم بالإنخراط فى الجيش والشرطة طلبا للمعاش، وهذه بالطبع ظاهرة فريدة فى نوعها، ومؤلمة لمن تأملها، إذ نرى "البروليتاريا المسلمة" تنقسم على نفسها، ويقوم بعضها بضرب رقاب بعض، فى غفلة تامة عن القاعدة الإجتماعية الواحدة التى ينحدرون منها، وفى جهل بطبيعة العدو الإستراتيجى الذى يستهدفون. تلك هى اذن عملية الإستنزاف المستمر، والتحطيم البنيوى، والإفقار المتعمد للريف السودانى، وتلك اذن هى ثمارها المرة، والتى ساهمت فى انتاجها الرأسمالية العالمية والشريحة الرأسمالية المحلية(اسلامية وغير اسلامية)، وذلك من خلال هيمنتها على مفاصل الدورة الاقتصادية في الريف وفي المدن وفي الأسواق الإقليمية، ومن خلال ارتباطاتها القوية بالمصارف والشركات ومراكز السلطة السياسية، مانعة بذلك قطاعات واسعة من الجمهور من الانخراط فى دورة الاقتصاد، ودافعة أعدادا مهولة من السودانيين نحو الهجرة الجبرية المتواصلة الى المدن، أو الى المليشيات المتمردة، أو نحو الثورة الإجتماعية الكامنة التى لا يعرف مداها ومآلاتها أحد الا الله. إن تفكيك النظام الاجتماعي والاقتصادي في الريف وما صحبه ولحق به من تهجير جماعي مفزع من الريف إلى المدن لم تصحبه كما هو معلوم ثورة صناعية توفر قاعدة جديدة للإنتاج، كما لم تسنده قاعدة تعليمية أو تكنولوجية توفر مهارات ومعارف تفتح منافذ بديلة للمعاش، فشكل ذلك الوضع حالة من الاحتقان النفسي والانفراط الاجتماعي جعلت الجميع يحلمون باسترداد هوية ضائعة وثروة مسلوبة، فلم يجدوا أطرا تستوعب تلك الأشواق سوى المليشيات العرقية المسلحة، أو التنظيمات السياسية المتطرفة؛ اذ أن البحث عن " الهوية الضائعة " وعن" الثروة " المسلوبة يعملان معاً في صناعة ايديولوجيه "المفاصلة"، سواءً كانت مفاصلة دينية أو عرقية، وهي الأيديولوجية التي تسوغ لأصحابها الانقضاض على السلطة، وقد ينجحون في ذلك بالفعل ولكنهم سينتهون،عاجلاً أو آجلاً،إلى النتيجة نفسها التي انتهى إليها الإنقلابيون من قبلهم وهي أن المشكل الاجتماعي-الاقتصادى الراهن لا يمكن أن يحَّل عن طريق البتر العسكري أو الإقصاء العرقى أو الدينى. (5) على أن المشكلة لا تقف عند هذا الحد،اذ أن القاعدة الإنتاجية التقليدية المشار اليها آنفا، لن تعود الى الريف وتستأنف عمليات الإنتاج لمجرد وجود الطرق والجسور(والتى تجتهد الحكومة فى بنائها)، ولكن وعلى افتراض عودتها وممارستها للانتاج فانها لن تستطيع تحت هيمنة الرأسمالية الشرسة واقتصاد السوق غير المقيد أن تلبى حاجاتها الاقتصادية المباشرة فضلا عن أن تلبى حاجاتنا القومية من السلع الزراعية، وسيترتب على هذا أن توجه جل الموارد القومية المتحصلة من عائد النفط لاستيراد السلع الغذائية والصناعية التي ترد من الأسواق الخارجية، ولإسترضاء المليشيات المسلحة، ودفع استحقاقاتها وتعويضاتها، مما يؤدى لاختلال مستمر فى ميزان المدفوعات، ولنضوب الاعتمادات التي يمكن أن توجه الى قطاعات الإنتاج الزراعي و الصناعي، فتزداد هذه القطاعات تحطما على ما كانت عليه، وسيزداد لدينا عندئذ عدد المزارعين الذين لا زراعة لهم، والعمال الذين ليست لدينا مصانع تستوعبهم، والخريجين الذين ليست لدينا وظائف لهم، وسيشكلون جميعا، وقد انحل ترابطهم الاجتماعي القديم وتناثرت تنظيماتهم التقليدية، حزاما متجددا من الفقر والإحباط يحيط بالعمارات الشاهقة التي يتبارى في تشييدها الأغنياء القدامى والجدد. والسؤال هنا:هل يمكن إحداث نوع من التكامل البنيوى بين المزارع التقليدي والأرض البور والنخب الإجتماعية الحديثة ذات الكفاءة المهنية والقدرة الإدارية المتطورة حتى يتم إحياء القاعدة الإنتاجية التي يقوم عليها المجتمع؟ أم أن عائدات النفط وما ينتج عنها من فرص استثمارية ستصب فى جيوب النخبة الرأسمالية ذاتها؛ النخبة التى لا ترغب فى تطوير برنامج تنموى إسلامى، ولا ترغب فى الدخول فى العمليات الإنتاجية الإستراتيجية(زراعة وصناعة) وتفضل الإستثمار المضمون فى قطاع العقارات والخدمات والإستيراد؟ لأنه وما لم يتم إدراج القوى الريفية التقليدية (التى أخرجت من ديارها، وأبطلت طرائق معاشها) في البنية الاقتصادية الحديثة، وما لم تتم إعادة الشرائح الرأسمالية الجديدة الى قطاعات الإنتاج الاستراتيجي، فان الفجوة بين هاتين الفئتين ستتباعد وقد تتحول الى تناقض أساسي بين الدولة والمجتمع قد يتبلور في اتجاه الثورة الاجتماعية الشاملة. ولكن ما هو الدور المتبقي للدولة؟ هناك من يقول ان الدولة في العالم الثالث في عهد العولمة الأمريكية الذى نشهده مهددة بالتلاشى والزوال، على أية حال، سواء كانت اسلامية أو لبرالية، اذ من المؤكد أن تجد نفسها دائما غير قادرة على التحكم فى الرأسمالية المحلية أو توجيه مساراتها نحو انتاج السلع الأساسية التى يمكن أن تدفع في اتجاه التنمية القومية؛ وستجد نفسها (ثانيا) غير قادرة على إحداث تنمية اقتصادية عن طريق الصناعة والتقانة بصورة مستقلة؛ وستجد نفسها (ثالثا) غير قادرة(حتى ولو أنتجت سلعا أساسية كالسلع الزراعية) على المنافسة في السواق العالمية، اذ أن فائض الإنتاج الزراعى في الدول الصناعية الكبرى، والذى تقف وراءه بقوة إتحادات المزارعين ووكلائهم في المجالس التشريعية في الديقراطيات الغربية لا يتيح فرصة حقيقية لأى دولة نامية أن تجد سوقا لمنتوجاتها الزراعية، أما اذا كانت تلك الدولة النامية ذات شعار اسلامى كحالتنا هذه فسوف يتعذر عليها أن تجد منفذا للأسواق العالمية ما لم تتخلى عن الحواجز الثقافية و الأخلاقية التي يفرضها مشروعها الإسلامى. فهذه كما ترى أمور شديدة التعقيد، لا يحلها خبير اقتصادى واحد، أو فريق من التكنوقراط، أو فقيه تخصص فى باب البيوع، وانما يحتاج الأمر الى قاعدة فكرية وعلمية راسخة يعهد اليها ببناء رؤية متعمقة للتنمية القومية- تصورا فكريا، وتخطيطا استراتيجيا، وإدارة علمية، كما يحتاج الى شريحة إجتماعية رائدة ذات رغبة صادقة فى احتضان عمليات التنمية، توطينا للصناعة والتكنولوجية،وتشجيعا ورعاية للعلماء والمخترعين، ورد اعتبار للزراعة والرعى؛ وتحتاج علاوة على هذا لقيادة سياسية مترفعة عن الولاءات العشائرية الضيقة ومتجردة للمصلحة القومية، فتناط بها عمليات التعبئة الشعبية و التنسيق المؤسسي والتشريعي لإنجاز العملية التنموية على قواعد العدل الاجتماعي.فهل يستطيع الرأسماليون الإسلاميون أن يقوموا بهذه العمليات؟ ان الإقتصاديين الاسلاميين سيفقدون كل مشروعية للبقاء فى قمة الهرم الاقتصادى أو فى قيادة الحركة الإسلامية ما لم يقوموا بتطوير أطروحة فكرية اسلامية متماسكة يجاب فيها على هذه التساؤلات، وترفع فيها هذه التناقضات، ثم يبلوروا فى ضوء ذلك برنامجا اجتماعيا-اقتصاديا ينحاز بصورة واضحة للطبقات الدنيا فى المجتمع، أما اذا بقوا على حالهم هذه، وتركت سياسات الدولة ومؤسساتها الاقتصادية تحت تصرفهم وتصرف مجموعات المصالح الخاصة المرتبطة بهم فان ذلك سيكون فى تقديرى أمرا شديد الضرر على المستوى التنظيمى الخاص بالحركة الإسلامية وعلى المستوى القومى العام. ولكن، وحتى لا تبلغ الأمور نقطة اللاعودة فإن الحكمة والحاجة يقتضيان أن تكف الحركة الإسلامية عن تعلقها بالنخبة الرأسمالية، وأن تعلق أملها بالله وبالناس، وأن تبدأ بصورة جادة فى إعادة النظر فى برنامجها الاجتماعى-الاقتصادى، فالعمل من خلال القضايا الاجتماعية المحورية(الفقر والمرض والعجز والبطالة والجريمة والطفولة والأمومة ونحوها)هو الذى يعمق الوعى بالرؤية الإسلامية،ويرهف الحس الاجتماعى-الانسانى، وينمى الروح، ويقود الى التلاحم بين شرائح المستضعفين، ويرفع التناقضات المتوهمة بينهم، وهو خير من انتظار نهايات للحرب الضروس بين داحس القصر وغبراء المنشية.
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 31 يوليو 2011, 9:41 am | |
|
خطوات على طريق الإصلاح د. التيجاني عبد القادر [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
(1) أين نحن الآن؟ يتساءل رجال الأعمال والإداريون أحيانا: أليست هناك حالات يكون من الأفضل فيها "اغلاق" المصنع المتهالك بدلا من محاولة اصلاحه؟ أليست "البداية الصحيحة" أسهل وأفضل من محاولة اصلاح ما هو قائم على اعوجاج؟ سؤالان يجوزان فى مجال المؤسسات التجارية والصناعية، كما يجوزان فى مجال التنظيمات السياسية والاجتماعية.فالمجموعات السياسية التى "تنشق" من أحزابها التاريخية لتكون لها أحزابا جديدة هى مثال للنفسية الثائرة ذات النزعة الراديكالية التى ترى أن "إغلاق المصنع المتهالك" والبداية من درجة الصفر خير من الترقيع والترميم. وهذا سعى قد ينجح فى بعض الحالات، إلا أننا نشك فى امكانية تكرر نجاحه، كما نشك فى وجود حالة "صفرية" فى الحياة الاجتماعية والسياسية، اذا يتعذر لمن ترعرع فى كنف "المصنع القديم"، وتعود على نظمه، وتشرب ثقافته، أن يخرج منه "سالما" كما تخرج الشعرة من العجين ليؤسس مصنعا جديدا مغايرا. قد يستطيع بالطبع أن يغير اسم المصنع، وأن يطيح ببعض القائمين على ادارة التسويق والمشتريات، وأن يستجلب ادارة جديدة للعلاقات العامة، ولكن "الرؤية" الأساسية لملكية المصنع، وللإدارة ذاتها، وللعاملين والمستهلكين، ستظل كما كانت. مما يعنى أن اشكالات المؤسسات والتنظيمات ليست اشكالات هيكلية خالصة، تنحل لمجرد إسقاط القديم أو الخروج منه وإنشاء شىء جديد بدلا منه، اذ أن "المرض القديم" سينتقل أيضا وسيقود الى النتيجة ذاتها. فإنشاء مؤسسات جديدة، أو تنظيمات بديلة لن يكون ذا جدوى ما لم تسبقه عمليات نقدية صادقة للممارسات السابقة، تحدد العوامل "الذاتية" التى تنبثق منها الرؤى، وتتعزز بها أنماط السلوك، كما تحدد العوامل الموضوعية، الداخلية والخارجية، التى أدت و تؤدى الى الإنهيار والفشل. والعملية النقدية، مثلها مثل العمليات الجراحية، قد تكون مؤلمة وباهظة التكلفة لمن يجريها ولمن تجرى عليه، ولكنها قد تبين فى المحصلة النهائية أن المرض/الخلل يمكن استئصاله أو السيطرة عليه، وأن المصنع يستطيع أن يؤدى وظائفه الأساسية بعد إزالة الأورام وإجراء الترميمات اللازمة، أو قد تبين أن المصنع قد فقد بالفعل كل مقومات البقاء والمنافسة، وأن تكلفة المعالجات والتجهيزات والتعويضات تتجاوز تكلفة المصنع الجديد. فى مثل هذه الحالة يكون الخروج واجبا، ليس فقط من هيكل المصنع وفضائه، ولكن من أساليبه ونظمه وثقافته ورؤيته التى قادت الى الخسران المبين. فاذا تغيرت الرؤية، واذا توفرت معها قدرة على التعلم، ورغبة فى تغيير السلوك، فان دورة جديدة من دورات الانتاج والعطاء ستبدأ، سواء تم التحول الى مصنع/منظمة جديدة، أو لم يتم. وهذا قريب مما ما حاولنا أن نقول فى المقالات السابقة؛ حاولنا أن نقول أن المشكلة (بل الأزمة)) التى واجهت الاسلاميين فى السودان لم تبرح مكانها بعد، وأن "المفاصلة" التى وقعت بينهما مفاصلة فى الشكل والاطار وليست فى الرؤى والممارسة؛ اذ أن من خرج خرج وهو يتمسك بماضيه ويدافع عنه، متجنبا نقد نفسه ومعرفة أخطائه، فلم يتعلم شيئا؛أما من بقى فقد طفق يواصل المشوار كأن شيئا لم يكن، يدافع عن "انجازاته"، ويوارى أخطاءه، ويرفض أن يتعلم. ولذلك فقد أطلنا الحديث (فى مقالاتنا السابقة) عن البدايات التاريخية للازمة، وعن بعض التصورات والممارسات الخاطئة فى المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية، فانتهينا للقول إن هناك حاجة قوية للتغيير، ليس فقط فى الهياكل كما قد فهم البعض ولكن فى الرؤى والسلوك. ولكن تغيير الرؤى والسلوك، أو تركيب رؤية جديدة، تتبعه وتثور حوله أسئلة كثيرة مثل: من نحن؟ وأين نحن الآن؟ وما هى صورة المجتمع الذى نريد؟ وكيف نصل الى هناك؟ أما "من نحن" فقد تقدمت باجابة عليه فى مقال سابق نشر فى هذه الصحيفة(17/7/2005)، فلنتحول الى السؤال الثانى: أين نحن الآن؟ وهذا سؤال مهم لأن من لا يعرف أين هو الآن لا يستطيع أن يعرف الى أين يسير. (2) "أين نحن الآن" ليس سؤال عن المكان فقط، وانما هو سؤال عن المكان والزمان؛ أى ما هي طبيعة المرحلة التاريخية الراهنة، على مستوى مجتمعنا المحلى، وعلى مستوى محيطنا الإفريقي والعربي، وعلى المستوى العالمي ؟ إن محيطنا الأفريقي العربي كان لعهد قريب هو محيط التحرر من الاستعمار والتحول إلى البناء والتنمية. وكانت مفردات الحرية والوحدة والتنمية هي المفردات المهيمنة في خطابنا السياسي. وكنا في كل قطر نرى المثقفين في حركات التحرر يقودون مشاريع ضخمة للنهضة. ولكن مشاريع النهضة تلك بلغت مداها بعد عقد واحد من استيلاء أولئك القادة على الدولة القطرية، حيث استفرغت كل الطاقات الوطنية في الصراع، ليس الصراع حول البناء والتنمية ولكن الصراع حول (جهاز الدولة) الذي تم الاستيلاء عليه عنوة أو وراثة من قوى الاستعمار الغربي. وما من حركة تحرر أفريقية أو عربية معاصرة، من جزائر بن بيلا وغانا نكروما وكينيا جومو كنياتا إلى مصر عبد الناصر وسوريا الأسد وعراق صدام، إلا انتهت إلى النظام الاوتوقراطي الاقصائي الذي يمهد الطريق إلى الحرب الأهلية أو التخلف الاقتصادي أو إليهما معاً، عائدة بنا إلى التدخل الغربي في صورة من صوره. وقد بلغ الأمر من السوء مبلغاً جعل بعض المتشائمين يدعون صراحة إلى عودة الاستعمار وجعل بعضهم يتمنون عودة النظم الملكية السابقة لعهد الثورات الإفريقية والعربية. فيمكن أن يقال إذن أن أهم ملامح المرحلة التاريخية الراهنة على مستوى محيطنا الإفريقي والعربي: 1- تفسخ النظم الرسمية على مستوى الدولة والحزب، وعجزها التام عن التعبير عن إرادة الجمهور أو تفجير طاقته، مما أدى إلى اتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع بصورة مفزعة. 2- انهيار مفهوم الأمن العربي المشترك وبروز مفهوم الأمن العالمى(أى الأمريكى) حيث تكون النظم الأمنية العربية ملحقيات تابعة بصورة كبيرة للاجهزة الإستخباراتية الغربية. 3- انهيار القواعد الإنتاجية في الريف الإفريقي والعربي وتحول المزارعين والرعاة إلى كم بشرى فائض عن حاجة المجتمع، يحيط بالمدن البرجوازية إحاطة السوار بالمعصم، مما ينذر بثورة اجتماعية وشيكة. 4- بروز تنظيمات ما قبل الحداثة (قبائلَ وعشائرَ) إلى مراكز القيادة في المجتمع، مع ما يحمله ذلك من رؤى عرقية ضيقة تشكل خمائر للحروب الأهلية المدمرة. أما على الصعيد الإسلامي فقد كانت الآمال معقودة، بعد خيبة الثوار القوميين واليساريين، على حركة البعث الإسلامي، حيث تتوفر أطر قيادية جديدة منعتقة من العصبيات العرقية والقطرية، تجمع بين الالتزام الديني المستنير والتقنية الغربية الحديثة، وتتعلم من التجارب الفاشلة التي لا تحصى، لتدفع بالمجتمع الإسلامي خطوة في اتجاه النهضة، وتقدم نموذجاً يقتدي به الآخرون. ولكننا بدلاً من ذلك صرنا نرى بعضاً من هذه الحركات الإسلامية قد حوّل جهاده المشروع ضد الظلم والعدوان إلى حروب داخلية يقتل فيها الأخ أخاه، ويدمر فيها كل فريق ما بناه الآخر، في سلسلة من المذابحات البشعة التي لا يقرها شرع ولا عقل(كما نرى فى الحالة الجزائرية والأفغانية والعراقية)، أما بعضها الآخر فقد تورط في لعبة الانقلابات والانقلابات المضادة (كما هو عندنا فى السودان)، وصار الاستيلاء على السلطة هدفاً قائماً بذاته يضحى من أجله بالقيم ويسفك في سبيله الدم. ثم انخرط صنف ثالث من هذه الحركات في مناوشات طائشة ضد القوى الدولية الكبرى، مناوشات لم يحسن فيها تقدير لمصلحة أو تخطيط لمستقبل أو قراءة لأخلاق الإسلام في القتال. فترتب على ذلك أن جرّ المسلمون في كل مكان إلى معارك لا يعرفون غاياتها، واستثيرت ضدهم قوى الاستكبار العالمي في الشرق والغرب معاً وصار الكل، تحت شعار محاربة الإرهاب، يجلب على المسلمين بآلياته ومؤسساته، فضيقت ساحات النشاط الإسلامي السلمي المستنير على ضيقها، وأغلقت منافذ الحوار مع الآخر على وعورتها، وانقطعت سبل الاتصال مع قوى الحرية والسلام المناهضة للإمبريالية والتي كانت تمثل حليفاً قريباً من المسلمين، وجملة القول، فإن هذه الحركات الإسلامية لم تستطع أن تنجز مشروعاً وطنيا جامعا، أو تكمل مشروعاً ثقافيا/فكرياً راشداً، أو تعد الأجيال القادمة إعداداً أخلاقيا وعلميا متيناً، أو تبقي حتى على الحلم الإسلامي نقيا ناصعا. فاذا وصلنا القول الى الأوضاع الراهنة فى الحركة الاسلامية فى السودان فماذا نرى؟ إن أول ما سنرى هو أن الفصيلين الإسلاميين المتناحرين يسيران فى الإتجاه ذاته، اتجاه التدمير المتبادل، أى سنلاحظ أن العلاقة بينهما قد تحولت من المربع الرابع، حيث كان تناقضهما ثانويا غير عدائي، الى المربع الأول حيث صار تناقضا عدائيا رئيسيا، يسعى فيه كل فصيل الى تصفية الفصيل الآخر، مع تضاؤل مستمر فى امكانية بروز أى صيغة للتراضى. فهل يؤشر هذا الى احتمال أن يتعمق الصراع الراهن ويتفاقم بين الأطراف المتورطة فيه، ثم يظل ينتقل من صعيد الى آخر، حتى يتمكن أحد أطراف النزاع أن يطغى على الآخر، ويقصيه تماما من الساحة السياسية، أم أن من المحتمل أن يفقد كل من الفريقين (أثناء عمليات التدمير المتبادل)) السيطرة على مجريات الأمور السياسية، فى الوقت الذى تتبلور فيه قوى اجتماعية وسياسية جديدة مناهضة للتيار الإسلامى فى مجمله فتحتل مكانه؟ ثم يبقى سؤال أخير عن طبيعة المرحلة التاريخية الراهنة في مستواها العالمي، وانعكاساتها وتفاعلاتها مع المستويات المشار إليها آنفاً، هل هي مثلاً مرحلة متطورة من مراحل الاختراق الرأسمالي/الإمبريالي، حيث تبلغ ثورة المعلومات والاتصال مداها، وحيث يحقق النظام الرأسمالى/الليبرالي انتصاره النهائي ؟ أم هي مرحلة المزاوجة " والتخليط " بين الليبرالية والاشتراكية ؟ أم هي مرحلة تراجع الآيديولوجيات الكبرى والفلسفات الكلية أياً ما كانت وتقدم العشائر والقبائل وتكوينات ما قبل الحداثة؟ كيفما تكون الإجابة على هذه الأسئلة، فنحن نشهد من بين أيدينا ومن حولنا تحولات كبيرة، فنرى دولاً تهوي ونرى مجتمعات تمزق وتخلع من جذورها، ونرى أعداء يتحولون إلى أصدقاء، ومعارضين يتحولون إلى حكام، ومنتجين يتحولون الى متسولين. وبديهي أن تفسير مثل هذه التحولات الكبيرة لا يتأتى من خلال البصر وحده، وانما يحتاج المرؤ الى رؤية مكينة نافذة موصولة "بالشجرة المباركة"، وما لم تتوفر لنا تلك الرؤية العميقة فلن نستطيع فى هذا الكم الهائل من الضباب أن نعرف أنفسنا، أو نرى العالم من حولنا، ولن نستطيع أن نحدد "مواقعنا" في خريطته، ولن نستطيع أن نميز في القوى الإجتماعية المتصارعة المتناقضات الأساسية والثانوية، مما يتعذر معه معرفة العدو الاستراتيجى وميادين المعارك معه. أما اذا توفرت لدينا "الرؤية/النموذج" فقد يتيسر لنا أن نصمم خرائط للحركة والدولة، وأن نضع خططا كبرى وصغرى للتنمية، وأن نتعرف على القوى الإجتماعية التى يعبر النموذج عن طموحاتها ومصالحها فنجعلها قاعدة اجتماعية نتناصر معها فى عملية البناء الوطنى. أما القول بإعادة بناء الحركة الإسلامية فى غيبة "الرؤية/النموذج" فسوف لن تتجاوز آثاره استعادة الشركات والسيارات، أو مراجعة قوائم العضوية، وفرز الموالين والخصوم (كما يجرى الآن في عصبية عمياء). وبالطبع فقد يرى البعض في قولنا هذا شطحاً نظرياً بعيداً، وسيضعه فى خانة "الكلام النظري الفارغ"، وهى شنشنة قديمة، تتزعمها وتروج لها مجموعات أشرنا لها سابقا بعبارة "أمسك لي وأقطع ليك"، وهي من ذوات النزعة الفورية التي لا ترى من الأشياء إلا ظواهرها، ولا تهتم من الأمور إلا بأعجلها، وهي بالطبع تجسيد لذهنية العوام التي تهيمن على حياتنا الاجتماعية والسياسية في السودان وفي غيره من البلدان الإسلامية والإفريقية. وما يقلق أنه قد صار لهذه المجموعات وجود قيادي متقدم في داخل الحركة الإسلامية، فهى التي دعمت من قبل نموذج "المشيخة" ورسخته، لأنها بطبيعة الحال لا تستطيع لوحدها أن تكون مذهباً في الرأي، أو رؤية للحركة أو الدولة أو المجتمع. فإذا كان هناك أمل في الإصلاح فأول خطواته تكون بمواجهة مثل هذه الذهنية، حتى ينفتح مجال لتقبل الأفكار التى تسير فى اتجاه إعادة بناء رؤية إسلامية إصلاحية، وفى جذب ولم القوى الإسلامية المتناثرة واعادة تفعيلها، فاذا وقع ذلك فستكون الأزمة قد نجحت من حيث لم يحتسب أحد فى فرز نوعية جديدة من المثقفين المصلحين، اذ أن الأزمات على مسار التأريخ تفرز مثقفيها، منذ سقراط الى الغزالى وابن خلدون ومحمد أحمد المهدى وغرامشى وسيد قطب ومالكوم أكس. فإذا برز مثقفون جدد من الاسلاميين ذوو الأهلية الفكرية والأخلاقية، وممن استطاعوا أن يتحرروا من التبعية الفكرية والعصبية التنظيمية، ممن لم يتوغلوا فى النزاع الرهن، و تمكنوا من صياغة رؤية اصلاحية جديدة فذلك يعني (ضمن أمور أخرى) أن تيارا اسلاميا ثالثا سيولد، وستتولد فيه قيادات، وتتكتل حوله قوى اجتماعية جديدة، لتبدأ دورة جديدة من دورات العمل الاسلامى الرشيد.إن هذا أفضل بكثير من أن ننتظر نهاية الحرب الباردة بين الفصيلين المتناحرين، أو أن نترك المشاكل لحالها، اذ لو كانت المشاكل تبقى فى مكانها كما يبقى الحصى والرمل، لما كتبنا عنها سطرا، ولكن المشاكل حينما تترك لحالها فانها ستتحول الى "مخاطر"، وتحول معها الرمال الساكنة إلى عواصف عاتية تقتلع الجذور، ولا غالب إلا الله. (2) من نحن؟ يسألني كثيرممن يلقاني من اخواني واصدقائي القدامى - الذين تفرقت بهم سبل السياسة - وأين أنت؟ يقصدون بذلك أين موقفي من الصراع الذي نشب وتطاول بين الإسلاميين في السودان. فكنت اجيب احيانا واسكت عن الاجابة في اكثر الاحيان، ليس تخوفا من فوات حظ او تطلعا لاقتناص فرصة (مع ان النفس الانسانية لا تنفك عن حظوظها الخاصة - كما يقول الامام الغزالي) ولكن لاني كنت ولم ازل ابحث عن ارض صلبة اقف عليها، وعن حجة بينة القى الله بها، اذ لا يمكن من بعد العواصف المزلزلة ان يكتفي الانسان بالبحث فقط عن (خيامه) القديمة، ولكن ينبغي قبل ذلك ان يفحص (الاوتاد) التي كانت تشدها الى التربة، فلربما اصابها عطب، او لربما يتوجب عليه ان يفحص (التربة) نفسها، فقد تكون هي التي تصدعت ومهدت الطريق الى العاصفة. على انه وقبل فحص الخيام والأوتاد والتربة يحتاج المرء أن ينظر في نفسه، فقد يكون هو مصدر العطب والخراب، وما العواصف السياسية والخلافات التنظيمية الا مظاهر سطحية لداء دفين في نفوس الافراد. فالسؤال اذن لاينبغي ان يقف عند (اين انا) وماهو ما سأجيب عليه لاحقا ولكن ينبغي ان يتجاوز ذلك الى (من أنا) وهذا ما لا تحسن الاجابة عليه دون رجوع الى شئ من التاريخ الاجتماعي، فهناك توجد الخلية الاولى التي نشأت فيها واعطتني اسما وشكلا ولغة ودينا؛ وهي المعطيات التي صارت عناصر أساسية من بين العناصر المكونه لهويتي. فانا من حيث الشكل واللون سوداني - أفريقي، ومن حيث اللغة عربي، ومن حيث العقيدة مسلم، وتشدني الأسرة من حيث الانتماء الصوفي الى الطريقة التيجانية، وتصلني السياسة بالحركة الاسلامية، وتصلني المهنة بالفلسفة والفكر السياسي وهلمجرا. ولكن هذه العناصر فوق انها ليست متساوية القيم والأهمية فهي ايضا لا تمثل كل العناصر المكونة لهويتي، اذ كنت كلما بلغت مقاما من مقامات الرشد احذف واضيف، واخفض واعلي بعضا من هذه العناصر، فكم من إنسان غير اعتقاده وبدل اسمه واعرض عن عرقه وطريقته، مما يؤكد ان الانسان لايصير انسانا بالموروثات الاجتماعية وحدها، ولكنه يصير انسانا عن طريق الوعي والارادة، فالانسان هو من يستطيع ان يميز العناصر "القلب" المكونة لجوهره، فيرفعها الى قمة هرمه التقديري، ويدرك العناصر الاخرى الثانوية فيضعها في منازلها، وانه وبمثل هذا الوعي بالذات وبقيمتها وبمكانها بالنسبة للآخرين يصير الانسان قادرا على فحص الذات ونقدها، وقادرا على فحص انتماءاته الموروثه، وقادرا وهذا هو الأهم على خرق التصورات النمطية عن الآخرين (Stereotypes) وتجاوزها عبر حوار يساعد على إنشاء انتماءات جديدة من خلال الصورة التي يرسمها لنفسه والصور التي يرسمها للآخرين من حوله. فمثل هذه الانتماءات الجديدة - التي تتجاوز المكان الجغرافي والنسب العرقي هي التي تفتح افقا ارحب للتطور الاجتماعي السلمي وتلك هي صناعة النفر من الناس الذين يقال عنهم "مثقفون"، واذا سئلت من انا فسأقول انني انتمي الى هذا الصنف من الناس الذين لا يقطع احدهم انتماءاته الموروثه ولكنه مع ذلك يحتفظ ببعد نقدي يمكنه من مراجعتها ونقدها، وبشجاعة تمكنه من النظر في موروثات الآخرين والتحرك في الفضاء الانساني بقلب مفتوح يبحث عن الخير المشترك بين الناس والحق الموزع على المصادر. ولكن من من الناس يسعى لاعادة تحديد هويته ورسم صورته، ورفض الصور الجاهزة التي يصنعها له المجتمع، والأدوار المعدة التي يحشره فيها السياسيون اوتطوقه بها الوظيفة؟ إني لأظن ان الفشل الذي اصاب التنظيمات السياسية في بلادنا (ومن بينها التنظيمات الاسلامية) يرجع الى عجزنا نحن المثقفين في هذه الناحية، ولا يوجد من يماري الآن ان اوضح ماكشفته الازمة الاخيرة التي شهدتها الحركة الاسلامية السودانية هي عجز مثقفيها على قلتهم عن تحديد هوياتهم وقبولهم بالادوار الجاهزة التي يرسمها لهم السياسيون والتجار ورجال الامن. قد يرجع ذلك لاسباب تتعلق بالنشأة والتنشئة السودانية القروية الكافة عن السمعه والاعلان، فلا يستطيع احد تأدب في تلك البيئة ان يدخل في عمليات التسويق والترويج التي تتطلبها الحياة المدنية المعاصره، او قد يرجع للطرد المركزي الذي تحدثه بؤر السياسة والاقتصاد. وكيفما كان الامر فقد اختفى المثقف الاسلامي خلف الوظيفة او خلف التنظيم فانقطع عن الناس فصاروا لا يرونه الا من خلال الصورة التي صنعها له التنظيم وألبسه لها السياسيون. ولما لم يقم المثقفون الاسلاميون بتعريف انفسهم، ولم يرسموا صورهم ويثبتونها على جدران العمل الاسلامي الوطني، فقد صاروا غير موجودين في بيروقراطية التنظيم، وغير موجودين في بيروقراطية الدولة الا كما يوجد مترجم الملك يستدعي للخدمة في حضرة الاجانب ويستغنى عنه بانتهاء مراسيم الزيارة. فبيروقراطية الحزب وتجاره سواء في ذلك الاسلاميون وغيرهم - لا يريدون المثقفين الا أدوات فنية تستخدم في تحقيق مشاريع لم يشاركوا في صناعتها ولا يعرفون غاياتها، اما اذا استعصى احدهم اواستعصم فسيكون مصيره التغييب، كأن يغيب عن الحزب وعن الدولة او عن الوطن ذاته، فلا يسمع له صوت ولا ترى له صورة. ولعلك تدرك من هو المستفيد من تغييب (أوإفقارأو تهجير) هؤلاء، فغيابهم يجعل التنظيم/الحزب في حالة من غياب الذاكرة، وهي الحالة المثلى التي يستطيع فيها السياسي المحترف، والكادر الأمني، والبيروقراطي الفارغ، والتاجر الكذوب أن يتقلبوا بين الافكار والمواقف دون مواربة او حرج، في انتهازية لا يحدها حد، لان الجماعة السياسية التي يغيب مفكروها و مثقفوها، ستغيب عنها الذاكرة وتكون كمن ولدت البارحة، لا تثبت اقدامها الا اذا اتكأت على أب - شيخ. ان بداية الاصلاح تكون بالخروج على هذا المألوف، وبظهور صريح للمثقفين المصلحين على ساحات العمل الوطني الاسلامي حتى يتمكنوا من اعادة تعريف انفسهم بانفسهم وازاحة الصور القديمة عنهم، اذ انه بدون تعريف للذات لن يكون هناك شعور بها، والشعور بالذات هو بداية للوعي المفضي للحركة، كما انه من حق المثقف ان يكون حرا في رسم صورته وفي رسم صورة المجتمع الذي يريد، اما اذا حرم من ذلك الحق، او ا ختار ان يدخل في صورة رسمها له الآخرون فقد فقد حقه في الحياة. فمن هم المثقفون؟ وماهي الصورة التي يودون ان يعرفوا من خلالها؟ وما هي صورة المجتمع الذي يريدون؟ نقصد بالمثقفين/ المفكرين اولئك الذين يهتمون اهتماما خاصا بتحصيل المعرفة وانتاجها والتعبيرعنها، ويجتهدون في سبيل ذلك للاتصال بمصادر تتجاوز تجاربهم الشخصية المباشرة، وذلك بقطع النظر عن المهن التي يشغلونها. فاذا صار احدهم موظفا في مكتب او مهندسا في مصنع فذلك لا يعني انه لم يعد مثقفا مفكرا اصيلا، فالمثقف يعرف بالدور المعرفي الاجتماعي الذي يضطلع به وليس بالمهنة او النشاط المحدود الذي يتحصل عن طريقه على معاشه. ولا يكون الانسان مثقفا مفكراً لتعاظم ألقابه العلمية، ولكن يصير كذلك حينما يتجاوز مرحلة التستر بالشهادات والتكاثر في المعلومات ويدخل مرحلة توليد الافكار ونقدها وصياغتها وتنميتها والتعبير عنها. فالمثقف ليس هو فقط من يلاحظ ويشاهد الازمات والتفاعلات الاجتماعية من حوله، ولكن المثقف من يحاول ان يصنع مفهوما او نسقا من المفاهيم يحاول من خلالها تعقل الظواهر وقراءتها، اي فك هذه الظواهر عن تجسدها الاجتماعي - التاريخي ورفعها الى أطر الانشاءات الذهنية ليتمكن بذلك من وصلها بما تراكم لديه ولدى غيره من خبرات ومعارف، فيصير بذلك اقدر على فهم خصائصها وتوقع تفاعلاتها ومآلاتها، فيتمكن من الاشارة الى طرائق التحكم فيها - تحكما يتضمن الخروج من الازمة علاجا واصلاحا. ولكن من اين يستمد المثقف مفاهيمه التحليلية والتركيبية؟ هل هناك ترسانه ابستمولوجية يمكن للمثقف ان يستورد منها ما يحتاجه من مفاهيم؟ ام انه يتوجب عليه ان يستولدها استيلادا؟ ان قليلا من المثقفين السودانيين من يأبه لتوليد مفهوم يتمكن من خلاله ان يصف الواقع الاجتماعي السوداني، وانما يعتمد اكثرهم على استجلاب المفاهيم الجاهزة التي انتجت من واقع آخر بعيد كاستجلابه البضائع والصناعات والتحف. فاذا لم تتأتى للمثقف خصوبة فكرية ومعرفية مستقلة تمكنه من تجريد الواقع ولإنشاء صور ذهنية بديله له فلن يعدو ان يكون مستهلكا مثل سائر المستهلكين، وهذا يعني ان المثقف ذاته - وليس السياسي وحده - ينطوي على ازمة عميقة تظهر في خطابه الفكري حيث يكون فاقدا للوضوح النظري وعاجزا من ثم عن القراءة الصحيحة للاحداث من حوله او اتخاذ موقف منها. وسينعكس كل ذلك على سائر ممارساته السياسية والاجتماعية. على ان الاتصال بعالم الافكار وحده لا يكفي. فالمثقف لا يتصل بعالم الافكار لينحبس فيها وانما يجتهد في ان يصل الفكرة بالعمل - عملا في النفس من الداخل - وعملا في المجتمع من الخارج - عملا في سياسة النفس لالزامها بالفكرة.عملا في سياسة المجتمع لدفعه نحوالمثل العليا. وتلك حالة تورث قدرا من التوتر ولكنه (توتر مبدع) لا بد للمثقف ان يعيشه، شأنه في ذلك شأن الصوفي في خلوته وجلوته. وهذا يعني ان الفعل الثقافي له اطاران: نفسي/ باطني، ومجتمعي/ خارجي. اذ يتوجب على المثقف المفكر بعد قيامه باقتناص الفكرة او توليدها ان يقوم ايضا باستبطانها وذلك يعني ان تتجاوز الفكرة السطح المعرفي لتدخل في محاورة باطنيه صامته مع المعطيات النفسية للمثقف لا يراها ولا يسمعها الآخرون، ولكنها محاورة تتوقف عليها حياة المثقف وفاعليته، فالمثقف الذي لا تلامس افكاره شغاف قلبه، ولا تصل الى اعماق وجدانه، مثقف هامشي لن يتجاوز السطح المعرفي والاجتماعي إلا كما تتجاوز القصبة الخاوية السطح المائي، وهذا الاطار/ الباطني هو المجال (اليمين) الذي تتصل فيه المعرفة بالروح، والفلسفة بالتصوف، فيصيرالمثقف روحانيا صوفيا بما يتسنى له من تملك لزمام نفسه يرفعه الى مقام الشهادة على النفس والولد والاستعداد لمفارقتهما والعيش منفردا، ولا يشهد على نفسه وولده أو يبدي استعدادا لمفارقتهما الا شخص عرف الحق وتذوقه وصابر على ذلك، وهي التجربة الروحية المستمرة التي يعرفها كل مثقف حق مهما كان اعتقاده، وهي التجربة ذاتها التي يتضمنها مفهوم التزكية القرآني، فهذاالاتصال بين الفكر والروح هو الذي يوفر المشروعية الاخلاقية والمصداقية العملية التي لا بد منها لاي مشروع من مشاريع الاصلاح والتنمية.
(3) ومـــــن نـحـــــن؟ وكما أوجبنا على المثقف استبطان افكاره، فانا سنوجب عليه من ناحية اخرى ان يستظهرها اي يصلها بالواقع الاجتماعي من حوله، فذلك هو الموقع (اليسار) الذي تتصل فيه المعرفة بالقوة، والفكر بالسلطة، والمثقف بالسياسي، اذ يترتب على المثقف الذاكر الا ينحبس في دهاليز نفسه، ولكن عليه ان يسعى بصورة مستمرة للاشتباك مع الواقع الموضوع، والى الالتحام مع الآخرين، مناهضا الحدود العرقية والجغرافية والآيديولوجية، باحثا عن القدر المشترك من الحق والخير ليكون مع اولئك الآخرين الصالحين طليعة اصلاح تتفشى في البيئة المحيطة بها فتوفر ديناميكية للتغيير الاجتماعي السياسي. وهنا ينقسم المثقفون الى فئات كثيره، فمنهم المثقفون "الخفاف" الذين تتحول المعرفة عندهم الى صناعة لفظية وشهادات ورقية يتحصلون من خلالها على معاشهم الدنيوي، وينالون بها حظا في البريق الاعلامي، ومنهم المثقفون "النافرون" المهاجرون، يفر احدهم من المستنقع السياسي بحثا عن الكرامه والحرية والاستقلال المادي - وهو بحث مشروع - ولكنه قد ينتهي به في أودية الغربة وضنك الحياة، فلا وطنا ابقى ولا استقلالا ماديا انجز؛ ومنهم المثقفون "الفنيون" يوظف احدهم تدريبه العلمي وخبرته الفنية لخدمة السياسي، خدمة ينفصل فيها النشاط الاداري عن غاياته البعيدة واهدافه القصوى، فالمثقف الفني يتصل بجهاز الدولة اتصالا عضويا لا ينفك عنه بتغيير السياسات الجزئية او الرؤى الكلية. بل انه يتلون لكل سياسة بما يناسبها ويقدم لها ما تحتاجه من وسائل التنفيذ والتمكين، هؤلاء ليسوا هم المثقفون الحقيقيون الذين نقصدهم ونسألهم صياغة (رؤية) جديدة أوالتعبير عنها. فهؤلاء قد تراجعوا من افق الالتزام الاجتماعي الوطني الى الاطار الذاتي، ومن المسؤولية الاخلاقية العامة الى الخصوصيات المهنية والفئوية، ومن الاستقلال الفكري الى تبعية القوى المتنفذه سياسيا واقتصاديا، وعندما (يتراجع) المثقفون الى محاضنهم العرقية وخصوصياتهم المهنية ومصالحهم الذاتية تخلو مواقع الإمامة الفكرية والسياسية ويكون ذلك ايذانا بالانهيار الاجتماعي. على انه لاينبغي ان يفهم من هذا ان المثقف يمثل قوة مستقلة عن القوى الاجتماعية الاخرى او متعالية عليها. ولكن فحوى القول هو ان المثقف لا ينبغي ان يستمد قوته من المؤسسة السياسية، ولا من تبعيته لاحد الشرائح الاجتماعية التي تمسك بتلك المؤسسة وتوزع من خلالها الامتيازات، وانما ينبغي ان يستمد قوته من قدرته واستقلاله الفكري، ومن موقفه الاخلاقي، ومن فاعليته الاجتماعية، فالفهم والمواقف والفاعلية هي منابع قوته الذاتية، والفرق بين انــواع المثقفين لا يرجع الى القدرة او ا لعجز في تحليل الظواهر والافكار، فما من مثقف الا وهو اخذ بنصيب من ذلك - قل اوكثر- ولكن الفرق يرجع الى دائرة الصدقية الاخلاقية او الى دائرة الفاعلية الاجتماعية. ثم ان هاتين الاخيرتين - الصدقية والفاعلية - هما اللذان يؤهلان المثقف ليكون عنصر تأليف وتكتيل وتنظيم لسائر القوي الاجتماعية،ولكن لن تكتمل للمثقفين هذه الاهلية الا بأمور، منها: 1/ ان يحسوا بذواتهم المستقلة فيفكوا الارتباطات العضوية بالمجموعات الاخرى، اذ لن يكون المثقف مثقفا حقا ان لم يحتفظ ببعد نقدي بينه وبين عشيرته القريبة وقبيلته المحيطة وتنظيمه المغلق، وقياداته السياسية التاريخية، ذلك لانه بدون هذا البعد النقدي فلن يكون في مقدور المثقف ان يسهم في عمليات الاصلاح والاحياء التراثي او في عمليات التجديد والتحديث، لأنه سيكون عندئذ فاقدا لشجاعة النظر في معطياته الثقافية وقناعاته الآيديولوجية، وسيعجز عن نقدها وفحصها، والاعتراف بما فيها من ضعف وقصور، كما سيكون فاقدا لشجاعة النظر في المعطيات الثقافية "للآخرين" والاقرار بالقدر المشترك فيها من الحق والخير والجمال، فيفوت بذلك كل فرصة لايجاد اطر مفتوحة للحوار والتعايش الانساني السلمي. 2 - أن ينشئوا قنوات حقيقية للتواصل والحوار بينهم، فلقد اضر بالمثقفين انهم لايعرفون بعضهم البعض - لا اقصد معرفة الاسماء والالقاب ولكن معرفة الافكار والرؤى، فاذا تم اتصال فكري حقيقي بينهم فقد يكتشفوا ان المشكل الوطني (الاجتماعي والسياسي) الذي يهمهم جميعا لا يمكن ان يحل بان ينحبس كل فريق منهم في (صندوقه) الخاص، ان الخروج من الصناديق بكافة اشكالها العرقية والآيديولوجية هي بداية الطريق نحو الاصلاح والنهضة الشاملة. 3- أن ينشئوا قنوات جديدة حقيقية للتواصل مع الجمهور العريض الذي ظل يتململ تحت قياداته التاريخية العاجزة الفاشلة وقياداته الجديدة الانتهازية الفارغة، فلايكفي ان يتناجى المثقفون مع المثقفين بينما تنحدر قطاعات المجتمع الى مستنقع الحروب العرقية فلا تجد هاديا ولا ناصحا الا السياسيين الانتهازيين وتجارالاسلحة والدمار. فاذا توفرت هذه الامور المفضية الى الاهلية الفكرية والأخلاقية فسيكون في مقدورنا أن نجيب على سؤال (من نحن؟) فنحن لا تعني فردا فقيها يطل على الناس من حين لآخر بفتوى، لان مثل هذه الامور لا تعالج كما هو معلوم بفتوى متعجلة يصدرها فقيه واحد، او برأي فطير يقول به مفكر منعزل، وانما تحتاج الى جماعة من المثقفين ممن يتوفر فيهم التحرر من التبعية الفكرية والعصبية التنظيمية يعملون في صمت وصبر في إطار مشروع اصلاحى من اجل مراجعة الأوضاع الراهنة للحركة الاسلامية وتركيب رؤية جديدة للمستقبل الاسلامى فى السودان، يمكن أن تنبثق منها خطط طويلة المدى وسياسات محدودة وأطر للاتصال والتنفيذ. ثم إن هذه الجماعة الاصلاحية لا تعني طبقة من رجال الدين - كما يظن من يخالفنا الرأى ولا هي فئة من اصحاب الشهادات العليا الباحثين عن رواتب او مناصب، ولكنها مجموعة من المثقفين المسلمين الذين رسخ احدهم بحكم تخصص دقيق اوخبرة او تدريب مهني في مجال من مجالات المعرفة والحياة، او مجالات الفنون، وصارت له قدرة على الانتاج المعرفي وتوفر لديه مع ذلك التزام بقيم الدين ورغبة في تنمية وتطوير الوطن، فهؤلاء بقطع النظر عن مواطنهم الجغرافية ومواقعهم الوظيفية يمكن ان يتداعوا لتشكيل فرق علمية قادرة على بناء رؤية اسلامية بديلة، قادرة، وهذا هو الاهم - على تفكيك وتعرية المسلمات الهشه والمزاعم السائدة، فينفتح الافق لطرح خيارات في الرؤى، وخيارات في الخطط وخيارات في القيادة تدور حولها عملية الشورى، مما قد يؤدى بصورة طبيعية الى تفعيل الحركات الاسلامية والى تفعيل المجتمع المدني الاسلامي، لينهض بمسؤولياته ويحقق ارادته من خلال التنظيمات والمؤسسات والعلاقات التي يريد. هذا، ولا نعرف في التاريخ مجتمعا تطور دون أن يتقدمه نفر من المثقفين الذين يقومون بمثل هذه العمليات الحفرية العميقة. وهذه الجماعة لا يراد لها فى الحال أن تزاحم التنظيمات القائمة، أو أن تسارع الخطو نحو مواقع السلطة،بقدر ما يراد لها أن تعيد الحركة الى النهر بأن تزيل السدود والأعشاب الضارة فيتبلور تيار اسلامى وطنى رشيد يؤلف بينه ايمان بعقيدة الدين، والتزام بالمنهج العلمي، فاذا تكاملت ونضجت تلك الرؤية الاصلاحية الجديدة، فقد تجتذب اليها قطاعا من الأغلبية الصامته، وفئات من أطراف النزاع الراهن، وهذا يعني (ضمن أمور أخرى كثيرة) أن تنداح من بين الفرث والدم مساحة عامة ثالثة يمكن ان تتولد فيها قيادات جديدة تكون أبصر بالمخاطر وأقدر على العطاء. ومانقول به هنا ليس بدعا، ففي الدول الغربية الحديثة التي تقدمت علينا في مجالات التخطيط والإدارة توجد "مصانع" خاصة لتوليد الأفكارثم نوجد "نحن" من بعد ذلك لنشكل حقولا حية تجرب فيها تلك الأفكار والنظريات. وما لم نشرع بدورنا في القيام بعمليات مماثلة، ليس على سبيل المحاكاة والتقليد فقط، ولكن على أساس من قناعة ذاتية وايمان عميق بأهمية الأفكار وبأنها تسهم في تغيير الواقع وصناعة المستقبل، فان كثيرا من المشاريع الأخرى التى تصب فيها الموارد المالية وتبذل فيها الجهود الحربية ستكون عديمة الجدوى على المدى البعيد، وسنكون معرضين بصورة مستمرة لأن نصبح "فضاء خاليا" تجرب فيه نظريات الآخرين، وسيكون "الآخر/الخارج" عاملا حاسما فى حياتنا السياسية: يطلق المبادرات، ويحرك الساكنات، ويصنع تاريخنا.
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الأربعاء 03 أغسطس 2011, 11:37 am | |
|
بصيرة ثانية د. العريفي وزول اليوتيوب الخرافي
محسن خالد
بسم الله البدء، والمنتهى، وعليه الاتكال وفيه الرجاء، والصلاة والسلام على النبي الخاتم الحبيب محمّد، اللهم نسألك الصدق في المقصد قبل القول، وفي السلوك قبل النصح، ونعوذ بك أن نكون ممن لا ينتهون عمّا ينهون عنه. إنّني أحد النّاس الذين رأوا شيئاً مما يقدمه د. محمّد العريفي في برنامجه الشهير "ضع بصمتك"، وفي الحقيقة لا عهد لي برؤية البرامج التلفزيونية عموماً، وخصوصاً العربية، لولا الإنترنت، لأنني لستُ من المشاهدين للتلفزيونات ولا المتابعين لها إلا قليلاً قليلاً، ولبعض قنوات الأخبار من أجل معرفة ما يدور في العالم، وأيضاً أعتمد في المتابعة الأشمل لذلك على الإنترنت. ولنا في تحوُّل الدنيا بشساعتها إلى عالم إنترنت يمكن ولوجه من أي مكان، بحيث لو قلت كلمةً أو كتبت مقالةً، أو فعلت شيئاً، أنت نفسك لا تعرف المدى الذي تبلغه فعائلك وأقوالك، ولا نوعية أو كمية العقليات التي اطلعت على ما تفعل أو تقول، وهذا في حدِّ ذاته مما يحاذره اللبيب ويتنبّه له المتيقظ لا الغافل، ممّا بلغته الدنيا اليوم من اتساع، ومن هَدْمٍ لجُدُرِهَا في بعضها بعضاً، لأجل خلق جيرة واحدة متسعة. د. العريفي لا أمتلك معرفة تاريخية أو سابقة به، وأحسبه رجلاً فاضلاً وداعية إلى الهدى نتمنّى من الله أن يتقبل منه دعوته إليه، وأن يهدينا وإيّاه إلى سواء السبيل وطُرق الرشاد. واختياره لطُرُق الدعوة لله لن يجعلنا نعفيه من النصح، بل سيضاعف من أهمية وضرورة مراجعاتي الحالية له هنا. والذي أتمنّاه عليه، وأؤمّله فيه هو أن يتوب إلى الله ويعتذر عمّا بدر منه لإخوته ذوي اللكنة بخصوص العربي في كل مكان، لإخوته من السودانيين، ولكُلِّ ذي لكنة من المسلمين. المثقفون السودانيون يعرفون أنَّ هنالك تنميطاً للشخصية السودانية يجري في أجهزة الإعلام العربية، وقد توانوا كثيراً في التصدي لذلك التنميط، ربما لإحالتهم تلك السلوكيات إلى الجهل الفردي، ونوازع العوام ومصائبهم، وسوء الأجهزة الإعلامية العربية بمعانٍ كثيرة، أوّلها أنَّها في غالبها أجهزة رؤيتها متوارثة عن التفكير القومي العربي، المناهض للسماحة الإسلامية والسَّعَة الأممية الإسلامية، والأهداف الشمولية للنظرية الإسلامية، وآخر سوء تلك الأجهزة الإعلامية ذات التوجّه القومي العربي، هو الكفاءة المتدنية لهذه الأجهزة العروبية إذا قارنّاها بالإعلام العالمي. فالإعلام العربي هو إعلام ضعيف من ناحية القدرات النقدية الموجّهة لسياساته، وهنا لا أقول شيئاً دون شاهدٍ ولا خارج موضوعتي الحاضرة، فسآتي لنقاش ما رواه العريفي من نكتة عن شخصية سودانية والكيفية التي تمّ بها عرض تلك النكتة الإثنية الفجّة في قناة العربية، ومادَّة النكتة مما يعاقب عليه القانون هنا في الغرب، انظر اسم القناة العربية، غريب! وضحك المذيع على النكتة وتعليقه غير المسؤول على الموضوع بكامله، الشيء الذي لو فعله مذيع في الغرب لتدمّر مستقبله المهني، ولطُرد فوراً، وحُورب مستقبلاً من العمل داخل أي جهاز إعلامي حتى يعتذر اعتذاراً علنياً، وحتى يقبل ذلك الاعتذار، وأيضاً يبقى ذلك المذيع مُضَايَقَاً في عمله لو عاد بعد فعلة كهذه، وغالباً مثل هذا السلوك هو قاصمة ظهر لشخص إعلامي، أو لأي شخص صاحب عمل يطل على الجماهير. لقد ضحك مذيع العربية، اسمه محمود الورواري، حتى إنّ زميله شعر بالحرج من ترتيق الأمر، فيبدو أنَّ زميله هذا يهتم بحرفته وإتقانها، هذا بأقل تقدير، فإن لم يكن يمنع الأخ المذيع خلقٌ حقيقي ولا تخلّق فالواجب هو أن يمنعه الاحتراف وإتقان مهنته. فكل مهنة متعلّقة بالناس أجمعين لا تحتمل الانحياز ولا سوء التقديرات، غير المغتفرة مثل ضحكته الفجّة تلك، ولا الأخطاء الفاجعة على نحو إساءة الأديان والمعتقدات وإلخ من ألف باء الإعلام، بل من ألف باء الحياة قبل التحضّر، ومن برايمري الحساسية، والذوق. ضحك مذيع العربية، بفجاجة، وقال بالحرف الواحد {طبعاً تتفق أو تختلف هي دمها خفيف يعني}، يا أخانا الإعلامي تتفق أو تختلف على ماذا؟ أهناك نقاشٌ معرفي مثلاً، أو طرحٌ للآراء في قضية ما، ربنا يهدينا ويهديك! الإساءات العنصرية وإساءات التمييز على نحو ديني أو نوعي أو غيره تعتبر مواداً جنائية، وتناقش في المحاكم بوسط المواد الجنائية، ويتلقى الناس فيها عقوبات صارمة وقاسية للغاية، دون لعب أو مزاح. أتدري لماذا؟ لأنَّها خطوة بشعة ناحية إنتاج ما هو أكثر بشاعة من الكلام، كما حدث في جريمة قتل الأخت المغدورة، ظلماً وغيلةً، مروة الشربيني في المانيا، لو كنت تذكر؟ أو لو مرّ بك ذلك في المواد الإخبارية "المضحكة!؟" كهذه "يا تُرى؟"، أم المؤسية حد الموت ومفارقة الحياة. فالإعلام والفنون والعلوم هي ساحات مفتوحة على كامل حياة الناس، هنا في الغرب وفي كل مكان، لذلك فالعاملون عليها وفيها يفترض فيهم أن يكونوا أهل الجميع، والحب والتقدير والاعتماد عليهم يكون من الجميع، مثلهم ومثل ساحات القضاء. بالفعل هذه الأجهزة الحسّاسة هي ساحات عدالة رسمية ومشرّعة في الدستور كذلك من ناحية حقوقها وواجباتها، والمجتمعات الإنسانية هي أخلاط وأنواع والله قد جعلها شعوباً وقبائلَ للتعارف، فكيف يسمح جهاز إعلامي محترم، أو كيف يقوم عالم أو فنّان ذو قيمة بتجاوز أحد الخطوط الأخلاقية الكبرى في العالم الآن، وهي السخرية من جنس أو عرق أو لكنة أو دين، هذا شيء غير مقبول في عالم اليوم إطلاقاً. وكلامي هذا لا يعني أنه لا يوجد عنصرية وتمييز في المجتمعات الغربية، كل شيء موجود، ولكن لا تستطيع أن تمارس العنصرية والتمييز في جهاز إعلامي، عينك عينك، وتستهر بآخر عينك عينك، ولا تستطيع أن تمارسهما وأنت شخصية معروفة ولها وزن مثل أخينا العريفي، أو أن تمارسها بداخل جهاز إعلامي يطلُّ بمواده على الملايين كما فعل أخونا مذيع العربية. بأي حال التنميط الذي جرى للشخصية السودانية يمكن ردّه إلى صراع سوق العمل في الخليج، والقراءات الاقتصادية لأنماط الصراع بوسط أسواق العمل موضوعة طويلة وثقيلة نتجاوز عنها بمجرّد الإشارة إليها، فالمجموعات الإثنية المهاجرة إلى الخليج، بجميع أشكالها وأصولها الجغرافية المتنوعة، لعوامل اقتصادية وثقافية كثيرة ناجمة عن صراع العمل والتباين الثقافي صنعت لها متخيّلات وجودية لبعضها بعضاً، فهناك من مجموعات العمل المنافسة للسودانيين داخل الخليج من اجتهد اجتهاداً ضخماً ليقول إنّ السودانيين كُسالى! علماً بأنَّ تاريخ بلدان النفط هذه موجود، وهذه البلدان النفطية كلها نهضت في ظروف مفهومة وموثَّقة ولعبت المجموعات السودانية المهاجرة لبلدان الخليج دوراً قوياً في بناء هذه الدول. أعتقد بأنّ التنميط ذاته لم يحرم المُنَمَّطين السودانيين من كونهم مثقفين، ويحبون التعليم، وأمناء وصادقين وكرماء، ولكنهم كسالى، شايف؟ وأيضاً يُوجدون حيث تتوفّر النكات ولله الحمد على أسواق العمل وكوارثها. مع إدراك أنَّ المجموعات التي تُهاجر للخليج هذه هي مجموعات محدودة من ضمن مجموعات سودانية أخرى مهاجرة إلى الغرب، فالسودانيون من العرب والمستعربين لا يعرفون كثيراً عن صورتهم في تلك البلدان، ولا يعرفون عنها سوى أنَّها بلدان لإخوتهم من المسلمين الذين لو دعا أي داعٍ لتكون الخرطوم ميدان حربهم كما كانت حين اللاءات الثلاث فلن يتردَّدوا في التلبية. ويلزم الانتباه لكون الدنيا الآن تغيّرت، والإنترنت ينقل للناس كل ما يعتقدونه ويتصورونه عن بعضهم بعضاً، بالإضافة للصراع السوداني المزمن بين العربي السوداني أو المستعرب، وبين الكوشي، هذا الصراع الذي آتى في الأيام الماضية نتائج نزيفه الطويل بانفصال الجنوب السوداني عن الشمال، وهو الرقعة الأكبر تمثيلاً للثقافة والوجود الكوشي بصورته العريضة والعريقة. وما يزال القتال الآن دائراً بين الثقافة الإسلاموعربية وبقية الكوشيين في أقصى الشمال-نوبيين وفي الغرب –نوبيين وكذلك الشرق. أكتب هذا الكلام المهم، والخطير، لعناية الداعية العريفي وأمثاله، فهم عادةً لا يعرفون ما هو السودان وما هي الثقافات السودانية! ولم يسبق لهم أن ذهبوا إلى هناك ولو من باب الدعوة إلى الله، أو ليستنبطوا بأنفسهم أنَّ السودان قبل انفصال جنوبه كان معجزة الحضارة الإسلامية الأكبر من معجزة الأندلس. فالحضارة الإسلامية هي التي بَدَّلت ديانات السودان القديمة وثقافاته بالكلمة السواء، لا إله إلا الله، محمّد رسول الله، بالعروة الوثقى، اللهم أمتنا عليها وانشرنا في أهلها، لا أهلنا، إن لم يكونوا من أهلها بالحق لا الزعم. ولكنَّ إخوتنا في البلاد الثانية ضعيفون في معرفة أحوال إخوتهم هناك، حيث مَنْبَتُ آدم الأسود عليه السلام، ولكن اسأل أي سوداني تقع عليه عينك عن العراق أو اليمن أو ما شئت من بلدان المسلمين، وإن شاء الله سيعجبك بمحبّـته لإخوته قبل ثقافته ومتابعته لأحوالهم. أكرّر، أكتب هذا الكلام لأجل العريفي وأمثاله، لأنّهم لا يعرفون أن ما يعتقدونه نكات بريئة هو مما دمّر الدعوة إلى الإسلام وأفقد السودانيين جزءاً ضخماً من بلادهم بحجة الاستعلاء العرقي والديني، وفي طريقه لتدمير تلك البلاد أكثر مما تدمّرت لتفقد منطقة جبال النوبة أيضاً، وربما النيل الأزرق، والله وحده أعلم بما سيكون. فالآن على اليوتيوب يجري تصنيع الزول في الدنيا من جديد، واختار منتجو تلك المواد للسودانيين، تصوّراً كوميدياً "مضحكاً".. لماذا! لا أدري؟ ولكن المسألة ليست يسيرة ولا مصادفة، بل تُوجد على اليوتيوب عشرات المواد التي تقدّم السودانيين من خلال رسوم متحرّكة، تعب عليها أهلها وصانعوها وسهروا الليالي في إخراجها، ومن خلال نكات صعاليك ومشائخ وإلى آخره، وهدف تلك المواد تنميط الشخصية السودانية وتقديمها بوصفها مادة مضحكة، راجع اليوتيوب واكتب مثلاً جملة بحثية مثل اضحك مع الزول، زول مضحك، سوداني قطع مصارينا بالضحك، وإلى آخره مما يستغرب له حتى إخوتنا من بلاد ثانية، ممن امتلكوا وعياً ونضجاً بما يحاك لهذه الأمة في شمولها، ليسألونا، ما الذي يجري!؟ المواد التي ينتجها سفهاء ومروجو كراهية بفهم إثني وعنصري مقصود لا أرى من واجبي الرد على أصحابها، وسيجدون بالتأكيد من عينتهم السودانية من يرد لهم صاع الظلم والقيح بأبشع منه، فلا كرامة لجاهل على جاهل مثله! أي سيشعل نارها الجهّال ويحتار فيها من له لب، فقطعاً هي حرب مقصودة للقضاء على هذه الأمّة وتدميرها وتمزيقها إرباً، بكل الوسائل والطرق، والله المستعان. ولكنني لن أترك من يُؤمّل فيهم الصلاح والمتاب أمثال أخينا العريفي. فهو قد وقع في ما يُسأل عنه أمام الله، وما سنسأله عنه هنا في هذه الحياة الدنيا حتى يتوب إلى ربه ويستغفر ويعتذر. فتركيزه على نسبة ما هو مضحك للسودانيين هو في جوهره وقوع تحت مكر هذا التنميط البائس، حتى لو لم يكن العريفي متيقظاً له. لقد سمعتُ العريفي وهو يحكي نكتة عن سوداني يروي قصّة عن النبي محمّد عليه الصلاة والسلام فيحيلها إلى رواية باللغة السودانية الدارجة، وهو يمتدح السوداني أثناء قصته ويقول أخذته الحماسة فأحال القصة من الفصيح إلى اللغة السودانية الدارجة. القصّة لا غُبار عليها، وعلامات الروي كما يقول علماء السيمولوجيا لا مشاكل تحيز فيها كبيرة.
بالرغم من كونه يركّز على مفردة "ذاته" فالعرب حين تقليدهم للسودانيين يرونهم يكثرون من استخدام مفردة ذات، وهذا حقيقي، وأكثر فصاحة من قول بعض العرب "روحه" و"نفسه" لأشياء لا أرواح لها ولا أنفس، قاصدين تعيين الذات، ذات الشيء، ولُبُّه، السودانيون يقولون الشيء ذاته، لأنَّ الشيء له ذات لا روح ولا نفس، ولأنَّ المفردة تصلح مع ما له روح أو نفس ومع الشيء. فالمشكلة هنا، في هذه الحالة، ومع هذا الإضحاك، ليست في مضمون أو اتجاه القصة، وإنّما في المجرى العام، لما نلمحه في اليوتيوب وعلى منتديات العرب، وفي النكات التي توزع من خلال الهواتف، حول جعل السوداني نبعاً ووكيلاً للنكات والسخر، والله المستعان. ليس السوداني، بل جعل الإنسان والبشري عموماً في حال مسخورٍ منه، الأمر الذي نعرف توجيه الأخلاق الدنيوية والدينية بصدده وبصدد الاحترام للنفس والآخر. قلتُ إنني أركّز على من يزعمون أنهم أبناء النظرية الإسلامية، الإسلام أبي وأمي، وكل المسلمين إخواني، على هؤلاء الدعاة، ولا مجال لمناقشة الوعي الخاسر المتعمّدة فيه العنصرية وروح التمييز من سلوك الداصة وأهل المذاب وكلامهم. هناك مادّة فيديو معروضة على اليوتيوب بعنوان {القرضاوي والبشير ينشدون بعد سقوط مبارك} القرضاوي هو العلم الشيخ يوسف القرضاوي والبشير المعني هنا هو الدكتور عصام أحمد البشير، لقد تأمّلتُ في هذه المادة بغرض مواضيع ثانية وأهداف كتابة أخرى عن الإخوان المسلمين بعد الفشل المريع والذريع لتجربتهم التي دمّرت السودان ونزلت به إلى الحضيض وقسمته إلى قسمين والله أعلم كم سيغدو السودان غداً! المهم، موضوعنا الحالي هو التنميط بداخل أدمغة المتدينين هؤلاء، وفي تقديري الموضوع يعود إلى هشاشة وبساطة هذه العقليات التي لم تتلقَّ تدريبات معرفية كافية على النقد والمعارف البحثية الصارمة، لو كان العريفي وصحبه بحّاثة حقيقيين لما وقعوا في مصائد سهلة وبيّنة مثل هذه، بل هم هنا لا فرق بينهم وبين شخص غريب التصوّرات ولا أستطيع أن أقول بينهم وبين شخص عامّي، وكأنّ العامي يفتقر إلى الذوق والحس السليم بالعدالة والأخلاق كما وقع إخوتنا هؤلاء في مثل هذه الشنائع! المهم، أنَّ الدكتور عصام أراد أن يُشارك بتقديم نشيد، فيقوم أحد الإخوة من أمثال أخينا العريفي بالإعلان والتدليل لهذه المشاركة برنّة صوت محظوظ، كأنّه قبض على ذيل مسرحية لعادل إمام، شاهد الفيديو في اليوتيوب كي ترى الشخص وهو ينادي في الجمع، من خلال هذا التنميط للشخصية السودانية وجعلها "شعاراً" للإضحاك، يقول الشخص الفرح في الفيديو {يا أخوانا في بس الدكتور عصام، عايز يعني يغنيلكم حاجة بالسوداني، حااجة بالسوداننني} وآخر جملته هذا، يفهم منه التبشير بمسرحية قادمة، وفعلاً هناك همهمات فرح صدرت هنا وهناك، ويلتقط عصام هذا، القادم من بلاد الزول الخرافي، بلغة المتنبي الشاعر العنصري، الأمي ثقافياً، وعديم الأخلاق، المتوقّع على أبواب الأمراء، يقول لكافور، ومثلك يؤتى من بلادٍ بعيدةٍ ... ليضحك ربّات الحِداد البواكيا. يشعر عصام بهذا التنميط، وباستعداد أرباب –اللاحداد "القومي!؟" على القدس- للضحك، فيقول نافياً عنه هذا التنميط الخفي والبيّن في آن {لا لا بس، على نسق قصيدة الشيخ}، والشيخ المعني هو القرضاوي، الذي سبقه في الإنشاد، ولم يسبقه دلاّل أو سمسار يعرض بضاعة الشيخ على أنها شيء "طريف" و"مضحك" قادم من مصر مثلاً! ولكن عصام الذي من المصر السوداني يُواجَه بهذا التنميط الجاهز، الذي تشتغل عليه جهات كثيرة كما أسلفت، لإنتاج "زول اليوتيوب الخرافي"، المضحك، ويا للعجب! مناحي أيضاً لم يقصّر، ومن هو مناحي هذا والله المستعان!؟ هذا صانع برامج مضحكة حسب ظنّه، هكذا ذهب أخونا العريفي ومعه صحبٌ من الدعاة، لينافسوا مناحي في بضاعته ولله في خلقه شؤون. تقول شخصية سودانية ممن يعملون مع مناحي هذا، وهناك المضحّكاتي داؤود حسين والسودانيون أيضاً، وكوميديو طاش ما طاش مع السوداني أيضاً، لا تنسَ، هؤلاء كلّهم انعدمت النكات عندهم ولم يجدوا سوى تلبيس النكات للعِمامة السودانية بعزبتها، الإرث الباقي من شكل النبي محمّد وصحبه الأخيار، وتصنيع تلك النكات بمقاس السودانيين، وقد بدأ هذا الصف الكوميدي الطويل من التنميط والإزراء إخوتُنا في المسموعات والمرئيات المصرية، لهم الشكر، على الإساءة للسودانيين بوصفهم النوبيين في السودان ومصر، وبوصفهم الفلاح، الشخصية نقيضة أبناء وسلالة الباشوات! تقول الشخصية الكوميدية التي تعمل مع مناحي بعد أن يسأله مناحي {إنت صيني؟}. انظر للمادة التي يهتم بمعالجتها فنياً مناحي هذا، ألم يجد شيئاً في هذه الدنيا العريضة والمليئة بالأفكار سوى هذه اللازمة الإثنية القبيحة، الفجّة! فمناحي بعد أن يفرغ من السوداني يلتفت ليسأل الشخص الآخر أيضاً {عفواً، الأخ كوري!؟} و.. إلخ من الركاكة التي لا يجاورها معنى ولا يشتمل فضاؤها على خير أو نباهة مهما تطاول بها الأمد، وأمهلها صبرُ المشاهد. يسأل مناحي الشخصية التي تمثل له شعوباً بأكملها، بالمناسبة السودانيون شعوب كثيرة وليسوا شعباً واحداً، مناحي هذا على وجه التحديد لا يعلم عن تلك الشعوب شيئاً، لذا يسأل تلك الشخصية المخترعة في مادته الإضحاكية، إنت صيني؟ فتجيبه الشخصية {يا ابن الحلال يعني شايفني لوني أبيض، وألا عيوني كدا! وألا شعري ناعم، عشان تقول لي صيني؟} وهذا في حد ذاته تنميط من جهة ثانية، فالسوداني الأبيض موجودٌ بما يَنُدُّ عن الحصر، أما العيون "كدا" فيقصد بها العيون غير المتسعة مثل العيون الصينية، وهذه أيضاً موجودة في قبائل سودانية بأكملها، أما الشَّعَر الناعم فيُوجد في قبائل سودانية لا عد ولا حصر لها إطلاقاً، عربية وكوشية معاً. ما فائدة الشكل البشري بكامله في صراع الوجود، وبين ثنايا النظرية الإسلامية!؟ ولِمَ التنميط؟ لمصلحة من يجري إيجاز "صورة" بلد ضخم مثل السودان متعدّد الثقافات والأعراق وكلّها إنسان، فالسودانيون لا يمتلكون قروداً ناطقة في ذلك السودان الخرافي. إذن لمصلحة من، بالأساس، تتم مثل هذه الحوارات المتدنية التي لم يعد لها وجودٌ في العالم كلّه إلا لدى غلاة العنصريين الأوروبيين، وهؤلاء محرومون من الإعلام الرسمي حرماناً تامّاً، ومن خلفهم قانون رادع، على عكس البيئات العربية! حيث كان يفترض، أن تسود مشكاة الإسلام وحسن أخلاقه وتربيته التي يبنيها في الفرد. ما هذا التدنّي! بينما بوسع الناس أن يقدموا شيئاً أفضل، ومفيداً، وبوسع البشري تبني ما يدعم الكرامة الإنسانية، والإخاء، وما يدعم احترام الآخر الذي ينطلق من احترام الذات، وإن لم تعجب الإنسان الحسنى، فهناك ما يعرف بمواثيق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، والردع بالقانون، أعني بالصالح من تلك المواثيق لنا بوصفنا مسلمين. ولكي تتأكّد من كون صاحبنا العريفي، يروي ظُرْفَه غير المحسوب ولا المنضبط هذا في مدى التنميط المطروح هنا بشحمه وورمه، نجده يروي قصة ثانية عن ممرض سوداني يعيش في بلد غربي ويدعو ذلك الممرض إلى الإسلام وقد هدى به الله أسرة غربية ما، نعم ما المُلْفت في هذه القصة؟ لا شيء! إنها "فقط" المخيلة التي يروي بها العريفي قصصه ويصنع بها تصوراته للعالم والبشر، لقد حاول في القصة أن يحيل تعجبه لكون السوداني الذي يروي عنه كان مدخّناً ولم يكن ملتزماً بدقائق الالتزام كيما يدعو غيره لدين الله! شيء عجيب! وقصة لا ندري ميزة واحدة لها سوى أنّها منسوبة "فقط" لسوداني بوسط محيط التنميط العريض هذا! يسأل الشخص المصاحب للعريفي صديقه العريفي، العريفي هو طبعاً من يروي القصة، ويقول ذلك بروح تفخيم، بتعجُّب وتهويل شديد للأمر، مع تركيز عظيم على المشهد {تدري أسلموا على يد من؟}، ويجيب العريفي صديقه من خلال الرواية {قلت أكيد على يد واحد من هؤلاء المشائخ وألا الدعاة الكبار، ها الرجل ها اللحية، وها الزوجة ما شاء الله التمسّك} .. وكأنّما كلما كبرت لحية ذلك الرجل الذي دخل إلى الإسلام فذلك يعني كبر الشيخ الذي دعاه لدخول الإسلام! الكِبَر الظاهري بمعنى الفخامة والإنفاق على تلك الفخامة كما يردف في جملة ثانية له {أكيد أنها.. يعني.. أسلموا على يد واحد من الدعاة المتعوب عليهم}! كأنّما التقوى غدت شيئاً منظوراً وفخماً، إذ يشير العريفي في القصة لكون السوداني كان حالقاً لحيته وشنبه، والمشكلة تكمن هنا، في كون العريفي يرى بدلاً عن العالَم، قشرة ذلك العالَم، بينما الله {ينالُه التقوى} منّا. وسؤالي لأخي د. محمّد، هل هو داعية متعوب عليه؟ أين حساسية المعارف النقدية، وآثار هذا التعب والكد من أحاديثه المنفلتة و"العايرة" هذه إذاً؟ هل داخله بسيط وبهذا المستوى الركيك، وغير النقدي من رؤية العالم؟ وقبل أن أستعرض النكتة قاصمة الظهر لأخينا العريفي، أريد مطاردة هذا النسق العام لتنميط الشخصية السودانية. المشكلة أنّ هذه الشخصية السودانية المفبركة، من كثرة التنميط الذي أُنزل بها، أصبحت شخصية خرافية تخص اليوتيوب وحده كما عنونت هذه المادة. دعنا نعرّج على داعية آخر ممن ركبوا موجة الدعوة إلى الله بالسخرية من السودانيين، لأجل تحبيب المستمعين وخلب ألبابهم، تمنيتهم بمواد مرفهة كما بشّر الأخ المسلم أصحابه بالمادة السودانية التي سيقدمها "عصام"، كما ذكر هو، قال عصام بدون دكتور أو شيخ، فرحته بالنكات جعلته في عجلة من أمره، ليلحقها بعد ذلك مصوباً لها بدكتور عصام. وهذا التنميط يسعى أفدح من ذلك ولمواطن أخرى، ويقع حتى لأبناء السودانيين أنفسهم الذين تربوا في بيئات عربية خارج السودان. الشيخ محمّد عبد الكريم، مثلاً، هو شيخ ماهر المعيقلي في القراءات، ورُغم ذلك يُؤتى بشهادة التلميذ للاعتراف بفضل الأستاذ وعلمه في حوارات اليوتيوب، سبحان الله! هل سمعتم بشيءٍ كهذا في حياتكم من قبل؟ التلميذ يشهد للأستاذ!؟ ومحمّد عبد الكريم نفسه، الذي نشأ وترعرع في الحجاز الأرض المباركة، يتحدث عن علوم القراءات في السودان باستحياء عجيب، ويقول بعد عودته من الحجاز إلى السودان {في السودان وجدت بغيتي في مسألة التنوع في القراءات، لأن السودان هو البلد الوحيد، فيما أعلم وأظن، هو البلد الوحيد في العالم الإسلامي الذي يُسمحُ فيه بتعدد القراءات}. فيا أخانا محمّد، مثل هذه الأمور لا مجاملة فيها، والتواضع فيها يبدو متكلّفاً ولا يفرق معرفياً، في مثل هذه الحالات، عن عرض المعلومات بشكل زائف. فهذه حقائق معرفية من كون السودان هو البلد الإسلامي الوحيد، الذي تبقّى من بلاد المسلمين، بالعهدة المعرفية التي يجري من خلالها تدريس قراءات القرآن كلّها، في أي بقعة من بقاعه شئت، من قبل شيوخ أفذاذ لم يعرف الإعلام العربي الكفيف والكسول سبيله إليهم فحسب. والسودان هو البلد الإسلامي الوحيد الذي تبقى فيه إرث القراءات بحذافيره، بتقاليده، بتراثه، برائحته، بعبق تاريخه، كما كانت نُظُم تدريس علوم القراءات في موئلها الجامع –والمتأخّر- من بواكير العهود الأولى للإسلام –بالعراق، بعد أن استوت إلى العراق قراءات أهل الحجاز والشام ومصر. فأخونا العريفي يضحك ويكرّر في النكتة التي يرويها عن الحاج المزعوم الذي ظنّ أن الممرضات الفلبينيات من حور الجنّة فانهبل ينادي ويصيح بلغة العريفي {الهور الإيين، الهور الإيين} والمقصود الحور العين، ثم {واهد واهد، واهد واهد} هذا حينما تَعَهَدْنَه الممرضات مجتمعات فطالبهن بالقدوم إليه واحدة إثر أختها، للمجامعة طبعاً، فتأمّل! العريفي هذا، لن يتوقّع أن يدرّسه أعاجم السودان أهل {واهد واهد، واهد واهد} هؤلاء، القرآنَ كاملاً بقراءاته الشهيرة والأقل شهرةً –معاً- ودون موضعٍ للحنٍ واحدٍ، فادعه إلى السودان إن كنت تعرفه يا أخانا محمّد، فالرجل أخونا في الله، عسى أن يجد شيخ قرآن محسياً أو فوراوياً أو فلاتياً "كارباً" ليحسّن له مهاراته النطقية الخاصة بقراءات القرآن الصعبة. وليعلم العريفي صعوبة ذلك على لسانه هو الشخصي، هذا العربي المعجب بلسانه لدرجة أن يتندّر بالآخرين. فهو رُغم ذلك، قد تعوّد تلاوة القرآن على رواية حفص وحدها، بيسرها المعهود والمعروف، وخلوّها من الإمالات الصعبة، رضي الله عن الإمام حفص وأرضاه. فعسى أن يعلم العريفي أنَّ أعطية الله له عبر القدر والجبر، لأن تكون أمه عربيةً، ليست نهاية الفخَار باللغة العربية، سيجد من إخوته الأعاجم بالسودان والهند وباكستان والشيشان من لا يستطيع أن يجاريهم لدى الحَرِج من مواقع النطق على القراءات الأخرى الصعبة والنادرة، لأنَّ لسانه ببساطة لم يعتد على ذلك. ففي الدنيا كلّها لم تعد مسألة اللكنة هذه، مما يُضحك عنده، ولا ينظر لها على أنها باب في الكوميديا. بل ينظر لمن يضحك على شيء مثل هذا، بكونه شخص يفتقر إلى حسن الأدب، اللباقة والكياسة، وعدم احترام الآخر المختلف، وهذا مما لا يُنظر إليه إجمالاً، في هذا العصر، إلا على أنَّه عدم احترام للذات بالأساس. لأنَّك لو أسأت لشخص، أو سخرت منه، فربما لا يكون حكيماً ويقتص منك فوراً باعتداء مماثل، ما يعرّضك –تلقائياً- لعدم احترام ذاتك وللتشنيع بنفسك لا بالغير. وفي ملاحظاتي معظم الدعاة هؤلاء هم من ذوي اللكنة الشنعاء في اللغة الإنجليزية مثلاً. هذا إذا جاملناهم وقلنا إنّهم يعرفونها بالأصل. غالبهم لا يعرفها، ومن يعرف شيئاً منها يلكن فيها على راحته، ولا يضحك عليه أحد ولا يسخر منه، لأنَّ تلك قدرته وطاقته، ولا يكلّف اللهُ نفساً إلا وسعها. وكل متعلم للغة ثانية غير لسان أمّه هو شخص أكثر اجتهاداً من هذا الشخص الذي يكتفي بالضحك على نطق هذا الآخر، المتفوق عليك بكونه يتحدث لغتك، وأنت لا. فلو جرى تكريم سوريالي ما فمن هو الأجدر بالتكريم؟ الذي يتحدث لغة أمه، وعلاوة عليها يتحدث لغة القرآن بلكنة، ويتحدث فوق ذلك اللغة الإنجليزية أو الفرنسية بطلاقة بوصفهما من اللغات عريضة الانتشار، أيكون التكريم من حظ هذا الشخص، مع وصفة المثابرة العالية والكد الرفيع؟ أم لذلك الشخص الذي لا يجيد سوى لغة أمه والسلام! ومع ذلك يسخر ويستهزئ وكأنه هو العبقري الجدير بالتكريم والنبوغ!؟ بأي حال وسط غابة التنميط الليلاء هذه، نلتقي بالداعية سليمان الجبيلان، هو أيضاً يضيف للشخصية السودانية تنميطاً جديداً من خلال سمكرة الكسل، فعلى يدي هذا الداعية يستحيل الكسل المنسوب بهتاناً للسودانيين، إلى أناة وصبر! ودليل أخينا سليمان نكتة تقول ما موجزه، إنّ شامياً التقى سودانياً لدى إشارة المرور، هذا بعد أن ينمّط الشخصية الشامية على أنها شخصية {أهل الشام غالباً فيهم حرارة} بمعنى الحدّة والسخونة على المعنى الرمزي، هذه مقالته حرفياً. أمّا الشخصية السودانية فهي تدع الإشارة منذ كانت خضراء حتى استحالت إلى حمراء، دون أن تعديها، هكذا، لا لسبب سوى أنّها شخصية سودانية. وفي نهاية النكتة يقوم السوداني، بعد أن يزعق فيه الشامي ويشتمه بالحمار، يقوم بالتفتيش في ثوبه السوداني، ويضيف الجبيلان متسائلاً {تعرفون الثوب السوداني؟} ثم يضيف بعد إشارته للثوب السوداني {الناس واقفين، قالوا أكيد بطلّع سكين، وألا يطلّع إيش؟ مفك} أي كي يرد به السوداني على إساءة الشامي له {إنت ما تشوف، إنت حمار؟} ولكن السوداني الخرافي، من قصّة الجبيلان على اليوتيوب، يخرج طباشيرة ويقول للشامي {مو عيب عليك وأنا مدرّس لغة عربية تقولي حمار؟}. علاوة على أنَّ النكات الإثنية موضوعة محرّمة ديناً وقانوناً، فهي مما يوقع الأشياء في أنفس الناس، ولكن دعنا نثبّت حقيقة من كون الشعوب الشامية على بكرة أبيها، هي وشعوب المغرب لم يقع بينها وبين السودانيين اشتجار أو تهاتر بتاتاً، خصوصاً الشعوب الشامية، لم تقم بتنميط الإنسان السوداني مطلقاً، حسب ما أعلم. حتى التداخل والحراك التجاري والتعامل بين سوريا والسودان يقع في يسرٍ وودٍّ كأنه يتم بين أمصارٍ في بلد واحد، فالشام هي الحضارة وهي الطريق الحضاري لدنيا الحرير منذ آلاف السنين لذلك فهي زاهية وتعامل إنسانها باهٍ وزاهٍ، ودود، لا يبحث عمّا يُضحك بأي حال، فيما يظنّه الشخص مضحكاً، وهو في حقيقته ناعي المسرّات. انظر لتنميط الشخصية السودانية في قصة الجبيلان، هذه الشخصية السودانية التي تتأمّل في ألوان إشارة المرور، أخضر، أصفر، أحمر، وحتى لو امتلكت إشارة المرور هذه بقية ألوان الطيف كلّها، فأيضاً الشخصية الخرافية هذه ستنتظرها تتبدّل لوناً بعد الآخر بلا سبب، لماذا؟ هكذا، ليس لأي سبب سوى أنَّها الشخصية السودانية الخرافية على اليوتيوب، شخصية الإضحاك هذه. وخطورة قصة الجبيلان أنَّه يحكيها لأطفال صغار وليس لأشخاص ناضجين، معهم ملكات نقدية تستطيع أن تتجاوز منتوجات مخيلة الجبيلان التي تخترع أهل الشام والسودانيين حسب هواها، وظروف مادة حصص الجبيلان التي يقدمها ودروسه المُنتجة لشعوب كاملة من خلال قصة شخص واحد، فرد، ومن خلال نكتة إثنية، يصنعها السفهاء وأهل النكات البغيضة، والله المستعان. هذا الأمر يذكرني بانحياز البيئات الغربية الثقافية ضد المسلم والعربي ولذلك تحاول أن تنمطه من خلال أدوات الإعلام الغربي في صور معيّنة تتعلّق بالإرهاب المفترى، المفبرك، كما تصنع الكثير من مواد الألعاب والقيمز Games لأطفالهم من خلال أجواء من جنس بيئة المسلم، وتدور حروب تلك الألعاب ضد أشخاص بهيئات مسلمة، كما انتقدتُ في كتاباتٍ كثيرة لي بعض الشركات بعينها العاملة في هذا المجال، والراعية لترويج وإنتاج ثقافة الكره تجاه المسلم والعربي، من خلال تسويق هذه الألعاب المنمِّطة للمسلم والعربي، للأطفال هنا في الغرب، وتسميم براءتهم بكره بيئات ثقافية محدودة مثل البيئات المسلمة، والشخصيات المسلمة، وهيئة وشكل كل ما هو إسلامي، بخلق وصياغة العالم الإسلامي كلّه على أنّه أهداف من أجل الضرب والحرب والتدمير داخل هذه الألعاب. يبدو أن مشاق التنوير ضد الثقافات الحاطّة من أقدار البشري، تقتضي خوض حروب من الجهتين، وفي البيئتين، المسلمة حيث ظَهْرُنَا، والعالمية الغربية حيث أمامنا، والله المستعان. هل يا تُرى عقليات مثل العريفي والجبيلان وغيرهم من دعاة، هل لهذه العقليات القدرة فعلاً على التقاط ذلك؟ هل لهم قدرات نقد وملكات حقيقية غير هذه الخطابات ضعيفة المستوى وركيكة النماذج؟ هل لهم قراءات في مثل هذه العلوم، هل تلقوا تدريبات معرفية على مدارس مثل البنيوية والتفكيكية وأساليب الماركسية والوجودية كي يعرفوا طبيعة ما عليهم مواجهته في هذا العصر، والمستوى المطلوب من الحساسية فيه؟ ومن الاستعداد الأخلاقي؟ أم عقلياتهم مكرّسة لمثل هذه الطيبات النائمة والغافية، اللاهية، تنشر ما يضر، وتسعى بما يلوح كأنه إصلاح ونقاء، بينما هو في جوهره أم الغفلات كلّها والارتكاس. بأي حال، الجبيلان يبدأ نكتته عن السودانيين برنّة تحبيب للأطفال وجذب لانتباههم {قاعدييين ومروقين المنقه، صاح وألا مو صاح؟} الجملة السودانية "مروقين المنقه" لا تحتاج لتنويه طبعاً، ثم يضيف لها، على غرار، الفيلم الليلة هندي، مصري، أو أجنبي {سوداني هادي}، "لكأنَّمَا" الإشارات أو العلامات الطافية خارج النص، وليس الخافية بباطنه، بل الطامحة على زبد القصة، تقول لهؤلاء الأطفال البريئين، هلّموا هلّموا، القصة القادمة سوداني، لكم أنتم محظوظون بأن تعتبروا من خلال نكتة "للسوادنة"! والله المستعان. وهذا الكلام كلّه، لو اكتفينا منه بهذا القدر غير الشتّام من التنميط، لربما صبر عليه النّاس واحتسبوا، أو فوّضوا أمرهم لله ناجز العدالة، ولكن أخانا محمّد العريفي بلغ حداً ما كان لي أن أصمت عليه بعدها، كي يفيق وينتبه، ويتيقظ ويتوب إلى الله ويعتذر عمّا بدر منه، في القصة التي رواها عن "حاج" لبيت الله الحرام، من الحجّاج السودانيين كما يحرّف العريفي أصل القصة، المعلومة والمعروفة لدى السودانيين. المهم أنَّ هذا الحاج -حسب العريفي- أصابته ضربة شمس واعتقد أنه قد مات بعد نقله للمستشفى القريبة من الحرم، التي كانت كلّها أبيض في أبيض، وظن أنّ الممرضات الفلبينيات هن الحور العين.. انظر لمدى الاستخفاف بالسوداني في مخيلة العريفي.. وإلخ من الإسفاف الذي لا يكفيك العجب مهما تعجب لكون المتحدث داعية إلى الله وإلى دين الله عز وجل. والمؤسف حقاً، أنَّ النكتة التي رواها العريفي ساخراً من السودانيين هي نكتة سودانية بالأصل، طبعاً تم تأليفها بواسطة إخوة العريفي من عرب السودان ومستعربيه سخريةً من بعض إخوانهم في السودان، والحمد لله أنّ العريفي حكاها عن السودانيين جميعاً، كي يتعظ عرب ومستعربو السودان منتجو تلك الخبائث. لأنّ معظم المواد التي يتناولها العرب الآن ويدمغون بها السودانيين قاطبة، هي في أصلها مواد أنتجها عرب ومستعربو السودان! فالعرب خارج السودان أجهل ما يكون بالسودان، اللهم إلا من رحم الله، وبذر في قلبه محبة إخوته بنظرية الإسلام حيث كانوا. وإنّي أسأل الأخ العريفي بالله أن يدلنا على المصدر الذي وجد فيه مميتة التُّقَى تلك! فهي نكتة سودانية قديمة ولئيمة للغاية، وتُرْوَى عن قبيلة كوشية معروفة وتستهتر بتلك القبيلة وبطريقة لكنتها في منطوقها من اللغة العربية. فيا للقبح، ويا للبؤس! هل اللكنة مما يُضْحك؟ هل الطريقة التي ينطق بها إخوتنا من أي جنس أو مجموعة إثنية اللغةَ العربيةَ هل هي مضحكة؟ الطريقة التي يقرؤون بها القرآن أهي مضحكة؟ هل اللحن بالنسبة لشخص أمّه غير عربية، أو ضعيف التعليم، مضحك مثلاً؟ كم حَلْقَةً بلغ أخونا العريفي من برنامجه "ضع بصمتك"؟ وعلى امتداد تلك الحلقات كلّها، لم يفتأ أخونا محمّد يكرّر قوله "حَلَقَة"؟ فهل تُوجد في لغة العرب مفردة اسمها "حَلَقَة" بفتح اللام!؟ أليس الصواب أن يقول "حَلْقَةً" مثل "حَلْبَةَ"، فهل هذا يدعو للضحك عليه والتندر به مثلاً؟ أقول ذلك لأنَّ التصورات تخلقها الجغرافية، الشخص يجلس في بلده بالحجاز أو المغرب أو السودان ومن تهيئاته المكانية البحتة يصيغ العالم ويشكّله، حسب هواه، في ديارٍ أخرى لم يسبق له أن رآها مطلقاً. الشخص يجلس بين بني قومه ورفاق ديرته ويشرع في صناعة العالم بينما هو يسولف، الباكستاني ما أدري شو، والبنغالي عامل كيف! والسوداني رائحة الديتول أفضل من رائحته. يا أخي الدكتور هناك شيء اسمه الخروج في سبيل الله، مفارقةً للدعة اليومية، خصوصاً المتوفّرة لعلماء الحجاز ذوي القفاطين المنشأة والمعطّرة من عتاة المرفّهين، من أجل إلحاقهم بعالم الزهد ومن تتجافى جنوبهم عن الحشايا الليّنة، وتحسيناً لمعرفة المسلم عموماً بالعالم وتجديداً لبيعة الإخاء بين إخوة الدين الإسلامي وبين أبناء النظرية الإسلامية التي تقول (الإسلام أبي وأمي) فاخرج في سيّارة منها، ولو بهدف أن تتأكّد من رائحة إخوتك السودانيين فقط، وقطعاً ستكافأ لو ثبت أن رائحة السوداني من فصيلة الديتول كما تقول، لو صحَّ ذلك، فربما أهل الطب أو الكيمياء يتفضّلون عليك بجائزة علمية على هذا الاكتشاف العلمي! ما يضيفه العريفي للنكتة، مسألة الرائحة هذه، هو تنميط آخر للشخصية السودانية، و"جديد لَنْج" كما نقول بالسوداني، حقوق ابتداعه نحفظها للعريفي إلى حين أن يدلنا على المصدر الذي استقى منه تلك النكتة المزرية بالإنسان، والحاطة للكرامة الآدمية. الشيء الغريب في الأمر أنّ العريفي يحكي هذه النكات على أنها قصص حقيقية وواقعية، شيء عجيب. إذ يقول العريفي حاكياً عن صاحبنا –الزول الخرافي ذلكم، المُنتَج في اليوتيوب- ومن أصابته ضربة الشمس، ما نَصُّهُ {المسكين شمَّ الريحة، فإذا هي ريحة.. طبعاً هي ريحة ديتول، لكن أحسن من ريحته يعني}، والله المستعان! انظروا لإبداع هذا الداعية إلى الله.. أيّهم؟ الذين يدعون إلى الله على "بصيرة" كما يقول القرآن، وبالحكمة والموعظة الحسنة. انظر لكمية حكمة العريفي هنا والموعظة الحسنة منه! و"البصيرة" أم حَمَد! وهذا اسم لامرأة تدّعي الحكمة في الميثولوجيا السودانية، يدعونها "البصيرة أم حَمَد"، أي الحكيمة أم حَمَد، وقد استفتاها قومٌ في كيفية إخراج رأس عجل من زير، بعد أن حشر العجلُ رأسه فيه بالقوة واستعصى عليهم إخراجه. فأفتتهم هذه المرأة الحكيمة والداعية للحكمة، بقطع رأس العجل أوّلاً ثم إخراجه بعد ذلك. فجلبوا سكيناً وقطعوا رأس العجل، ولكن –بالطبع- لم يخرج لهم الرأس من جوف الزير. فأفتتهم بعدها بتحطيم الزير وإخراج الرأس المقطوع، "يعني لاعجل ولا زير" والله المستعان! والتنميط الذي نقرأه هذا ونراه، لزول اليوتيوب الخرافي، هو بالأصل من إنتاج الميثولوجيا، وعقلية أصحابه تحاذي حضارياً العقلية التي تحدث بها الرحالة وجوّابو الآفاق من الحقب الماضية، قبل عشرات القرون، من كون بلاد كذا التي زارها الرحّالة المعني ويتحدّث عنها وعن إنسانها، البشر فيها يأكلون بشراً مثلهم من بني آدم. طبعاً لا يأكلون أي بشر، لا، بل يأكلون البشر من عينة الرحّالة على وجه التحديد والخصوص، ولكم هرب الرحالة نفسه من أولئك المستذئبين وغافلهم وقتل منهم قبيلاً وقفز في النهر وخرج من أشجار الضفة الأخرى الكثيفة وكذا وكذا من المغامرات، الله الله، أدب الميرابيليا، والخرافة. لماذا؟ لتهويل تلك الأسفار في ذهن القارئ، وإسباغ مدىً من الفتوح على أسفار الرحالة وتجاربه لن يبلغه أحدٌ ولن يدانيه مغامر ولو كسر رقبته "كَشْ"! يا أخي الكريم، سواكن السودانية أقرب بلد مسلمين مغاير ومجاور إلى مكّة المكرّمة، لا بلاد العراق ولا الشام ولا مصر ولا اليمن ولا بلاد المغرب ولا المشرق. ولكنني عن حق لا أدري من أين يأتي هذا البُعد الأسطوري في أذهان شخصيات كثيرة تأتي بالعجب العجاب عن زول اليوتيوب الخرافي. إنني أوصي الدعاة هؤلاء، من أجل تكوين عوارض نقد قوية، وتطوير ملكاتهم، أن يقرؤوا دريدا وماركس وسارتر، ليقرؤوهم بالجد، من أجل الاستفادة من علمهم الظاهري في مجالات النقد والمعرفة البشرية لا من أجل تكفيرهم. فنحن نعلم أنهم كفّار وهم بأنفسهم أعلنوا ذلك، ولكن يبدو في غالب الأحايين الواقعية، أنَّ مع هؤلاء الرجال، صدق وإخلاص وذكاء وتدريب واستعداد لليقظة أكثر من رجال الدين هؤلاء، والأهم من ذلك معهم استعداد للمساواة والعدالة، يبدأ من الذات، على نحوٍ لم يتوفّر لهؤلاء الدعاة.. المعجبون بألسنتهم وموئلهم وقبائلهم وأنسابهم وأحسابهم وطبقاتهم، ما يجعل المعرفيين الملاحدة هؤلاء يشبهون رجال التصوّف الحق أكثر منهم، في تطبيقهم لمبدأ التواضع البشري والمساواة عملياً، عبر تطليق الدنيا وتمريغ أنف الكِبَر والغرور الإنساني بالتراب، ليس كحال رجال الحركات السلفية المعجبين بأنفسهم هؤلاء، والمنفوخين، على ماذا؟ لا نعلم! بينما الدرجات عند الله، بين يديه، يحكم فيها كما يشاء بالعدل الإلهي، بالناموس، وهم بكل البساطة الفجّة يحكمون على أهل الأرض بالفاسد من أدوات حكم الأرض، لا بأدوات حكم السماء، التي هي من شأن الله وحده لا البشر! لا أريدُ أن أهوّل من القضية وأسعى لحصاره دينياً، من خلال استخفافه باليوم الأخر وعالم الجنان والحور، عالم الغيب، والملائكة، ليَتُبْ إلى الله، إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً، إنّه هو الغفور الرحيم. ولكنني لن أعفيه، مما يروّجه عن السودانيين من قضايا واقعية لو كان يعيش معنا هنا، في بلد غربي مثل بريطانيا هذه، يتميّز بدستور يكرّم الإنسان ويحارب التجنّي والعدوان، والله لشبع أخونا العريفي صعوداً ونزولاً من محكمة إلى الثانية، دون تمييز بين هؤلاء الذين سيقتادونه للمحاكم، كلهم جميعاً، بيضاً وسوداً، ومن كل لون. ولَخُرِب بيتُه جَرّاء هذا القول الذي يحسبه هيّناً وهو عند الله ومَن يعي عظيم، ولانْقَضَى مستقبله الدعوي مرة واحدة، وإلى الأبد. فهذا قولٌ لا يصدر إلا عن شخص غير مؤتمن على رباط المواطنة العلماني، العادل، ناهيك عن رباط الإخاء الإسلامي، المقدّس، ولا يدري ما يقول، ولا خطورة ترويجه للكراهية والتنميط السالب عن البشر. هذا قول يحتاج صاحبه إلى تأهيل دعوي ومعرفي ويحتاج لتنمية مهاراته من النقد، كي يساهم هو بنفسه في مراجعة تقواه أمام ربه، هل هو يرى نفسه أحسن ممن يراهم هناك في جوار بيت الله من كل شاكلة ولون، وجاؤوا من كل فجٍّ عميق؟ الله الله، ما يدريك بهم؟ وأنت لم تخلق الغيب ولست بربهم، أأنت أفضل منهم لمجرّد أنَّ الأقدار جعلتك ولداً لأم عربية؟ أهذه كرامتك مع الخلق ويوم العرض!؟ أطرح هذه الأسئلة لأنني رأيتُ الأخ العريفي في فيديو آخر وهو يكذّب أخوين لنا من مصر بقلب المسجد ويسخر منهما لأنهما قصّا عليه وعلى الحضور قصصاً عن أطفال سقطوا من أدوار سكن عالية ولكنّ الله نجاهم من الضُّر! فما الذي يدعوه لتكذيبهما، من أطلعه على الغيب، ومن أنبأه بكذبهما!؟ أهناك تقي أو ورع أو من تملأ قلبه مراقبة الله حقاً يستطيع أن يفعل ذلك، أن يكذّب مؤمناً بالغيب دون شاهد ودون سند ودن داعٍ بالأساس!؟ أَلَهُمْ إخوان في الله من هذه البلدان يفضّلونهم على إخوانهم من دمائهم؟ الله أعلم. أيواشجونهم ويداخلونهم بكامل رؤية العدل والمساواة، الله أعلم! أيواكلونهم، ويبايعونهم ويشرون منهم على الثقة بالأخ في الدين؟ أيزوجونهم على أساس القانون الربّاني من ترضون دينه!؟ الله أعلم! ولكن لو كان ذلك متوفّراً لنهاهم عن هذه البساطات القاتلة والمفجعة، والمزرية بالآخر، لو كان عدوّاً، ناهيك عن الأخ. الذي لا يجد في نفسه تمام العبودية لله ربّاً وإلاهاً، فلا يتقدّم الناس بوصفه داعيةً، ليجلس في بيته حتى ييسّر الله عليه العبودية الكاملة، والامتثال التام له وحده لا شريك له. والشريك لله هذا يمكنه أن يكون عادة مجتمعية، أو فهماً متجاوزاً لإرادة الله، أو أنانية محضة، أو ظلماً متعمّداً لأخيك الذي يجب أن تحب له مثل نفسك.. إلخ. فالتسليم لله تسليم كامل، لا مرفوعات فيه، ولا مدّخرات، ولا مستثنيات، ولا مؤخّرات، بيعة كاملة ومطلقة، ولا أكبر، ولا سيّد، إلا الله الواحد، الصمد. والذي يعجز عن مبايعة بهذا الحجم المتطلب من الإخلاص والزهد في الدنيا فليجلس في بيته، كي لا يسيء إلى الدعوة الإسلامية وإلى إخوانه العاملين في حقل الدعوة من أجل تمام العبودية أمام مالك المُلك، الديّان، وحده. اللهم هل بلّغت؟ اللهم فاشهد.
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 07 أغسطس 2011, 7:36 am | |
|
الفساد بين الإعلام والحكومة
احمد المصطفى ابراهيم [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
تعج الصحف والمواقع الإلكترونية على صفحات الشبكة العنكبوتية بكثير من ملفات الفساد، لا نقول قول الصحف أو قول الإعلام عموماً هو حكم محكمة موثق ولكنها مؤشرات يجب أن يكون لها ما بعدها من النفي والإثبات. لا تبرئ الحكومة نفسها إن هي تدثرت بالدثار الواهي الذي تكرّر، «على الصحافة إثبات ذلك».. والشواهد على ذلك كثيرة، ولا تبرئ نفسها إن هي سكتت عن المتهم قليلاً ثم أعفته عن المنصب بعد زمن حفظاً لماء وجهه أو بدّلت موقعه من مكانٍ لمكان وهذا إقرار ضمني بأنها لا تمانع من الفساد. سيدنا عمر رضي الله عنه عندما قال له الصحابي في المسجد لا سمع ولا طاعة مستنكراً عليه طول ثوبه مقارنا بثياب الرعية لم يزجره ولم يقل له ومن قال لك إني اختلسته.. بل بكل لطف أخضع نفسه للمحاكمة وطلب من عبد الله ابنه أن يوضِّح لهم من أين جاء أمير المؤمنين بالثوب الزائد. عندها جلس الصحابي وقال الآن نسمع ونطيع.. «يبدو لي أن بعض الإسلاميين، الذين غرّتهم الدنيا، ما عادوا يسمعون مثل هذه الشواهد من صدر الإسلام ويعتبرونها مثاليات ولّى زمانها ولا مجال لتطبيقها أو الاستشهاد بها وهذا ما جعلهم لا يسمعون إلا أنفسهم وشياطينهم». الواجب عندي إذا ما طرحت الصحافة أو الإعلام عموماً ومن الإعلام ألسنة الناس، إذا ما طرح قضية فساد أن يظل الملف مفتوحاً وعلى الحكومة التحقُّق منه وهي التي تملك كل الوسائل وكل الأجهزة التي يمكن أن تثبت أو تنفي التهمة في وقتٍ وجيز. مثلاً إذا ما نشرت الصحف مذكرة الابتزاز بين المستشار والوزير لا يقبل من الحكومة أبداً التحقيق في هذا الأمر سراً، هذا إذا أحسنا الظن وقلنا إن تحقيقاً يجرى، بل يجب أن يعلم كل الشعب أن تحقيقًا يجرى وينشر وتنشر العقوبة بعده تماماً حتى يعلم الشعب أن الحكومة جادة في محاربة الفساد بكل أنواعه وما هذا إلا مثال لكثير من القضايا التي تملأ السماء والأرض.. ومثال آخر إذا ما ثبت ما نُشر في ملف الحج والعمرة وأن غضبة النائب البرلماني ما كانت لله وإنما لنقص حصته وأن التلفزيون مؤول من جيوب الحجاج فلا حول ولا قوة إلا بالله. السكوت عن التحقيق والجهر بنتائجه يُغري المفسدين بأن الفساد لا يعاقب عليه وكما يُغري الصحافة بنشر المزيد إلى أن تصبح الدولة في نظر الشعب دولة فاشلة لا حاكم لها. الفساد درجات ولكن إذا ما قالت الصحف إن هذا من مال الشعب ذهب خطأً على الحكومة أن تحقق وتنشر تحقيقها تماماً جهاراً نهاراً عقوبة أو تبرئة، وطول السكوت يزيد من عدم الثقة ويفتح شهية المفسدين. بالأمس أورد الأستاذ إسحاق أحمد فضل الله في هذه الصحيفة قصة محكمة جلال لطفي الذي حكم على المختلس بالإعدام ووافقه أبو رنات وكيف كان أثر ذلك في استقامة موظفي الدولة وكيف ردوا ما بين أيديهم. الشعب يريد معرفة نتائج التحقيق إن وُجد!.
نشر بتاريخ 05-08-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 07 أغسطس 2011, 7:37 am | |
|
إليكم
الطاهر ساتي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
ولكنهم لايستحون ..!!
** بولاية شمال كردفان، أكثر من ثلاثمائة أسرة تفترش الأرض وتلتحف السماء بمحلية النهود، بعد أن جرفت السيول والأمطار بيوتهم ومزارعهم، ولايزال نائبهم البرلماني سليمان الصافي يشكي لطوب الأرض ويستنجد بوزارتي المالية والداخلية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة أولئك المنكوبين منذ أسبوع ونيف تحت سمع وبصر الحكومتين، الإتحادية والولائية.. يبدوا أن أمطار الخريف فاجأت حكومتهم الولائية، ولذلك يجب عليهم دفع( ثمن المفاجأة)..أي كان عليهم أن يقنعوا خريف العام الفائت بأن يخطر حكومتهم بأنه سوف يعود هذا العام أيضا..ولأنهم عجزوا عن إقناع الخريف بذلك، تعاقبهم الحكومة بتجاهل معاناتهم..!! ** وبولاية سنار أيضا، أكثر من (15 ألف مواطن)، وفيهم نساء وأطفال وشيوخ، يفترشون ثرى معسكرات النزوح الخالية من كل وسائل الحياة الكريمة..هم أهلنا عرب رفاعة الذين عادوا مكرهين من دولة جنوب السودان.. والوالي هناك - كما كل ولاة السودان- تفاجأ بأزمتهم، إذ لم يكن متحسبا لعودتهم، أو ربما ظن بأنهم ليسوا بشماليين، ولذلك لايملك لهم اليوم من الأفكار والبرامج والمساعدة غير أن يملأ الصحف (بلعن الحركة الشعبية وجنوبها ).. وهكذا دائما حيلة العاجز في أي زمان ومكان، أي يلعن ( العدو الوهمي) حتى لاتعرف رعيته بأن نهجه الذي يحكم به هو ( العدو الحقيقي) ..!! **وبالولاية الشمالية أيضا، لاتزال آهات الأهل بالمناصير وأحزانهم وتظلماتهم تتصاعد من نار حياتهم التي تشبه - حالا - حياة انسان القرون الوسطى..لاكهرباء ولامدارس ولامشافي ولاتعويضات.. وهناك قرار رئاسي بتحسين الحال وإزالة الظلم عن هؤلاء الذين ضحوا بالأرض والنخيل والديار في سبيل إنارة بعض مناطق السودان..ولكن لم يجد قرار الرئيس طريقا الى حيث التنفيذ، حيث أكواخ الحيارى لاتزال مظلمة وأنفسهم لاتزال متظلمة منذ نصف عقد من الزمان..!! ** وهناك بولاية جنوب كردفان أيضا، حدث ولا حرج ..منظمات العرب والعجم تبكي دما ودموعا وهي تغيث الهاربين من جحيم المعارك بجراحات لم تندمل بعد ..وتستنجد بذوي الضمائر الإنسانية بأن يأتوا من كل فج عميق من أجل نساء تعرين بعد أن فقدن مأواهن، ورجال تشردوا بعد أن فقدوا وسائل ومصادر إنتاجهم، وأطفال تيتموا بعد أن زهقت الحرب أرواح آباءهم ..من أجل هؤلاء وغيرهم كان ولايزال رحماء منظمات العون الإنساني يستنجدون بذوي القلوب الرحيمة..!! ** وهناك بدارفور، شمالها وجنوبها وغربها، تصوم الأنفس ثم تفطر بالأسودين في معسكرات النزوح التي تحيط بالفاشر ونيالا والجنينة وبقية مدائن دارفور.. وسادة الحكومة، حين عجزوا عن إعادة سكان المعسكرات الى حيث مستقرهم، صاروا يبررون بقاء تلك المعسكرات بتبريرات من شاكلة : ( لو خططناها ليهم كقرى بيكون أحسن، لانهم ما اظن يرجعوا تاني )..هكذا التبرير الأخير والفطير أيها الأفاضل، فهل تذكرون قصة نائب الوالي الذي زار منطقة غمرها فيضان النيل، فأقترح بتحويل المكان إلى ( حوض سباحة) ؟..هكذا صارت عقولهم الراشدة تفكر في إمكانية تحويل معسكرات النازحين المحيطة بالمدن الى (قرى نموذجية)، ولم تسأل ذاتها : ماذا عن الزرع المهجور بمسقط الرأس؟، وماذا عن الضرع المقبور في ديار الأجداد ..؟؟ ** وهناك بولاية..عفوا، فلندع أقاصي البلاد ومحنها، فهي لاتعد ولاتحصى .. هنا بالخرطوم، حيث عاصمة البلد، ذهب شباب مجددون الى إحدى مدارس حي النصر لإفطار تلاميذها، ورافقتهم زميلتنا رفيدة يس ونقلت بؤس المشهد.. أي ذهبوا ولم يجدوا في المدرسة غير الطعام الذي هم أتو به..التلاميذ يفترشون الأرض ويستظلون بهجير الشمس وتحيط بهم جدران متهالكة فوق أحدها يرفرف (علم السودان)، ربما ليشير الى المارة والسيارة بنداء أو تحذير فحواه ( إنتبهوا، هنا توجد مدرسة)..قطعة الأرض التي عليها تلك الجدران المسماة - مجازا - بالفصول، تبرع بها مواطن .. ولكن الحكومة أيضا أجزلت العطاء لتلك المدرسة وتلاميذها، ولن نظلمها، حيث أكدت المصادر بأن البرميل المملوء بالمياه الملوثة (برميل حكومي)..شكرا للحكومة، وحفظ الله صحة صغارنا الشاربين من برميلها الملوث..!! ** ومع ذلك، أي رغم كل ذاك البؤس الولائي والعاصمي، يستعجل بعض نواب البرلمان وزير المالية ليصدق لهم بمبلغ (5,760000 جنيها)، عبارة عن حافز خصتهم به رئاسة الجمهورية ك( دعم إجتماعي)، بواقع ( 15 ألف جنيها) لكل نائب.. يستعجلون وزير المالية - ويتصلون به سرا - ليورد لهم هذا المبلغ في خزينة البرلمان، ليصرفوه مليونا تلو مليون، وما ضرهم أن يشرب تلاميذ مدارس حي النصر - وغيرهم - الماء الملوث من البراميل، ولا يبالوا.. ولك أن تعلم - يا صديق - بأن اليوم الذي تسرب فيها خبر إزعاج نواب البرلمان لوزير المالية الى الصحف - عشان يديهم حافز الخمسة مليار- هو ذات اليوم الذي كشف فيه واقع الحال بأن طلمبات مشروع الحرقة الزراعي معطلة منذ زمن بعيد، وأن وزير الزراعة وعدهم - يادووب - بشراء طلمبات تكلفتها لاتتجاوز( 2 مليار جنيها).. وهكذا، ذاك حال الرعية وهذا ولاة الأمر.. أيهما أولى بالإستعجال أيها النواب ، توفير طلمبات مشروع يقتات منه الناس والأنعام، أم توفير حوافزكم المليارية؟.. وأيهما أولى بالإستعجال ، صرف تلك المليارات الخمسة في بعض خدمات المواطن، أم صرفها في (حوافزكم الخاصة) ؟..ثم خبرونا بالله عليكم، لماذا تحفزكم رئاسة الجمهورية ؟، أي ماذا أعطيتم للناس والبلد من جهد، لتنالوا مقابله حافزا مقداره ( 5 مليار جنيه) ؟..الأسئلة للنواب ولرئاسة الجمهورية أيضا.. ومع ذلك، لن نعاتب النواب، بل نتساءل مع الحيارى : من أين جاء القدر بهؤلاء الذين لايستحون..؟؟ ............... نقلا عن السوداني
نشر بتاريخ 06-08-2011
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 07 أغسطس 2011, 7:37 am | |
|
أفق بعيد
فيصل محمد صالح [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
السكر ..والعجلة
عندما يعيد الناس، وبالذات المسؤولون، استخدام حيل قديمة، أو يتحدثون عن فكرة قديمة مستهلكة وكأنهم اكتشفوها حديثا، أو يحاولون تجريب حلول مجربة وفاشلة لمشاكل مستمرة، يوصفون بأنهم يحاولون إعادة اختراع العجلة، التي تم اختراعها قبل عقود طويلة، ثم تجاوزها الناس لما هو أحدث منها. هذا الوصف يبدو وكأنه قد صنع خصيصا، مع بنسون آند هيدجز، للسودان، فما من بلد تعيد اختراع العجلة واكتشاف النار وكروية الأرض كل كم سنة، أكثر منا، وليس من بلد يجرب المجرب ويعيد اختبار الفشل ، ويعين الفاشل في إدارة مصنع صغير، مديرا لأكبر مشروع صناعي، أكثر من بلادنا هذه. الأزمات الاقصادية تلاحقنا منذ زمن بعيد، وأسبابها معروفة، وبالتالي حلولها، وأولها الندرة، نحن نعيش باستمرار في أزمات اقتصاد الندرة، لأن استهلاكنا في كل السلع أكثر من انتاجنا، إن وجد، ولأن احتياجاتنا أكبر من دخلنا، ولأننا نملك نظاما اقتصاديا مشوها لا نظير له. يزرع المزارع الطماطم في أرضه الطيبة الخضراء الخصبة، وفي نهاية الموسم يكتشف أن الأرخص له أن يشتري طماطم مستورد من بلاد لا تعرف الزراعة، ننتج السكر ونبيعه بأسعار عالية، ثم نكتشف أن الأرخص والأوفر هو إعادة استيراد سكرنا نفسه من دول الجوار بأسعار أقل بكثير من سعر السوق. نعيش في أزمات تموينية متلاحقة منذ السبعينات، تختلف الحكومات والقيادات، ولا تختلف التبريرات ولا سبل المعالجة...الفاشلة. يظهر المسؤول في التليفزيون ليقول إن المنتج من السلع كاف للاستهلاك، وليست هناك أزمة، ولكن هناك أزمة أخلاق لدى التجار الذين أخفوا السكر، ثم نكتشف فجأة ان الحكومة استوردت صفقات من السكر بملايين الدولارات وأن الباخرة ترسو، أو على وشك الرسو بميناء بورتسودان. لو كان المنتج والمخزون كافيا، إذن لم نستورد السكر بملايين الدولارات؟ ثم تختتم التصريحات بالإشارة لتولي جهاز الأمن الاقتصادي مهمة توزيع السكر، وهذه هي عملية إعادة اكتشاف العجلة كما جاءت في الكتب. يبيع ويوزع جهاز الأمن السكر للتجار والجمهور، ويتولى توزيع النقد الأجنبي على المسافرين، فهل هذا جهاز أمن أم جمعية تعاونية؟ تفشل الأجهزة المختلفة في المهام الموكلة إليها، ولا يحب مسؤولونا مواجهة سؤال الفشل، فيعالجون المشكلة بمشكلة أخرى، لظنهم أنها مؤجلة. من المؤكد أن هناك تدنيا في إنتاج السكر، وهناك جهات مسؤولة يجب محاسبتها على ذلك، وعلى تقديمهم معلومات غير صحيحة للمسؤولين وللجمهور. وهناك مشكلة كبيرة في التوزيع وفي الجهات الوسيطة بما يتسبب في ارتفاع سعر السكر بشكل غير مبرر، وفي بعض المرات يكثر السماسرة والوسطاء فلا يصل السكر للجمهور بالسعر العادي ولا المرتفع. ثم هناك مشاكل في التخطيط والإعداد لاستقبال شهر رمضان الذي يعرف القاصي والداني أن استهلاك السكر يزيد فيه بنسب كبيرة، لكن كالعادة تنتبه حكومتنا للشهر الفضيل بعد مضي أسبوع من قدومه، وتبدأ في الربكة والقرارات العشوائية. وفروا السكر بقدر كاف قبل رمضان، وابعدوا الجهات الوسيطة والمستفيدة من الأزمة، سينساب السكر لمستهلكيه بلا جهد كبير ولا تنظير من المسؤولين المقصرين.
نشر بتاريخ 05-08-2011
| |
|
| |
شهاب سعيد
الموقع : المملكة العربية السعودية عدد المساهمات : 755 تاريخ التسجيل : 08/01/2010
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 02 أكتوبر 2011, 8:20 am | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاته المواضيع مميزه حقاً فيها نوع من التفاعل جل احترامي وتقديري لمجهوادتك التي تدل على انتمائك لعائلة منتديات مراغة الاصالة و التاريخ العامرة دام أن بها أمثال شخصك الكريم .
| |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الإثنين 10 أكتوبر 2011, 6:33 am | |
| مرحبا بشهاب ومشكور ياخي على المرور وعلى تعليقك المشجع وليك وافر التقدير وكل التحايا ودمتم بخير وعافية والله الموفق.
| |
|
| |
ماهر عابدين دياب
الموقع : لندن عدد المساهمات : 2905 تاريخ التسجيل : 02/05/2010
| موضوع: رد: مما قرأت الإثنين 24 أكتوبر 2011, 11:44 am | |
| نحن في انتظار قراءات الاديب هيثم
لاتتاخر علينا
يالطيف
| |
|
| |
ياسرابراهيم
عدد المساهمات : 466 تاريخ التسجيل : 24/01/2010
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 13 مايو 2012, 9:06 am | |
| هيثم/الفجه دي خليتا بور ليها مده منقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول صاحباً لي اسمو أب شنب .... شغال معانا هني..قال لي قبال ما أجي السعودية كنت في اليمن .. تميت لي فيها حولين وشوية... ساعتي المشيت دابي اول مرة لاقاني واحداً من ولاد الخرتوم ...وانا ما قاعد اعرف لي فيها زول شي... يا زول رحب بي ومشيت معاهو على اهلو ... ضيفوني ضيافةً سمحي بالحيل ..بعد ما قعدنا وجابوا الشربات شربتها .. أول شي مرق هدومي الكانن فوقي ... ومع انها الواطا كانت ساقطي بالحيل لكن قلت اللسكت اتلشغ لي بى موية فشان كنت مدومس كدي وعيوني ماني قادر افتحن .. وامرق الخبوب الليل السفر الفوقي ده.....اها قت لهن الحمام بى وين ..؟ وصفولي بكانو .. وقم دخلت .. إتمولصت آزول وخليت الدش قبل راسي ووقف... بقيت أعافر دار افتح الماسورة فشان الموية تجي نازلي فوقي ... لقيت لي ماسورتين .. بقيت اسوي ياربي ده شنو ده ...؟ اسع انا افتح ياتا فيهن ..؟ اتمحن عديييل ... اول مرة اشوف لي دش فيهو ماسورتين....لا عرفتها الفي اليمين .... لا عرفتها الفي الشمال... يازول غمدت وبرمت لي واحدي فيهن ... الساعة الحمو الليل النار ده اتكبى فوق ضهري بتل الشالوني وجضعوني فوق ملة .. انا عيوني ديل لامن كبتن .. بقيت آبشوف شي .. عميت آزول...ما عرفت اهبش نفسي بى وين..؟البلد كلها تتشايح لا ضفوري اللان كرعي واحدات فيهن اتكعوجن بقن متل الجلد الشارينو في الشمش..وواحدات اتقلعن ضمة نزلن في الواطا وانا في حالتي ديك وعيوني مغمدات ورافع ايدي فوق متل الدار يكبر للصلاة..طقشت الباب بى كراعي .. كيف ماني عارف ..؟ وجيت مارق لا برا وقفت لن في نص البرندة اللتن.. ميطي متل الله ما خلقني .. الحريم بقن ينطقشن فوق بعضن ويجرن لا جوه ..والبطان ميتين بالضحك .. والرجال وقفوا على حيلن وجوا كابسني واحدن فيهن خمش لو ملاية من السرير القاعد فوقو ورماها فوقي... والبلد دي بقت تتشايح زيادي..بقيت اكابس في الملاية دار امرقها من فوقي وهو يجبد فيها لا تحت داير يغتيني.. يا زول بى ضيقة الخلق كفتو ليك فوق اضنينو ..بعد داك ما حسيت بى شي تاني ...لامن فتحت عيوني بعد كم يوم كدي لقيت نفسي ملفلف زي قندول العيش ريف وغازين لي شيتاً فوق نخري متل عرجونة التمر وبنيتاً لابسالها طاقية بيضاء مزردي عويناتها وواقفي قبلي .. حتن عرفت نفسي انا في المستشفى .. من يومي داك ولا الليلي بقيت استحمى بالطشت | |
|
| |
هيثم شهلي
عدد المساهمات : 599 تاريخ التسجيل : 27/01/2010 العمر : 52
| موضوع: رد: مما قرأت الأحد 13 مايو 2012, 1:24 pm | |
| والله يا ياسرنا ادهشت الدهشة زاتا بزولك دا ويارتي ول كنت تفتح ليهو بوست مخصوص باسم تجارب في البندر ويجي دولة الياس ويورينا بعض مما لديه بهنا وكمان ماهر وكل الناس النطت من القرية للمهاجر ومررورا بخرتوم الجن دي ، كنا نرى عجبا عجاب وتجارب بسيطة لكن معبرة ومفيدة وفيها طرفات ول شنو؟ ولك الشكر زخات زخات والله يسلمك | |
|
| |
ياسرابراهيم
عدد المساهمات : 466 تاريخ التسجيل : 24/01/2010
| موضوع: رد: مما قرأت الأربعاء 08 أغسطس 2012, 9:19 pm | |
| نأتي الي هنا مره مره متي ما سنحت لنا الظروف ولان البوست وصاحبه ابوابهم مشرعه تجدنا ندخل دون استئذان فقط نردم بضاعتنا وننتظر !!!!!!!!!!!! منقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول العــــــم ( كــــاوندا ) .. تــــــرزى العيـــــــــــد
قبل أسابيع قليلة فاجأنا هندى قصير و مهندم ، يرفل فى زيه المرتب و بمعيته حقيبة أدوات ، دلف إلينا فى المكتب لأخذ قياسات الموظفين ، بغرض خياطة ملابس العمل لهم ، و المعروف أن اللبس الموحد للموظفين فى هذه البلاد التى نحن بها من الأهمية بمكان و الظاهر أن المؤسسات هنا تبدى إهتماماً بالغاً بمظهر العاملين لديها لدواعى حضارية أو دعائية أو حتى تسويقية ، و يوجد لدى هذه المؤسسات (أكواد) و لوائح خاصة بالمظهر العام و الإلتزام بالملابس المعتمدة للمهمات المختلفة ، المهم أخذ الهندى يختلى بنا الواحد تلو الأخر بهدوء شديد لا يؤثر على سير العمل- بالطبع – و طفق يسجل بيانات القياسات المختلفة لكل موظف على جهاز إلكترونى أشبه ما يكون (بالأيباد) .. أو ربما كان ( بى دى إيه ) مثلما تفضل زميلى بالتوضيح ، و بان لى فى تلك اللحظة و أنا أراقب الهندى و هو ينقر على شاشة الجهاز بقلم رفيع ليس به من حبر ولا يحزنون ، بان لى و أتضح أن علم الله وسيع و أن العلم لابد و أن يكون تطور تطورا شديداً فى الأونة الأخيرة .
هذا الترزى الإلكترونى ذكرنى بالعم (كاوندا) ترزى العيد ،و فى حقيقة الأمر أن إسمه الحقيقى كان (محمد) و لكن عرفه الجميع بكاوندا ، و كنت قد سألته ذات يوم عن أصل التسمية ، فقال أنها تعنى (حريف فى شغلتو) أو (الزول المجضمها) حسب تعبيره ، العم كاوندا كان من قبيلة الفلاتة و كان له بيت صغير فى (بركات فلاتة) و هى قرية نشأت قسراً خلف مركز بركات الذى به رئاسة مشروع الجزيرة ، نشأت بين العم (كاوندا) و بين أهل قريتنا و بقية قرى المشروع صلات عميقة لأن أغلب أهلنا كانوا يعملون فى بركات الرئاسة أو فى محالج القطن بمارنجان و كان الناس يقضون كثيراً من الوقت فى بركات فلاتة يرتشفون أفراحهم المعبأة فى الزجاج و يغتسلون من تعب العمل باللهو هنا و هناك فى غياهب مشروع الجزيرة التى كانت عامرة بالحياة فى ذلك الوقت ، العم كاوندا كان مليحا بهى الطلة و لبيساً من طراز رفيع ، و ليس هذا بمستغرب من ترزى بطبيعة الحال ، أتذكر و نحن صغاراً و فى مثل هذه الأيام من السنة ، كان كاوندا يهجر بيته الصغير فى بركات فلاتة ليحط رحاله فى ديوان ( جدنا بكرى) و كان يحضر معه كل ما يملك من أدوات مهنته كترزى و يقوم بتركيب (مكنة الخياطة) العتيقة و التى لم تكن تحتاج لكهرباء أو خلافه و تعمل فقط بتحريك بدالها بالقدم و كان لها صوت مميز يبعث الحياة فى أرجاء الديوان .
العم (كاوندا) كان وناسا و حلو المعشر ، و وجوده فى حلتنا كان مدعاة أفراح كثيرة للجميع فكاوندا فى الحلة كان يعنى قدوم العيد و الكسوة الجديدة و تحسين المظهر ، إضافة لما كان يشيعه وجود كاوندا فى المكان من ونسة و لمة للكبار و الصغار ، فليس هناك بقريتنا الصغيرة من (موضوع) و الناس تتشبث بأدنى باعث للحياة هروبا من الملل و الكلل و تجدهم يترددون على الديوان بدون داعى غير الونسة و اللمة و المحبة.
أتذكر فى ذلك الزمن أن الناس كانوا لا يشترون أقمشتهم للعيد حتى يتأكدوا من وصول العم كاوندا للحلة و منذ أن يبدأ شهر رمضان تجدهم يتساءلون ، متى يأتى كاوندا متى يأتى كاوندا ؟ و ما أن تحط رحاله حتى تبدأ المشاوير للبندر فى (ود مدنى) ، أقمشة الجلاليب البيضاء و أقمشة العراريق و السراويل الطويلة من سوق الجملة و المقاطع الحريمية الملونة من السوق الكبير و كان الناس لا يشترون أبدا من الملابس الجاهزة مثلما يفعلون اليوم ، رغم أنها أقل تكلفة من التفصيل عند الترزى ، و كان الخال (بكرى) عليه رحمة الله من القلائل الذين لا يلقون بالاً لتفصيل ملابسهم عند كاوندا و قبل يوم أو يومين من العيد كان يشترى ملابسه جاهزة من سوق الله أكبر ، و كان هذا الأمر مزعجاً للغاية للعم (كاوندا) ، و كلما وقعت عيناه على الخال (بكرى) أطال فى تشنيف ملابسه و جلابيته ، و يبرز له جميع عيوبها ، " ياخى هو العمود دا بيأملوهو كدا ياخى" .. بأدين الجلابية دا مالو مفتول كدا ، كلو اّلى واتى .. و الله دا شوال فهم ما يكويهو ليك يا بكرى ياخ " و الشهادة لله أن كاوندا كان بارعا بحق فى تفصيل الجلاليب و العراريق و ما كان هنالك من أدنى مقارنة بين ما تنجزه يداه و بين ما يجلبه الخال جاهزاً من البندر.
العم (كاوندا) كان كثير المراسيل و كان يتعبنى أنا بالذات بمراسيله الكثيرة رغم أننى كنت فرحا بذلك لأنه يؤثرنى على أندادى من الصغار ، "عمى كاوندا هسع أنا جيت ، عليك الله رسل (مختار) دا " .. " الحميل دا بتاع كُربّات أنا ما برسلو .. قوم أمشى إنت " ، أغلب مراسيله كانت من أجل السجاير ، و كان (كاوندا) لا يدخن إلا السجاير (البحارى) ، و أذكر أن هذا النوع من السجاير لم يكن يباع إلا فى دكان عمنا (البشير ود يوسف) فى أخر الحلة ، و ذات مرة تكاسلت من الذهاب إلى حيث يوجد (البحارى) و إشتريت لعمنا الترزى علبةً من (البرنجى) و من أقرب دكان " دا شنو دا يا ولد " أنا تجيب لى (برنجى) ؟ شايفنى مشاطة؟ .. أنا ترزى يا وهم " و بالضرورة أصبح المرسال مرسالين و كالعادة أصبحت هذه حكاية يحكيها لكل مرتادى الديوان حتى قلت فى نفسى يا ليته سكت .
أكثر من كان يحبهم (كاوندا) من أهل القرية هو الخال العزيز (حسن الزبير) و هو توأم والدتى العزيزة .. أمد الله فى أيامهما .. و كان (كاوندا) يحب الخال (حسن الزبير) للسانه السليط و لأنه الوحيد الذى كان يغلبه فى (المنضمة) ، الخال حسن كان (تمباكى) مخضرم و (كاوندا) مدخن مخضرم و لطالما إندلعت بينهما حرب حوارية شعواء فى هذا الموضوع ...
كاوندا: "يا هسن أليك الله ما تنجس لينا الديوان دا .. أمرق من هنا" حسن: "الديوان حق أبوك ؟ الديوان إنتا قلبتوا لينا (كمينة)" كاوندا: "برضو أهسن من أواليقك دا .. الجداد ما بياكلوا ياخى" حسن: " تعرف يا كاوندا .. أنا كان عندى زى شلاليفك ديل .. على الطلاق كان بمطروا فيهن جوة"
ولا تسمع بعد هذا الحوار غير الضحك و القهقة .. يكاد العم (كاوندا) يسقط من كرسيه و يهتز كل جسمه حتى (يشرق) و تدمع عيناه.
ليس أوضح فى ذهنى هذه الأيام من صورة العم (كاوندا) ترزى العيد ، بنظارته (الفوتوقراى) و التى لم يكن يخلعها حتى و هو فى نوم عميق ، و لكم أتذكره هذه الأيام فى خواتيم شهر رمضان المبارك و هو يضرب بقدمه على بدال ماكينة الخياطة و طرقات الأبرة السريعة وهى تحيك أطراف القماش بمهارة عالية و حرفية نادرة ، و لكم أتذكر فى هذه اللحظات تلك الدراجة الهوائية خاصته و التى لم يكن يرضى بأن نسميها بغير إسمها " ما تقول أجلة يا وهم .. دا أجلة دبل " تلك العجلة الدبل و التى كان (يتكلها) على حائط الديوان و التى تعلمنا عليها مهارات ركوب العجلة بديلا عن ركوب الحمير . العم (كاوندا) الذى كان يظهر مع هلال العيد و يختفى طوال العام و ظل هذا ديدنه لسنوات عديدة .. هذا رجل ندين له بالكثير.
ترى أين أنت الأن أيها العم العزيز (كاوندا)؟ أين هى أراضيك و ما هى أحوالك ؟ كل ما أرجوه هو أن تكون بخير .. و أن تكون لا زلت بصحتك و عافيتك و أن تكون لا زلت تحيك أفراح العيد فى مكان ما فى الوطن العزيز .. لشدما أفتقدك الأن فى خواتيم هذا الشهر المبارك و أنا أضطر لشراء جلابية العيد جاهزة من دوار الساعة بالشارقة ، غير مفصّلة و غير متعوب عليها و كلها عالى واطى و مكرضمة مثلها مثل كل ما تكرضم فى هذا الزمن اليابس.
| |
|
| |
ماهر عابدين دياب
الموقع : لندن عدد المساهمات : 2905 تاريخ التسجيل : 02/05/2010
| موضوع: رد: مما قرأت الأربعاء 17 أكتوبر 2012, 2:51 pm | |
| كاوندا بالرغم من انه ترزي لكن ذكرني بي تتو الحلاق في دنقلا عندما كنا صغارا...وكان عندنا معه قصص وحكايات ايام العيد وايام فتح المدارس
والفرق بين ذاك الترزي وهذا الحلاق ان الحلاق كان يجبرنا ان نرحل اليه ويجمع بينهما اللمة والونسة والحالة الواحدة
اما صاحبك في المقال الاسبق والذي ال علي نفسه ان لا يستحم الا في الطشت حكايته منتشرة بيننا لكنه كان الاجرء ان يجعل منها نكتة
قولوا يالطيف
| |
|
| |
| مما قرأت | |
|