الحطيئة واسمه جرول ابن أوس بن مالك ويكني بأبي مليكه وهو من فحول الشعراء في زمن الحطيئة لم يسلم أحد من لسانه وهجائه حتي قيل أنه هجا نفسه وهجا أمه وزوجته وكانت أغلب القبائل العربية تهابه وتهبه المنح والعطايا خوفاً من هجائه فقد كان متين الشعر شرود القافية . يصفه الأصمعي بقوله : كان الحطيئة جشعاً سؤولاً ملحاحاً دنيىء النفس كثير الشر قليل الخير بخيلاً قبيح المنظر رث الهيئة فاسد الدين بذيئاً هجاءً الى درجة أنه هجا نفسه بقوله
أبت شفتاي اليوم إلا تكلما بشر فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي اليوم وجهاً قبح الله شكله فقبح من وجهٍ وقبح حامله
كيف مات الحطيئة
اذا كان ماذكره المؤرخون عن كيفية وفاة الحطيئة صحيحاً فتعتبر هذه الوفاة من أندر أنواع الوفيات لطرافتها يقول الرواة لما حضرت الحطيئة الوفاة أجتمع أصحابه اليه وطلبوا منه أن يوصي قبل وفاته فقال لهم : ويل للشعر من رواية السوء قال له أحد أصحابه أوصي ياحطيئة رحمك الله فقال: أوصيكم بأن تبلغوا قبيلة غطفان بأن الشماح هو أشعر العرب العرب لقوله
إذا أنبض الرامون عنها ترنمت ترنم ثكلى أوجعتها الجنائز
قالوا له : أوصي بما ينفعك
قال : أوصيكم بأن تبلغوا أهل ضابىء أن شاعرهم ضابىء هو أشعر العرب لقوله
لكل جديد لذة غير أنني رأيت جديد الموت غير جديد
قالوا له : ويحك ياحطيئة أوص بما ينفعك في آخرتك .
قال أوصيكم بأن تبلغوا أهل امرىء القيس أنه أشعر العرب لقوله .
فيالك من ليل كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبلِ
فضحك القوم من تصرفه هذا رغم مشاهدتهم له يحتضر على فراش الموت .
فقال له أحدهم : اتق الله ودع عنك هذا وأوص .
قال : أوصيكم أن تبلغوا الأنصار أن صاحبهم أشعر العرب لأنه القائل .
يغشون حتى ماتهر كلابهم لايسألون عن السواد المقبل
قال له صاحبه وكأنه قد مل من تصرف الحطيئة : والله هذا لايغني عنك شياً ياحطيئة فاتق الله وقل غير هذا .
فالتفت الحطيئة اليهم وقال :
الشعر وصعب وطويل سلمه اذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلت الى الحضيض قدمه يريد أن يعربه فيعجمه
حين رأوا أن لافائدة من نصحه وأنحسر الجد من مجلسهم سأله أحدهم :
من أشعر الناس يا أبا مليكة ؟
قال مشيرا الى فمه هذا الجحير اذا طمع في خير .
وسأله أخر قائلا : ياحطيئة بماذا توصي الفقراء ؟
قال : أوصيهم بالالحاح في المسالة فانها تجارة لاتبور.
فسأله مرة أخرى : وبماذا توصي اليتامى ؟
قال : كلوا أموالهم وانكحوا أمهاتهم .
حين شعر القوم أن لافائدة من نصحه قرروا الانصراف عنه فسألوه قبل خروجهم هل تريد منا شيئاً قبل انصرافنا ؟
قال نعم تحملوني على بغل وتتركوني راكبها حتى أموت فان الكريم لايموت على فراشه والبغل مركب لم يمت عليه كريم قط .
هنا أحضر أصحابه بغلاً وحملوه عليه وجعلوا يذهبون به ويجيئون حتى مات وكان أخر ماقاله قبل أن يلفظ أنفاسه :
لا أحد الأمُ من حُطيه هجا بنيه وهجا المُريه
من لومه مات على فُريه
هذا ماذكره الاصفهاني في كتابه الأغاني .