بسم اللة الرحمن الرحيم
عذاب القبر ونعيمه يكون على الروح متصلة بالبدن ومنفصلة عنه والروح حين تنفصل عن البدن يبقى لها اتصال به وهي سريعة الحركة جدا وقد ورد في أحاديث صحيحة بيان مستقر أصناف من أرواح الناس فمنها ما يكون في الجنة ومنها ما يكون في النار ومنها ما يكون في الأرض ومنها ما يكون في أماكن أخرى.
مستقر الأرواح الطيبة في حياة البرزخ
*أرواح الأنبياء في حياة البرزخ في الرفيق الأعلى في أعلى عليين كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء والمعراج رأى آدم في السماء الأولى ورأى يحيى وعيسى في السماء الثانية ورأى يوسف في السماء الثالثة ورأى إدريس في السماء الرابعة ورأى هارون في السماء الخامسة ورأى موسى في السماء السادسة ورأى إبراهيم في السماء السابعة ثبت ذلك في الصحيحين .
* من أرواح الشهداء في حياة البرزخ ما يكون في حواصل طير خضر فقد ورد عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَأَلْنَا عَبْدَ اللَّهِ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) قَالَ أَمَا إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ « أَرْوَاحُهُمْ فِى جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِى إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ فَاطَّلَعَ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمُ اطِّلاَعَةً فَقَالَ هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئًا قَالُوا أَىَّ شَىْءٍ نَشْتَهِى وَنَحْنُ نَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْنَا فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَنْ يُتْرَكُوا مِنْ أَنْ يُسْأَلُوا قَالُوا يَا رَبِّ نُرِيدُ أَنْ تَرُدَّ أَرْوَاحَنَا فِى أَجْسَادِنَا حَتَّى نُقْتَلَ فِى سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى. فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا » رواه مسلم .
*وجعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنه يكون في حياة البرزخ له جناحان يطير بها مع الملائكة في الجنة .
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" رأيت جعفرا يطير في الجنة مع الملائكة" رواه الترمذي وصححه الألباني.
*وقد رأى رسول الله عمه حمزة بن عبد المطلب سيد الشهداء في حياة البرزخ متكئا على سرير
عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دخلت الجنة البارحة فنظرت فيها فإذا جعفر يطير مع الملائكة ، وإذا حمزة متكئ على سرير " رواه الحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع .
*ومن أرواح الشهداء في حياة البرزخ ما يكون في قبة خضراء على باب الجنة فقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشيا" رواه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم 1378.
*وأرواح المؤمنين تكون في حياة البرزخ طائر يأكل من شجر الجنة،عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :" إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجع إلى جسده يوم يبعث " رواه النسائي في الكبرى و ابن ماجه وغيره وصححه الألباني .
نسمة المؤمن : روحه.
يعلق: يأكل.
تلاقي أرواح المؤمنين في حياة البرزخ
وأرواح المؤمنين في حياة البرزخ تتزاور وتتلاقي ويحدث بعضها بعضا.
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله وريحان ورب غير غضبان فتخرج كأطيب ريح المسك حتى أنه ليناوله بعضهم بعضا حتى يأتون به باب السماء فيقولون ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه فيسألونه ماذا فعل فلان ماذا فعل فلان فيقولون دعوه فإنه كان في غم الدنيا فإذا قال أما أتاكم قالوا ذهب به إلى أمه الهاوية وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله عز وجل فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون به باب الأرض فيقولون ما أنتن هذه الريح حتى يأتون به أرواح الكفار" . رواه النسائي وصححه الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم :" إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه ، فإنهم يبعثون في أكفانهم و يتزاورون في
أكفانهم " . أخرجه الخطيب في التاريخ وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم 1425.
وقد دل - أيضا- على تلاقي أرواح أهل الخير قوله تعالى :
{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}[آل عمران].
قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسيره هذه الآية الكريمة :
"هذه الآيات الكريمة فيها فضيلة الشهداء وكرامتهم، وما منَّ الله عليهم به من فضله وإحسانه، وفي ضمنها تسلية الأحياء عن قتلاهم وتعزيتهم، وتنشيطهم للقتال في سبيل الله والتعرض للشهادة، فقال: {ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله } أي: في جهاد أعداء الدين، قاصدين بذلك إعلاء كلمة الله { أمواتا } أي: لا يخطر ببالك وحسبانك أنهم ماتوا وفقدوا، وذهبت عنهم لذة الحياة الدنيا والتمتع بزهرتها، [ ص 157 ] الذي يحذر من فواته، من جبن عن القتال، وزهد في الشهادة. { بل } قد حصل لهم أعظم مما يتنافس فيه المتنافسون. فهم { أحياء عند ربهم } في دار كرامته.
ولفظ: { عند ربهم } يقتضي علو درجتهم، وقربهم من ربهم، { يرزقون } من أنواع النعيم الذي لا يعلم وصفه، إلا من أنعم به عليهم، ومع هذا { فرحين بما آتاهم الله من فضله } أي: مغتبطين بذلك، قد قرت به عيونهم، وفرحت به نفوسهم، وذلك لحسنه وكثرته، وعظمته، وكمال اللذة في الوصول إليه، وعدم المنغص، فجمع الله لهم بين نعيم البدن بالرزق، ونعيم القلب والروح بالفرح بما آتاهم من فضله: فتم لهم النعيم والسرور، وجعلوا { يستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } أي: يبشر بعضهم بعضا، بوصول إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم، وأنهم سينالون ما نالوا، { ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون } أي: يستبشرون بزوال المحذور عنهم وعن إخوانهم المستلزم كمال السرور { يستبشرون بنعمة من الله وفضل } أي: يهنىء بعضهم بعضا، بأعظم مهنأ به، وهو: نعمة ربهم، وفضله، وإحسانه، { وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين } بل ينميه ويشكره، ويزيده من فضله، ما لا يصل إليه سعيهم.
وفي هذه الآيات إثبات نعيم البرزخ، وأن الشهداء في أعلى مكان عند ربهم، وفيه تلاقي أرواح أهل الخير، وزيارة بعضهم بعضا، وتبشير بعضهم بعضا".