من حكاوينا الجميلة
(( منقول للفائدة ))
فاطمة السمحة
قالوا كانت فاطنة اجمل بنات زمانها فسميت( السمحة)أى الجميلة ولم يكن جما لها جمال وجه وجسد فقط بل كانت طيبة كريمة الأخلاق احبها كل من عرفها .اصبحت سيرتها حديث مجالس الشباب وكم من امير تقدم لخطبها واعتذر اهلها لصغر سنها اعجب بها الكبار وأحبها الشباب ، وغارت منها وحسدتها كثير من بنات جيلها ، تعيش فاطنة مع أهلها في إحدى القرى الوادعة الجميلة على ضفاف واديا اخضر يفصلها عن غابة كثيفة لم تطأها رجل بشر يسكنها غول شرير ، ينام سنة ويصحو سنة ، عندما ينام يضع شعر زوجته تحت رأسه . كان من عادته أن يتزوج شابة جديدة كل عشرين سنة ، يختار أجمل بنات القرى المجاورة ويخطفها لتصبح زوجته ، وبعد عشرين سنة يقتلها ليختار عروساً جديدة ، كان أهل القرية يعرفون انها سنة الاختيار ، ويتهامسون خوفا على فاطنة لأنها اجمل بنات المنطقة على الإطلاق كذلك عائلتها تدرك ذلك لذا منعوها من الخروج أو الابتعاد عن الدار ، كانوا مصممين على حمايتها بسيوفهم وارواحهم . حرمها هذا الحصار كثيرا من أنواع اللهو والتسلية مع قريناتها ،، كانت حبوبتها تقف لها وتمنعها من كل شئ يمكن أن يعرضها للخطر ، ولا تسمح لها بالخروج الا بعد ان تتأكد من سلامة المكان الذي ستذهب اليه ، كل هذا الحذر يزعج فاطنة ويشقيها ويحرمها التمتع بحياة طبيعية، كثيرا ما اشتكت لوالدتها من الحرمان الذي افقدها الكثير من صديقاتها ، ومن متعة اللهو البرئ في الحقول المجاورة ، كانت الغيرة والحقد يسيطران على عقول كثير من فتيات القرية اللاتى يدركن ان الشباب مشغولون عنهن بفاطنة السمحة وجمال فاطنة واخبار فاطنة يعلمن تماما بان أحدا لن يتقدم لخطبتهن طالما لدى الجميع الأمل ان تكون فاطنة من نصيبهم ، ذات يوم جمعتهن مناسبة عند إحداهن وبينما هن يتجاذبن أطراف الحديث ذكرت احداهن ما يشغل بالهن : الزمن يجري والشباب مشغولون بفاطنة فما العمل ؟؟ كيف يتخلصن منها ، تفاكرن وتدبرن ووصلن لفكرة تريحهن من فاطنة وما تسببه لهن من بوار ، في الصباح الباكر تجمعت الفتيات وذهبن لفاطنة وطلبن منها الذهاب معهن الي بساتين النخيل لجمع البلح فرحت فاطنة ورأت في ذلك فرصة طيبة للخروج مع البنات للمرح والتسلية ، سئمت الحبس بين جدران الدار لكنها كانت تعلم ان السماح لها بالخروج ليس بالسهل لذا طلبت من البنات ان يكلمن والدها في ذلك الوقت ، قابلت البنات والد فاطنة فاعتذر لهن واخبرهن بأن الشورى في ذلك عند والدتها التي اعتذرت بدورها قائلة ان كل ما يخص فاطنة لا يتم الا بمشورة حبوبتها ، رفضت الحبوبة رفضا باتا ان تسمح لفاطنة بالخروج لم تيأس البنات ، ولم يقتنعن برد الحبوبة الحاسم بل كررن طلبهن والححن في ذلك ، مؤكدات للحبوبة حرصهن على سلامة فاطنة ، فكرت الحبوبة في طريقة لتثنيهن عن طلبهن وذلك بإعطائهن واجبا صعبا فقالت لهن (علشان اخلي فاطنة تمشي معاكن اشتت ليكن رطل سمسم ورطل دخن في ساحة الحوش وتلمنوا لي حبة حبة لو نقصت حبة واحدة فاطنة ما حتمشي معاكن ) ، قبلن البنات هذا الشرط التعجيزي ، نشر الخدم حمولة بعير من السمسم والدخن في ساحة حوش الدار الواسعة ، اخذت البنات يجمعن الحبوب بصبر شديد ، اثناء هذا العمل المضني حضر ديك والتقط بعض الحبوب فطاردته البنات وقبضن عليه وذبحنه واخرجن الحبوب من جوفه ، هكذا حتى جمعن كل الحب ، ولم يكن في وسع حبوبتا الا ان تسمح لها بالذهاب معهن ، خرجت فاطنة مع البنات الي البساتين وهي في غاية السعادة لانها لم تخرج لتلعب مع صديقاتها منذ وقت طويل ، عندما وصلن البنات لمكان جمع البلح ، كان لابد من طلوع احداهن على النخلة لقطع سبائط البلح ، زورت البنات القرعة لتقع المهمة على فاطنة ، طلعت فاطنة أعلى النخلة ، وأخذت ترمي لهن بسبائط البلح والبنات يلتقطن البلح من السبائط فيضعن الناضج في قفاهن والأخضر في قفة فاطنة ثم يغطينيه بالبلح الناضج ، واقترب الغروب نزلت فاطنة واستعدت البنات للرجوع وهنا اقتربن من الخطة التي عزمن علي تنفيذها ، وصلن البئر فقلن لفاطنة سنلعب لعبة البير والسوار وهي ان ترمي كل منا اسورتها في البئر ثم تخرجها والتي تخرج اسورتها اولا لها جائزة تنفق عليها ، ترددت فاطنة فأقنعنها بأنهن يلعبن تلك اللعبة دائما عندما يصلن البئر ، وافقت فاطنة بعد الحاح ، تظاهرت البنات برمي أساورهن في البئر ، ولكنهن رمين مجرد حجارة فرمت اسورتها وانتظرت نهاية اللعبة تضاحكت زميلاتها وتغامزن وهن راجعات نحو القرية دون ان يلتفتن لنداء فاطنة وبكائها واستجدائها ، ظلت فاطنة وحدها تبكي حائرة لا تدري ما العمل ولا تريد العودة لدارها بدون اسورتها النادرة ، بدأت الشمس في الغروب ، واذا بريح غريبة تزحف بطريقة مريبة وفي اخرها عاصفة صفراء لها صوت مد وكأنها ريح صرصر عاتية ، قالت الريح مخاطبة فاطنة : (إنتي فاطنة السمحة الله ليكي من الوراي)، خلف الريح الصفراء ظهرت ريح حمراء كلون الدم ، أشد وأعتى من الصفراء وقالت لفاطنة : (إنتي فاطنة السمحة البنات فاتو خلوك هنا ما تخافي لاكين الله ليكي من الوراي ) هكذا تكررت العواصف حتى وصلت العاصفة السابعة السوداء فخاطبت فاطنة بنفس الكلام قبل ان تنتهي من حديثها ظهر الغول بجثته الضخمة وشكله المرعب يتطاير الشرر من عينية وتهتز الارض تحت قدميه وصـــاح بصوته المخيف : (إنتي فاطنة السمحة ما تخافي هسع اطّلع ليك صيغتك من البير )ثم ادخل راسه في البئر وشرب ماءها عن آخره واخرج الاسورة واعطاها لفاطنة التي فرحت ظنا منها ان مشكلتها قد انتهت فشكرته وهمت بالذهاب لدارها ، لكن الغول فاجأها ((يلا تمشي معاي بيتي وكت نومي جا )) ، خافت فاطنة واخذت تبكي وتستجدي الغول ليتركها ترجع لأهلها ، ولكن بدون فائدة طار بها الغول وفي غمضة عين وصل بها قصره وسط الغابة الكثيفة التي لم تطأها رجل بشر ، أمر خدمه ان يهتمو لفاطنة ويقوموا على راحتها ثم وضع شعرها تحت راسه وراح في نوم عميق سيظل هكذا لمدة عام كامل ، حاولت فاطنة عبثا الافلات وهي تبكي منادية على الخدم طالبة مساعدتهم لكنهم يعتذرون خوفا من غضب الغول وانتقامه غابت الشمس وزحف الظلام على الناحية ولم تعد فاطنة ، اسرعت حبوبتها لديار صديقاتها واحدة بعد الاخرى تسألهن عنها واين تركنها ؟ واي الطرق سلكت ؟ كان ردهن جميعا واحداً (وصلت معانا لغاية الحلة وبعدين كل واحدة مشت لبيتها ما بنعرف هي بعد داك مشت وين ؟) ظلت القرية كلها ساهرة تبحث عن فاطنة ، كلما تقدم الوقت زاد معه اليأس وشعور بقرب الفجيعه ، ودب في قلوب الاهل حزن عميق ، هل سيتأكد الظن الذي ساورهم جميعا ؟ نعم فاطنة ضحية الغول الاخيرة ، لقد خطفها الوحش فما العمل ؟؟ أشار الناس على إخوتها بأخذ رأي حكيمة القرية العجوز ام كلامن بجوز ، طلبت العجوز من اخوة فاطنة السبعة ان يعودوا غدا مع الفجر ومعهم ثور ابيض ليس على جلده بقعة واحدة يذهبون به الي الغابة حيث يختفون وينتظرون بين اشجار الغابة الكثيفة حتى المساء عندما يتأكدون من نوم خدم الغول يدخلون قصره ويذبحون الثور الابيض ويرشون كل شئ في القصر بدمه اي شئ لا يرشونه بالدم سيعمل على تنبيه الغول بأن غريبا دخل داره وسيظل يردد ذلك حتى يصحو الغول ، نفذ الاخوة ما أمرتهم به العجوز ثم قصوا شعر فاطنة وحملوها مسرعين بعيدا عن دار الغول ، في تسرعهم لتخليص اختهم لم ينتبهوا وهو يرشون كل شئ بالدم ان هناك حجر منقار في مكان مظلم لم يصله الدم بعد خروجهم مباشرة اخذ الحجر يضرب على صدر الغول مردداً : (الغول اب نومتن سنة نوارة البيت ساقوها)، واستمر يردد هذه الجملة ويضرب على صدر الغول حتى افاقه من نومته الطويلة، لما لم يجد فاطنة جن جنونه واندفع خلف رائحتها مسرعا خارج القصر تسبقه العواصف ذات الالوان المختلفة ، حتى لحق بركب فاطنة واخوتها ، حالما ظهرت العواصف الملونه استعد الاخوة كلا شاهرا سيفه ، هجم الغول عليهم مهددا بانه سيخلط لحمهم على عظامهم ويشرب دماءهم ، فانبرى له اولهم وبضربة واحدة من سيفه قطع رأسه ، في غمضة عين ظهر للغول رأس آخر وهو يقهقة ضاحكا (انتو قايلين راسي واحد)وعندها هجم الاخ الثاني وقطع راسه وهو يصيح فيه : (انت قايل سيفنا واحد ) كما في الحالة السابقة ظهر للغول رأس ثالث ، استمر الحال على هذا المنوال حتى قضى ستة من الاخوة على ستة من روؤس الغول الذي ادرك انه هالك لا محالة اذا اظهر رأسه السابع فعمد الي الحيلة وهرب وهو مصمم على العودة لاخذ فاطنة والانتقام من اخوتها ، خرجت القرية كلها لتستقبل فاطنة ، حامدة الله على سلامتها وسلامة اخوتها الفرسان الذين قضوا على الغول وتهديداته ، في دار فاطنة بدأت الاستعدادت للاحتفال بهذا الحدث العظيم ، كان الغول يتابع كل ذلك عن كثب ، ويفكر في الطريقة التي يعيد بها فاطنة ويقتل اخوانها ، فتذكر انه لا بد للاحتفالات من ولائم وذبائح فصور نفسه في شكل ثور ضخم مكتنز اللحم والشحم يسر الناظرين ، واندس بين الثيران المعروضة للبيع وكان أجملها بطبيعة الحال وقع عليه اختيار اهل فاطنة ، فقد كان افضل ثور معروض للبيع اخذوه لدارهم ليبقى في الزريبة مع غيره من الحيوانات حتى يحين موعد الاحتفال بعد ايام قليلة كان الموسم الزراعي في قمة نشاطه ، وعادة أهل القرية الخروج للعمل في مزارعهم ، كذلك أهل فاطنة يتركونها مع خادمتها التي تعد الطعام وتحمله لهم في المزرعة تاركة فاطنة وحدها في الدار ، رأت فاطنة رأس الثور يتحول لرأس الغول ويقترب من طاقة الدار ويناديها بصوت أجش مخيف (( فآآآطنة ....... فآآآآآآطنة)) خافت فاطنة وامتلأت رعباً وصاحت مستغيثة ، سمعت الخادمة ، التي لم تبتعد كثيراً صوت استغاثة فاطنة ، أسرعت راجعة وهي تصيح وتنادي على الأهل الذين يعملون في المزراع ليهبوا لحماية فاطنة ، وصل الجميع ليجدوها ترتجف وهي تردد (ده ما تور دا الغول ) في البداية لم يصدقوها الاهل وظنوا ان تجربتها المخيفة مع الغول جعلتها تراه في كل شئ ، أصرت فاطنة مؤكدة أن الثور هو الغول بعينه ، في الليل وبعد ما نام الجميع رأت فاطنة الثور ورأسه رأس غول ، وهو يقترب من طاقتها ويناديها : (فآآآآآطنة ....فآآآآطنة أنا الغـــــول) فصاحت خائفة فقام جميع الأهل من نومهم وتجمعوا حولها لتؤكد لهم : (دا ما تور دا الغول ) اقتنع الاهل بقصتها وذبحوا الثور وحرقوه حتى صار رماداً نثروه في الفضاء مع الرياح ، اثناء ذبحه سقطت نقطتان من الدم بعيدا ولم ينتبه لها إحد. نقطتي الدم صارت خرزة جميلة ، والنقطة الاخرى صارت عرق نبته قرع نما وزحف ليملأ أرض الحوش ليصبح أعظم نبته قرع رآها انسان ، أثمرت كميات هائلة من القرع فأصبح في كل بيت من بيوت القرية اوان منها ، بينما كانت الخادمة تنظف الحوش وجدت الخرزة الجميلة فأعجبت بها وحملتها لفاطنة ، التي أعجبت بها هي الأخرى فنظمتها في قلادة من حرير وعلقتها لتتدلى من عنقها الجميل ، وفي منتصف الليل والناس نائمون تحولت الخرزة لعين الغول وأخذت تهمس في أذن فاطنة : (فآآآآطنة يا فآآآآآطنة أنا الغـــــول) صاحت فاطنة بأعلى صوتها فأفاق الجميع وتجمعوا حولها لتخبرهم بما حصل أخذوا الخرزة وطحنوها طحناً وحرقوها ودفنوا رمادها ، إطمأن الجميع بأنهم تخلصوا من كل شئ يذكر فاطنة بالغول ، عادت القرية لحياتها الهادئة ، وصار الاهل يخرجون للمزارع كما كانوا يفعلون في كل موسم ، خادمة فاطنة تحمل الطعام كل يوم ساعة الغداء تاركة فاطنة وحدها ، وحالما يغادر الجميع القرية تبدأ اواني القرع في التجمع والخروج من كل بيت وهي ترقص وتنادي بعضها
يــا قريعات .... يــا قريعات
يــا قريعات يــا إاخيات
الفيها لبينة ..... التنكب تجي
الفيها سمينة التنكب تجي
يــا قريعات يا قريعات